تتحقق الإنجازات بالصبر و والإرادة و حب الحياة، بهذه الكلمات بدأت كنزة أبركان صاحبة 45 عاما، حديثها للنصر، لتروي تفاصيل نجاحها في تخطي التريزوميا، والالتحاق بسلك التعلم لتثبت نفسها وتتجاوز الصعوبات، و تغير الصورة النمطية عن المصابين بمتلازمة داون وتثبت أن بإمكانهم أن يكتبوا قصصا عن التفوق والنجاح بحبر الطموح  والقدرة على العطاء.

قابلنا كنزة، بإحدى المدارس ببلدية الخروب بقسنطينة، أين تشرف منذ أكثر من 11 سنة، على مهمة تسجيل الحضور بمركز جمعية أمل تريزوميا 21، المتواجدة على مستوى الطابق الثاني للمؤسسة التعليمية ابن رشد ببلدية الخروب، استقبلتنا بحفاوة وعادت بنا إلى سنوات طفولتها قائلة، بأنها ولدت مصابة بالتريزوميا و تحديد "متلازمة الحب" أو متلازمة داون، مع ذلك فقد حظيت دائما بمعاملة الفتاة العادية من قبل أفراد أسرتها، الذين قرروا تسجيلها في المدرسة الابتدائية "علي يزليوي" بحيها السكني، لتزاول تعليمها رفقة الأطفال العاديين دون عقدة.
لم تعقها متلازمة الحب
 أخبرتنا، بأن الثقة التي منحتها لها العائلة، مكنتها من التأقلم سريعا       حيث حققت نتائج جيدة وأثرت رصيدها المعرفي والفكري ونمت قدراتها الاتصالية مع الآخرين، مع ذلك فقد كان من الصعب عليها مجاراة التلاميذ الآخرين و مسايرة نمط التدريس بشكل مستمر في مراحل لاحقة، ولذلك ألحقها والداها بمراكز خاصة بالتكوين المهني، أين  تلقت دروسا تطبيقية ساهمت في تنمية مهاراتها  في عدة  مجالات، فهي تتقن التصوير الفوتوغرافي و الطرز والخياطة، إلى جانب براعتها في مجال الحلاقة والتجميل، المجال الذي اختارت تعلمه لأنها تحب الظهور في المناسبات والأفراح بشكل جميل وراق كما علقت.
 ووصفت الشابة، عائلتها بالأسرة الواعية، لأنها أدركت  أن إصابة ابنتها بمتلازمة داون، لا يعني  حرمانها من أبسط حقوقها، بل العكس فقط حظيت بالتشجيع و الدعم المعنوي اللازم لتتمكن من المضي قدما و تقتحم عالم الشغل، كي لا تبقى حبيسة البيت و النظرة الاجتماعية الظالمة والضيقة، الذي تضع أمثالها على الهامش و ترهن أحلامهم بسبب الخوف والسلبية.
 وأضافت  كنزة، بأن رغبتها الجامحة في الاندماج اجتماعيا، جعلتها تتجاوز الكثير من الصعوبات والعراقيل، لقناعتها التامة بأن لكل مجتهد نصيبا، ولذلك فقد تحلت بالثقة والطموح، ولم تتوقف يوما عن الاجتهاد لتنمية طاقاتها الفكرية والجسدية وكذا العاطفية والإنسانية، لدرجة أنها باتت تشعر بأنها مسؤولة عن مساعدة غيرها، وأن تكون السند القوي لكل محتاج خصوصا من هم في مثل ظروفها، وهكذا نمت بداخلها الرغبة في العمل بمركز جمعية أمل الذي تديره والدتها، حتى تشارك الأطفال تجربتها في الحياة  وتساعدهم على الانخراط  في المجتمع، ومواجهة النظرة النمطية التي تمتزج فيها الحسرة بالشفقة.
