تبنّت مدارس ابتدائية على مستوى قسنطينة، ثقافة تعليمية و تربوية موازية تعتمد على إدماج التلاميذ في نواد للأنشطة تقدم دروسا في عديد المجالات مثل الصحة و البيئة و الموسيقى و المسرح و اللغات وغير ذلك،  وهي نواد يشرف عليها أساتذة وأولياء كذلك، وتعرف اهتماما من قبل تلاميذ وجدوا فيها فرصة لتفجير طاقاتهم وممارسة هواياتهم، واكتشاف أنفسهم وقدراتهم، حيث كسر هذا النوع من التنشيط روتين الدراسة و خفّف ثقل البرنامج البيداغوجي المكثف، وسمح لهم بتكوين علاقة أفضل مع المدرسة.

تعليم و تسلية
تعرف هذه النوادي المدرسية انخراطا كبيرا من قبل التلاميذ في مختلف الأقسام، من السنة الأولى إلى المستوى الخامس، كما أكده مشرفون عليها ولمسته النصر، خلال زيارة لابتدائيات بقسنطينة، حيث يلتحقون بها في أوقات الفراغ لصقل مواهبهم في مناخ علمي سليم تحت إشراف جيد وفي أجواء جميلة بعيدا عن ضغط الدراسة، خصوصا وأنه يحق لكل تلميذ اختيار النادي الذي يريده و يتناسب مع ميولاته و اهتماماته.
ولا يقتصر الاهتمام بالنوادي على تلاميذ السنتين الرابعة و الخامسة فقط بل حتى المسجلين في القسمين الأول و الثاني، و ذلك لتنوع النشاطات  وبساطتها، ناهيك عن أنها تجمع بين التعلم و التسلية، كما أنها فضاءات مفتوحة لا يحتكرها الأساتذة فقط بل تعرف مساهمة فعالة للأولياء الذين يتطوعون لتعليم و تكوين التلاميذ حسب مجالات اختصاصهم، بينهم أطباء و صيادلة و فنانون، و يشمل التكوين دروسا و توجيهات نظرية إلى جانب خرجات ميدانية و بعض الأنشطة التطبيقية التي تقدم كثيرا من المتعة و تعزز ثقة التلميذ في قدراته و تمنحه فرصة لإبراز موهبته              وتطويرها، ولما لا تحديد ما يريد أن يكون عليه في المستقبل كما عبر عنه أساتذة شملهم استطلاعنا.
كما تأخذ بعض النوادي خصوصية مختلفة، و تكيف نشاطاتها لتتماشى مع المناسبات الدينية و الوطنية وحتى العالمية، مع إشراك كبير للتلاميذ المنخرطين فيها، بهدف بناء شخصياتهم و تعزيز انتمائهم الحضاري وإثراء ثقافتهم، في إطار مشروع لصناعة النخبة.
المدرسة الابتدائية صالح بو الطبر.. استثمار مبكر في المواهب
بدأنا جولتنا من المؤسسة الابتدائية صالح بو الطبر ببلدية عين سمارة، التي استثمرت إدارتها في أكثر في مجال لتكوين التلاميذ خارج المنهاج، وتضم المؤسسة بالإجمال ستة نواد مختلفة، هدفها تنمية مهارات وقدرات التلاميذ العملية والتربوية والسلوكية، وذلك في جو يسوده التطوع وتقبل الاختلاف وروح المبادرة.
وحسب الأساتذة بودراع، المشرفة على نادي القارئ الفعال، فإن النوادي تعتبر إضافة نوعية فارقة في المؤسسة وتعرف انخراطا مهما لأولياء تتوافق مهنهم مع خصوصية النادي الذي يشرفون عليه، إلى جانب تطوع مجموعة من الأساتذة للمساهمة في التنشيط و التعليم، حيث تتقاطع الأهداف لتنتج معا تلميذ مميزا ومشروع فرد إيجابي في المجتمع.
وأضافت المتحدثة، أن جميع النوادي الناشطة بالمؤسسة، يسودها جو يشجع التلاميذ على العمل ضمن الفريق واكتساب مهارة التواصل، الأمر دفعهم كأساتذة إلى التفكير في استحداث نوادي أخرى لاكتشاف المواهب الدفينة و الاعتناء بها ودعمها خلال كل مراحل التعليم لرفع مستواها، وحث التلميذ على المواصلة، كي يكون قدوة لزملائه.
وقالت، إن مفهوم الأندية تغير خلال السنوات الأخيرة، وذلك بعدما تعددت مجالات النشاط، وصارت مبينة التوجيه المتخصص و توفير الوسائل الضرورية للجمع بن المعرفة النظرية و التجربة التطبيقية لإعداد جيل من الشباب قادر على التعامل مع مخرجات التكنولوجية و العلوم الحديثة.
 وتنشط النوادي التي تضمها المدرسة الابتدائية صالح بوالطبر، حسب المتحدثة، داخل وخارج المؤسسة، حيث تتحكم طبيعة النشاط في المكان و الزمان، مشيرة إلى أن أول ناد تأسس بالمدرسة، هو «القارئ الفعال» سنة 2022، ويعد بمثابة البيت الحقيقي للقراء هدفه، جمع التلاميذ من محبي القراءة لتبادل التجارب والآراء حول الكتب، في جو من النقاشات المثمرة.
