قدم الخميس الماضي، المؤرخ الفرنسي كريستوف لافاي، محاضرة حول استعمال الجيش الفرنسي للأسلحة الكيميائية خلال حرب التحرير الجزائرية، وقال الباحث، بأن المستعمر ارتكب محارق كيميائية في جبال الجزائر خلال الفترة الممتدة بين 1926 و 1956.
 كريستوف لافاي، الذي شارك في فعاليات لقاء أكاديمي تاريخي جمع الأسرة الجامعية بقسنطينة، بوفد من جمعية " جوزيت وموريس أودان"، أوضح بأن هذه الجرائم نفذت على يد فرقة سرية استحدثت لوضع حد لمعضلة المخابئ الأرضية و الأنفاق، وقد  راح ضحيتها الآلاف من الجزائريين، وهو ما يوجب حسبه، البحث جديا في الصلة بين محارق المغارات و ملف المفقودين، مشيرا إلى أن الوصول إلى الحقيقة لا يمكن أن يتأتى إلا من خلال التعاون بين المؤرخين الجزائريين و الفرنسيين، بغية تحقيق المصالحة و تجاوز الصفحات المظلمة من تاريخنا المشترك،  خاصة ما تعلق بملف الأسلحة الكيميائية الذي ظل مجهولا في فرنسا و غير مفهوم في الجزائر.
و حسب الباحث، فإن  أسلوب المحرقة كان ممارسة ثابتة طبعت  الفترة الاستعمارية كاملة، و قد ظهر مع بداية الغزو واستمر إلى غاية سنوات الاستقلال مع اختلاف في الأشكال، فقد كانت البداية بالمحارق التقليدية واستخدام الدخان، ثم جاءت الأسلحة الكيميائية الأكثر تطورا و فتكا، وتوضح المعطيات التي تم جمعها في فرنسا بأن فكرة استخدام الأسلحة الكيمائية في الجزائر تبلورت سنة 1956، وهي الفترة التي عرفت كما أوضح،  استحداث وحدات جديدة تعرف بوحدات المغارات، مهمتها تنفيذ عمليات مختلفة تعتمد على الأسلحة الخاصة وفق برنامج أشرف عليه عراب التجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجنيرال " أي راي"، والذي نفذ أيضا عمليات استخدمت فيها أسلحة كيميائية في مواقع معينة في الصحراء الجزائرية، وقد جاء هذا القرار كحل للقضاء على  معضلة المخابئ السرية أو "الكازمات" الخاصة بثوار جيش التحرير الوطني، إذ استخدم السلاح الكيميائي لتحييد المغارات و جعلها غير صالحة كمخابئ، وإجبار الثوار على الخروج منها علما أنها مهمة أوكلت إلى فرقة سرية تعرف باسم الوحدة  411 المكونة من مجندين تلقوا تكوينا خاصا في فرنسا عن كيفيات استخدام الغازات السامة، كان أعضاؤها يطوقون المغارات و يطلقون الغازات السامة على من يختبئون فيها من ثوار و حتى مدنيين، وهو ما كشفت عنه شهادات حية قدمها بعض المجندين السابقين، الذين أكد الباحث، بأن كثيرا منهم لم يكونوا راغبين في الذهاب إلى الجزائر، وأن غالبيتهم يعانون من صدمات حادة سببها هول العنف الذي شاهدوه أو عاشوه أو أجبروا على ممارسته في الجزائر.
و توضح الأبحاث كما أضاف المؤرخ، بأن الوحدة 411 استخدمت ماكينات خاصة لتعزيز فعالية الأسلحة الكيميائية، على غرار غرف الضغط لضخ الغازات بشكل أعمق في المغارات، كما يرجح أيضا بأنها قامت بعمليات عنيفة في الصحراء، وهو موضوع يتطلب التعمق والبحث أكثر، مضيفا، بأن العمليات الكيميائية توسعت بشكل ملحوظ بداية من سنة 1959، و استمرت حتى بعد انطلاق المفاوضات بين الطرفين الجزائري والفرنسي إذ ارتفع عدد وحدات المغارات إلى حدود 20 وحدة ، وتواصلت عملياتها على التراب الجزائري وزادت حدتها، لدرجة أن هناك أعدادا غير معروفة عن ضحاياها ، الأمر الذي يحيلنا مباشرة حسبه، للحديث عن ملف المفقودين في الجبال إبان الاستعمار، و يدفعنا لربطه بقضية المغارات التي قد تكون  مقابر للآلاف من الجزائريين الذي يجهل مصيرهم، وهو ما يتطلب كما عبر، عملا بحثيا حثيثا، خصوصا وأن المعطيات المتوفرة تشير إلى أن هناك وحدة استمرت في النشاط إلى غاية سنة 1961، و نفذت عددا معتبرا من العمليات و أحصت وحدها ما يزيد عن 200 ضحية، وذلك فإن عملية حسابية بسيطة، ستضعنا في رأيه أمام حقيقة صادمة، لعدد كبير من ضحايا الأسلحة الكيميائية، والذين قد يكون بينهم مدنيون عزل لا علاقة لهم بالثوار.
لافاي ختم بالقول، بأن البحث في هذا الملف صعب جدا في فرنسا خاصة عندما يتعلق  الأمر بالأرشيف و تحديدا ملف أسلحة الدمار،  كما أنه ليس من الموثوق حسبه، الاعتماد بشكل مطلق على الأرشيف الرسمي، لأنه نتاج مادة قدمها الجيش وصاغها وفق منظوره الخاص للأمور و مفهومه لما يمكن أن يشكل الحقيقة خصوصا.
هدى طابي

الرجوع إلى الأعلى