عاقبت مساء أمس، محكمة قسنطينة طالبين جامعيين بثلاث سنوات حبسا نافذا وغرامة مالية بقيمة خمسة ملايين سنتيم، مع إيداعهما الحبس في الجلسة، فيما حكمت على مترشح البكالوريا الذي تواصل معهما من داخل مركز إجراء الامتحان بعام ونصف حبسا نافذا وغرامة مالية بقيمة عشرة ملايين سنتيم بسبب تسريب أسئلة امتحان العلوم الإسلامية وإملاء الأجوبة على المترشح باستعمال أداة بث بالبلوتوث.
وتعود وقائع القضية، بحسب مجريات المحاكمة، إلى اليوم الأول من تنظيم شهادة البكالوريا، حيث رصد أعوان الشرطة بالزي المدني حركة مريبة لشابين، كان أحدهما يتحدث بالهاتف، بالقرب من مركز إجراء الامتحان بثانوية الأختين سعدان بشارع الكدية في وسط مدينة قسنطينة، حيث اقتربوا منهما ليكتشفوا أنهما بصدد إملاء الأجوبة على مترشح داخل المركز، فقاموا بتوقيفهما، ثم توصلوا من خلالهما إلى تحديد هوية المتهم الثالث الذي كان يتواصل معهما من داخل المركز، في حين اقتيد المعنيون إلى مقر الأمن الحضري العاشر الذي عالج القضية. وقد أفضى تفتيش هواتف المعنيين إلى العثور على صور لموضوع امتحان العلوم الإسلامية والإجابات، إلى جانب صور لموضوع امتحان اللغة العربية أيضا والإجابات عنه، حيث اجتازه المترشحون للبكالوريا خلال الفترة الصباحية من نفس اليوم.
وأفضى تفتيش أجهزة الهاتف للمعنيين أيضا إلى العثور على صور لجهاز البلوتوث الذي استعمله المترشح للتواصل مع المتهمين الآخرين، في حين لم يتم العثور على الجهاز بحوزة المتهم المترشح المسمى (ب.ع) البالغ من العمر 20 سنة. وقدم المتهمون الثلاثة أمام نيابة محكمة قسنطينة خلال الفترة الصباحية من يوم أمس، بعد أن ظلوا موقوفين تحت النظر منذ الأحد، ليحالوا على المحاكمة في إطار إجراءات المثول الفوري خلال الفترة المسائية من يوم أمس، حيث توبعوا بتهمة تسريب أسئلة امتحان شهادة البكالوريا باستعمال وسائل اتصال عن بعد. وكشفت مجريات المحاكمة أن المتهم الأول في القضية، المسمى (د.ع.أ)، البالغ من العمر 25 سنة، هو ابن خالة المترشح، فضلا عن أنه طالب جامعي في تخصص العلوم التكنولوجية، كما أن المتهم الثاني المسمى (ب.أ)، البالغ من العمر 25 سنة، طالب جامعي أيضا في تخصص رياضيات، حيث استهل القاضي الجلسة بالقول «رغم التحسيس وتشديد الإجراءات إلا أن «النافع ربي» لماذا فعلتم هذا؟».
وأبدى قاضي الجلسة تأسفا كبيرا من الحادثة، حيث ألقى على المتهمين كلمة ثقيلة ذكّر فيها بالإجراءات الصعبة التي تم اتخاذها من أجل ضمان السير الحسن لامتحانات شهادة البكالوريا على غرار قطع الأنترنيت رغم ما يكلف ذلك المواطنين، لكن ذلك لم يوقف محاولات الغش، ليأخذ المتهم (د. ع. أ) في البكاء وهو يقول إنه لم يكن يعلم أين يمكن أن توصل الإجراءات الردعية المتخذة ضد الغش، فقاطعه القاضي بالقول «إنها توصل إلى ثلاث سنوات حبسا !». وطلب المتهم من هيئة المحكمة الصّفحَ، مُكرِّرا أنه لم يكن يعلم بعاقبة هذه الأفعال، إلا أنّ القاضي ذكّر المتهمين بأنّ وسائل الإعلام تحدثت عن هذا الأمر، فضلا عن إشارته إلى كل ما نُشر عن قضية البرلماني وقائد فرقة الدرك الوطني بالنيابة اللذين أودعا الحبس بسبب تسريب موضوع امتحان البكالوريا في ولاية الوادي والحالات الأخرى المسجلة.
