تحول اهتمام شرائح عديدة من المجتمعات، بعد الأحداث التي تبعت طوفان الأقصى نحو المحتوى التاريخي الذي يتناول القضية الفلسطينية والصراع العربي الصهيوني، فضلا عن البحث والاطلاع على سير ذاتية لشخصيات وقادة عُرفوا بتصديهم لبروتوكولات صهيونية وإفساد مخططاتهم للاستيلاء على فلسطين وإبادة سكانها الأصليين، وإعادة توطين آخرين جمعهم الكيان من جنسيات مختلفة.

وقد شكل طوفان الأقصى والجرائم التي ارتكبها الاحتلال الصهيوني على غزة، فضلا عن مشاهد القتل والدمار المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، والتحليلات السياسية ومتابعة الأخبار بشكل يومي في الدول العربية والأجنبية، اهتماما واسعا بالقضية خصوصا من ناحية القيمة التاريخية للأقصى وفلسطين.
العودة إلى أصل القضية من خلال الكتب التـاريخية

وأدى شحن الخطاب السياسي المتداول على القنوات الإخبارية من خلال تغطيتها للعدوان الصهيوني على قطاع غزة، بمصطلحات ومفاهيم تاريخية إلى توجه الشباب نحو الكتب التاريخية للبحث والإطلاع على مجموعة من القضايا والمواضيع التي أثارت  انتباههم، على غرار وعد بلفور، النكبة والنكسة، لعنة العقد الثامن فضلا عن تركيزها على التاريخ القديم لفلسطين، واليهود.
 كما رشحت صفحات إلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي تهتم بمراجع الكتب، عناوين تناولت قضايا متنوعة أهمها وجهة العالم الإسلامي، المسألة اليهودية للمفكر والفيلسوف الجزائري مالك بن نبي، الذي درس فيه، تأثيرات الفكر اليهودي في بناء أوروبا، وتشكل الظاهرة الاستعمارية، وكيف استطاع اليهود لم شملهم وتشكيل قوى سياسية وثقافية واقتصادية فاعلة على الصعيد الأوروبي والعالم، وبحسب ما نشرته صفحة «انصحني» بكتاب فقد تم تحميله منذ نشره في الثامن عشر من شهر أكتوبر، أكثر من عشرة آلاف مرة، فضلا عن كتب عالم الاجتماع والمفكر المصري عبد الوهاب المسيري، الذي أغنى المكتبة العربية بعشرات المؤلفات باللغتين العربية والإنجليزية، وتنوعت بين الموسوعات والدراسات والمقالات، ولعل أبرزها موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، نموذج تفسيري جديد، التي استغرق ربع قرن في إعدادها، وتصنف من أهم الموسوعات العربية في القرن العشرين، وقد تم تداولها بكثرة خصوصا من القراء الذين زاروا المعرض الدولي للكتاب في الجزائر سيلا، إلى جانب روايات الروائي الفلسطيني،  إبراهيم نصر الله أشهرها زمن الخيول البيضاء، والملهاة الفلسطينية الذي يغطي 250 عاما من تاريخ فلسطين.
كما جذبت الكتب التي تحدثت عن الإبادات العرقية في العالم عبر التاريخ، مثل ما حصل مع الهنود الحمر فضول الكثيرين للتعرف على هذه الثقافات التي أبيدت وحلت على أراضيها أخرى، ولعل ما دفع الأجيال للعودة إلى صفحات التاريخ هو أن الأحداث مازالت تعيد نفسها، بالفاعلين ذاتهم لكن على أراضي مختلفة.
طوفان المؤثرين يدفع المتابعين نحو الوثائقيات