بستنة مدرسية وتربية مرورية وناد للطبيب و الصيدلي الصغير
انطلق بعده بسنة كما أضافت، النادي الأخضر سنة 2023 ، و الذي اختير له اسم «فسيلة»، وهدفه تقوية العلاقة بين التلميذ و البيئة وتكوين أجيال صاعدة تحب وتحترم المحيط وتحافظ عليه، وذلك من خلال تنظيم حملات تطوعية « للتشجير و التنظيف»، إلى جانب البستنة المدرسية، مع برمجة خرجات ميدانية بمرافقة إطارات مديرية البيئة، ومحافظة الغابات للاحتفال بالمناسبات البيئية.
 وحسبها، فقد تم مؤخرا استحداث أربعة نواد جديد، هي نادي التربية المرورية، و نادي الطبيب الصغير، و الصيدلي الصغير إلى جانب نادي اللغات الأجنبية، وكلها فضاءات يشرف عليها مختصون في المجال، وأساتذة بغية ضمان تأطير نوعي للتلاميذ.
 وقد حظيت هذه النوادي بحسب الأستاذة، بترحيب كبير من قبل التلاميذ وأوليائهم، بدليل الإقبال المنقطع على التسجيل فيها، و المشاركة في جميع النشاطات، وقالت إن العديد من التلاميذ عبروا عن فرحتهم بعد الالتحاق بها واختبار تجربة تعليمية مغايرة تجمع بين المرح والتلقين، لأنها تحفزهم على إبراز قدراتهم وتفجير مواهبهم والحصول على جرعة من التسلية كذلك، مشيرة إلى أن عدد التلاميذ في النادي لا يتعدى 10 يختارهم الأساتذة المشرفون، و يراعون في ذلك ميولات ومواهب الطفل بالدرجة الأولى.
 ويطبق الأساتذة حسبها، سياسة تواصلية وإبداعية مع التلاميذ لتحسين سلوكهم، و تسهيل اندماجهم في  محيطهم الاجتماعي، حتى يتخلصوا من الخجل والانطواء، مضيفة بأن الأولياء لاحظوا تغيرا في سلوك أبنائهم ، كما وجد الأساتذة بأن هذه الفضاءات كان لها أثر كبير على التحصيل الدراسي وعلى الصعيدين النفسي والاجتماعي للطفل. وأشارت محدثتنا، إلى غياب ثقافة الأندية في عدد كبير من المؤسسات التربوية وبالأخص في الابتدائيات، رغم أهميتها في تنمية روح الإبداع و المواطنة وترسيخ القيم الأخلاقية لدى التلاميذ، مشددة على ضرورة أن تتوفر كل مؤسسة على ثلاث نواد على الأقل، لما لها من أهمية في صقل مواهب التلاميذ، وتنمية سلوكهم وتحفيز الفضول العلمي لديهم للبحث والاستقصاء والاكتشاف.
 وأكدت بودراع، أن أهداف النوادي التربوية عديدة، تتمثل في تقوية الشعور بالانتماء للجماعة، و دعم المبادرة الفردية و تعلم العمل الجماعي، فضلا عن زيادة التعاون واكتساب الثقة لإبداء الرأي وقبول الاختلاف، و تنمية الشخصية والاتجاهات والقيم والكفاءات، والتمرن على تحمل المسؤولية والديمقراطية، و تنمية روح المواطنة والتواصل والحوار، والتنظيم والتدبير والتقويم، ناهيك عن الانفتاح على المحيط.
نجوم القرآن تسطع بمؤسسة غنوجة بن حافظ
 من جانبها، أكدت سدوس أمال، مديرة ابتدائية غنوجة بن حافظ، بحي زواغي سليمان ببلدية قسنطينة، وجود إقبال كبير على نوادي المؤسسة وبالأخص نادي القرآن الذي يحمل تسمية « تاج الوقار»، وهو فضاء حيوي تأسس سنة 2016، يضم 110 تلاميذ، و من أهدافه ربط التلميذ بكتاب الله حتى يتعلم الحفظ و يكتسب حسن الخلق. ويوجد في المؤسسة تضيف المتحدثة، ناد أخصر، هدفه العناية بالثقافة البيئية وتشكيل الوعي في الناشئة وتغذية روح المبادرة لحماية المحيط وخدمته.
ناد جديد لعشاق الطبخ
 وكشفت المديرة، عن مشروع ناد جديد للطباخ الصغير، سيتيح للطفل فرصة الالتحاق بدورة طبخ ممتعة ومسلية تزيد من ثقته بنفسه، مشيرة إلى أنها تجربة مختلفة ستخصص لتلاميذ القسم الثالث و الرابع والخامس، مؤكدة بأن النوادي على اختلافها طريق معبد بالورود، لتكوين الطفل خارج المنهاج و تقوية شخصيته.
ويرى الأخصائي النفساني مليك دريد، بأن النوادي المدرسية بأنواعها سواء كانت علمية، ثقافية أو رياضية، مهمة لتنمية روح الجماعة و بناء الشخصية من خلال مشاركة التلاميذ لهواياتهم، وأكد أن الأنشطة المفيدة توظف طاقة التلميذ إيجابيا و تحميه من الآفات الاجتماعية، و إدمان الأجهزة الإلكترونية التي تسبب مشاكل نفسية وسلوكية.
لينة دلول

الرجوع إلى الأعلى