القاضي: الفضيحة أن تقصد طبيبا فلا يحسن تشخيص مرضك
وواصل القاضي التأكيد على خطورة الغش في امتحان البكالوريا، حيث قال «إن الطامة الكبرى أن يجلس شخص آخر مكاني مستقبلا وهو لا يفرق بين الجنحة والمخالفة... هذه هي الفضيحة. الفضيحة أن تقصد طبيبا فلا يحسن تشخيص مرضك...»، في إشارة منه إلى عواقب النجاح بالغش وآثارها السلبية. وقد أخذ المتهمان الآخران أيضا في البكاء وعبّرا عن ندمهما أيضا، في حين لم ينكر أيّ منهم الأفعال المنسوبة إليه. وطالب محامي مديرية التربية لولاية قسنطينة بتعويضٍ قيمته عشرون مليون سنتيم، معتبرا أنّ هناك اتفاقا مُسبقا بين المتهمين، في حين التمس وكيل الجمهوريّة إدانة المتهمين بالجرم المنسوب لهم ومعاقبتهم بسبع سنوات حبسا نافذا وغرامة مالية بقيمة خمسين مليون سنتيم.
أمّا محامي المتهم (ب.أ) فأوضح أن موكله مقبل على التخرج من طور الليسانس خلال الأيام القادمة، حيث اعتبر أن سماعه التماسا بسبع سنوات سيكون له انعكاس سلبي عليه، كما أضاف أن المعني كان حاضرا وقت الوقائع لكنه لم يكن يتواصل مع المترشح، ووصف وضعه بأنه «تواجد صدفة في المكان والزمان الخطأ». وأضاف نفس المصدر أنّ مُوكّله يدرس في شعبة الرياضيات ونال البكالوريا بمعدل 15 أو أكثر، في حين التمس له البراءة، مُؤكّدا أنه توقع أن يُحوّل إلى شاهد في الملف بعد تقديمهم أمام النيابة لأن الوقائع غير قائمة في حقه مضيفا أنه لا يعرف المترشح وإنما قريبه الذي كان يملي عليه الأجوبة، كما التمس مراعاة وضعه الطبي بسبب إصابته بمرض عصبي مزمن.
من جهة أخرى، قال الأستاذ مهدي كشاو المُتأسس في حقّ المترشح للبكالوريا وابن خالته، «إن طيش الشباب هو ما أوصلهم إلى القيام بما فعلوه»، معتبرا أن «المعنيين كانوا يعتقدون أنه في حال ضبط مترشح فإن العقوبة تشمله هو فقط بالإقصاء من الامتحان»، في حين التمس إفادة موكليه بأقصى ظروف التخفيف والحكم عليهما بعقوبة موقوفة التّنفيذ.
وثبّت قاضي الجلسة، في الحكم الذي صدر بعد السّاعة الرابعة، تهمة تسريب أسئلة البكالوريا باستعمال أدوات اتصال عن بعد التي توبع بها المتهمون، وعاقب المتهمين (د. ع. أ) و(ب.أ) بثلاث سنوات حبسا نافذا وغرامة مالية بقيمة خمسة ملايين سنتيم، مع الأمر بإيداعهما في الجلسة، في حين أدان المترشح للبكالوريا (ب.ع) بعام ونصف حبسا نافذا وغرامة مالية بقيمة عشرة ملايين سنتيم، لكنه لم يأمر بإيداعه في الجلسة، حيث عقب القاضي على ذلك بالقول إنه مُقصَى من البكالوريا لخمس سنوات مقبلة، كما حكم على المتهمين الثلاثة بتعويض مديرية التربية لولاية قسنطينة بعشرين مليون سنتيم، في حين واجه المتهمون الحكم الصادر في حقهم بعلامات صدمة بالغة بدت عليهم.  
سامي .ح

الرجوع إلى الأعلى