ومنذ السابع من أكتوبر، وضع صناع محتوى وإعلاميين عرب حساباتهم لمساندة طوفان الأقصى ونقل صور عن معاناة الفلسطينيين بسبب العدوان الصهيوني المستمر عليهم منذ أكثر من 75 سنة، على غرار الإعلامية منى حوى، والمخرجة وصانعة المحتوى الأردنية آلاء حمدان، والإعلامية روعة أوجيه وآخرون الذين توجهوا نحو الأجانب لتثبيت سردية الحق الفلسطيني، من خلال إنشاء مقاطع قصيرة تحاكي ما حدث في النكبة واستيلاء اليهود بالقوة والمدفعية على بيوت الفلسطينيين وأراضيهم، وعلى الرغم من التضييق الذي تمارسه بعض منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وإنستغرام، فإن الرواية الفلسطينية وصلت إلى العالم بقوة وأثرت على نطاق واسع، لاسيما لدى الشباب الذين توجهوا نحو مشاهدة الوثائقيات للحصول على معلومات حول القضية الفلسطينية،
وقد عادت وثائقيات قناة الجزيرة التي تناولت التاريخ الفلسطيني، وبداية دخول اليهود إلى أرض فلسطين للتصدر على واجهة اليوتيوب لاسيما سلسلة النكبة بأجزائها الأربعة، ووثائقي إسرائيل الانقسام على الذات، ووثائقي وعد بلفور، بالإضافة إلى وثائقي «مولود في غزة» الذي يوثق لمأساة الحرب بعيون الأطفال وقد أُنتج سنة 2014 بعد العدوان الذي طال غزة آنذاك، في حي الشجاعية إلى مستشفى الشفاء ومن داخل الركام، تتوالى الشهادات عما تركت آلة الحرب الإسرائيلية في نفوس آلاف الأطفال الفلسطينيين، رحلة استكشاف قادت فريق عمل هذا الفيلم الوثائقي إلى قناعات مزعجة لمن يريد المساواة بين الضحية والجلاد.
ناهيك عن وثائقيات السير الذاتية التي عرضت حياة شخصيات فلسطينية بارزة، مثل الشهيد عز الدين القسام، والرئيس الراحل ياسر عرفات، فضلا عن الشهيد أحمد ياسين خصوصا بعد انتشار مقطع حواري له تحدث فيه عن العقد الثامن عند اليهود وتنبئه باقتراب زوال هذا الكيان.
كما استغل رواد مواقع التواصل الاجتماعي الاهتمام بالأحداث في غزة، وقدموا محتوى مبسط يشرح القضية الفلسطينية وقيمة أرض فلسطين بالنسبة للمسلمين، للأطفال والناشئة لتعريفهم بقضايا أمتهم، فضلا عن انتشار قنوات على التلغرام تقدم دورات مجانية في هذا المساق، أبرزها دورة طوفان المعرفة المقدسية، وطوفان المعرفة، الذين تناولوا محاور عديدة ركزت على مكانة وفضل المسجد الأقصى، ونصرته من طرف المسلمين.
المسلسلات التاريخية العربية ند للبروبوغاندا الهوليوودية

وتعتبر القضية الفلسطينية إحدى أهم القضايا العربية التي تم تناولها على شكل مسلسلات تلفزيونية، وذلك من أجل الكشف بشكل أكبر ومعمق عن تفاصيل ما يعيشه الشعب الفلسطيني من ظلم ومعاناة، منذ النكبة إلى غاية الآن، وبالنظر إلى حجم الاهتمام فقد أعلنت قنوات تلفزيونية عن إعادة بث مجموعة من المسلسلات التاريخية العربية التي تناولت القضية الفلسطينية، أشهرها المسلسل السوري «التغريبة الفلسطينية» للمخرج حاتم علي، ورغم أن المسلسل أُنتج عام 2004 في سوريا، إلّا أنَّ استعادته في مثل هذه الأيام، كفيلةٌ بأن تمنح المشاهد مرجعا يأخذه في رحلة.  حيث  في بداية القصة، يسرد المسلسل حكاية اللجوء الفلسطيني في»النكبة» عام 1948، من خلال التركيز على عائلة صالح الشيخ يونس الذي لعب دورَه الفنان السوري الراحل خالد تاجا، فيبدأ بناء الشخصيات وتركيبها في القصة منطلقاً من ثلاثينيات القرن الماضي، حين كانت تلك العائلة الريفية تعاني من سطوة الإقطاعيين ومُلّاك الأراضي من جهة، ومن الانتداب وتضييقاته الرامية لتسهيل المخطط الصهيوني اليهودي من جهة أُخرى، فيرصد المسلسل الحالة الاجتماعية في تلك الفترة، ويتتبّع ما لحقها من انقلاب الحال في «النكبة»، وصولاً إلى أحداث «النكسة» وما تبعها.
والمسلسل السوري «عز الدين القسام»، الذي تم تصويره عام 1981،  ويتناول قصة ثورة الشيخ السوري المجاهد عز الدين القسام ضد الاحتلال الصهيوني، في فلسطين، إذ خلال تلك الفترة، بدأ الشيخ القسام يستنهض المواطنين في فلسطين ويكشف لهم خيوط المؤامرة التي تحاك ضد بلاد العرب والمسلمين عموماً وفلسطين خصوصاً.
كما استعرض مخرجون ونقاد سينمائيون عرب اقتراحات لمجموعة من أفلام عربية وأجنبية تحاكي الواقع الفلسطيني، وما يجري ضد الفلسطينيين من تنكر لحقهم بسبب البروبوغاندا الغربية الموالية للاحتلال الصهيوني، وحماية جرائمه والسكوت عنها، مثل فيلم باب الشمس، والفيلم الأمريكي»هانا ك» الذي سُحب من دور العرض السينمائية بعد إثارته الكثير من الاعتراضات، ولم يحصل حتى على الدعاية الكافية، بسبب تعاطف مخرجه مع الفلسطينيين الذين هُجروا من أرضهم واحتلها الإسرائيليون، فضلا عن المسلسل البريطاني الوعد الذي أُنتج عام 2011 وصوُرت كل حلقاته بفلسطين المحلتة، حيث أخرجه وألفه المخرج التليفزيوني بيتر كوزمنسكي، يسير المسلسل في خطين زمنيين متوازيين وهما الأربعينيات من القرن الماضي، وبداية العقد الثاني من الألفية، ووفقًا لأحداث المسلسل، فإنها ركزت تركيزًا كليًا على الانتهاكات والتفجيرات التي ارتكبتها العصابات الصهيونية وقت الانتداب وقبيل النكبة.
إيناس كبير

الرجوع إلى الأعلى