كسبت ثقة الجميع واستحقت محبتهم واحترامهم
وعن  طبيعة عملها، أوضحت بأنها تغادر المنزل صباحا نحو المدرسة كأي موظف آخر، وتبدأ يومها بتحية جميع زملائها، ثم تتوجه إلى مكتبها  من أجل أخذ سجل الحضور، والانطلاق في جولة صباحية بين الأقسام لتسجيل الغيابات، وفي خضم ذلك تقتنص الفرصة لتبادل أطفال التريزوميا القبلات والأحضان المليئة بالحب والمشاعر الجميلة،            وتحرص على إمدادهم بجرعة من الأمل، حتى تنمي قدراتهم التواصلية فيصبحوا مثلها أو أفضل منها، أفرادا ناجحين  في  المجالات التي يحبونها.
تتحدث اللغة الفرنسية منذ الصغر
وقالت الشابة، إنها لا تواجه أية صعوبات أثناء تأديتها لعملها، لأنها تمارسه بحب وشغف، فضلا عن أن زملاءها من الأساتذة والمختصين النفسانيين وجميع العمال، يحبونها كثيرا ويدعمونها في كل ما تقوم به.وأشارت المتحدثة، إلى أنها تتقن الحديث باللغة الفرنسية بطلاقة ولا تجد  أي إشكال في التواصل بها، بحيث تعلمتها منذ أن كانت  صغيرة جدا، مرجعة الفضل إلى أسرتها و المحيط الاجتماعي الذي ترعرعت فيه، أين تعلمت قواعد النطق بهذه اللغة بطريقة سليمة.
كما تعتبر الشابة نفسها عبقرية لأنها تجيد استعمال أغلب الأجهزة  الذكية، كالهاتف النقال وآلة الطباعة والحاسوب، و تعرف مبادئ تشغيلها واستخدامها بشكل جيد، و أوضحت كنزة، بأن ما حققته من إنجازات لم يكن بالأمر الهين والسهل، إلا أن الإرادة وتشجيع الأهل والأصدقاء لها كان له الأثر البالغ في كل خطوة خطتها لتتعلم هواية جديدة أو لتتقدم في مسارها العملي، حتى لا تكون رقما إضافيا فقط في  المجتمع، بل فردا فعالا و مؤثرا.
يجب إدماج أطفال التريزوميا في المجتمع
وحسب محدثتنا، فإنه يحق للمصابين بمتلازمة داون، الولوج إلى عالم الشغل وممارسة المهنة التي يريدونها، لأنهم يملكون طاقات كبيرة قد لا تتوفر عند الأشخاص العاديين، فهم منضبطون وأذكياء ويمارسون مهامهم بصدق وإخلاص.وترى المتحدثة، بأنه يجب على الأولياء احتواء أطفالهم وشكر الله على نعمته، و السعي لدعمهم وإدماجهم في المجتمع وإيجاد الطريقة الأنسب للتعامل مع كل حالة و رعايتها جيدا بعيدا عن المبالغة أو التفريط.وأكدت كنزة، أن الجمعية التي تعمل لصالحها تتكفل بأطفال تريزوميا 21، لتنمية قدراتهم و تمكينهم من استغلال طاقاتهم  الفكرية و الجسدية في المجتمع، مضيفة بأنها تضم عددا كبيرا من المنتسبين الذين  تتراوح أعمارهم  بين 4 سنوات و20 سنة.وكشفت كنزة، بأن ذات الجمعية تسطر في كل سنة برنامجا ثريا، متنوعا من نشاطات و خرجات و البرامج التعليمية والتثقيفية والتوعية،  يتناسب مع كل فئة عمرية، و يتم اختياره ليفيد الجميع رغم اختلاف القدرات العقلية، موضحة بأن البرامج التعليمة و الحرف اليدوية التي يتلقاها المنخرطون في الجمعية، تساهم بشكل كبير في اندماجهم مهنيا واجتماعيا في المستقبل.وقالت، بأن جل أفراد عائلتها يشتغلون في المجال الطبي بما في ذلك شقيقها المختص في طب الأطفال، و الذي يشرف على معالجة أطفال الجمعية ويقدم لهم الرعاية الصحية و الوقائية المناسبة.                 
لينة دلول

الرجوع إلى الأعلى