* قمة الجزائر قد تفضي إلى ميلاد «أوبك للغاز»
تعد الجزائر في مقدمة الدول المصدّرة لأنواع الطاقة المختلفة إلى أوروبا، ولا سيما الغاز المسال، إذ تتمتع بموثوقية عالية تمتد لعقود عديدة، فيما يتعلق بتوفير إمدادات الغاز، وقد تفضي قمة الجزائر للدول المنتجة للغاز التي ستعقد أواخر الشهر الجاري بقصر المؤتمرات، إلى «أرضية توافق» تضمن «نجاحها» والتي قد «تفضي أيضا إلى ميلاد تكتل مماثل لمنظمة البلدان المصدرة للبترول خلال السنوات القادمة «.
اعتبر الباحث في الاقتصاد والمختص في الشؤون الجيو-سياسية، لاغا شقروش، أن قمة منتدى الدول المصدرة للغاز تكتسي أهمية بالغة لضمان استقرار سوق الغاز عبر تحقيق إجماع بين أعضاء المنتدى بخصوص صيغ البيع والأسعار،  وأكد الدكتور شقروش، في تصريح إذاعي، أن هذه القمة التي ستنعقد في الجزائر من 29 فبراير إلى 2 مارس تكتسي «طابعا مميزا» كونها تضم قادة مؤثرين على الساحة الدولية وفي مستقبل الغاز.
وفي هذا الشأن، أوضح الباحث أن أعضاء المنتدى «لهم القدرة على تغيير ظروف السوق لصالحهم» بالنظر إلى الإرادة و»التوافق» السائد بينهم، مشيرا إلى أن «الجزائر هي البلد الوحيد القادر، خلال هذه القمة، على ضمان هذا الانسجام» بفضل خبرتها في مجال المفاوضات.
وبهدف ضمان مصالحهم وخاصة سيادتهم، سيدافع الأعضاء في المنتدى عن مبادئ «خذ أو ادفع» و كذا عن سعر «عادل» من خلال تفضيل العقود طويلة الآجل و ليس الأسواق الفورية التي «لا توفر الاستقرار»، على حد قوله. ولتحقيق ذلك، يتطلع السيد شقروش، ضمن تحليله، إلى أن تفضي قمة الجزائر إلى «أرضية توافق» تضمن «نجاحها» والتي قد «تفضي أيضا إلى ميلاد تكتل مماثل لمنظمة البلدان المصدرة للبترول خلال السنوات القادمة (أوبيب)».
ولدى تطرقه إلى «دور الوساطة» الذي تعرف به بالجزائر، فقد أكد الباحث على الطابع «الاستراتيجي» لقمة الجزائر كونها تسمح بـ « تحديد قواعد التشاور التقني و الاستراتيجي بين البلدان المنتجة والمصدرة».
  مكانة متميزة في صناعة الغاز
ويؤكد خبراء على الدور الكبير الذي تلعبه الجزائر في سوق الغاز، باعتبارها أحد الموردين الموثوقين على مستوى العالم. حيث تمتلك الجزائر مكانة متميزة في صناعة الغاز على المستويين الإقليمي والعالمي، ونجحت خلال العام الماضي (2023) في تحقيق أداء متميز ما جعلها تتربع على قائمة أكبر مصدر للغاز المسال في أفريقيا.
وتأتي الجزائر في مقدمة الدول المصدّرة لأنواع الطاقة المختلفة إلى أوروبا، ولا سيما الغاز المسال، إذ تتمتع بموثوقية عالية تمتد لعقود عديدة، فيما يتعلق بتوفير إمدادات الغاز، سواء المسال أو عبر خطوط الأنابيب. وتمثل الجزائر نحو 14 بالمائة من إجمالي واردات الاتحاد الأوروبي من غاز خطوط الأنابيب والغاز الطبيعي المسال، وفقًا لأحدث بيانات السوق الصادرة عن المفوضية.
كما استطاعت الجزائر أن تحل في المرتبة الأولى في أفريقيا كأكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال لأول مرة منذ عام 2010، إذ كانت نيجيريا محتفظة بهذه المكانة لأكبر من عقد من الزمان. فخلال العام الماضي 2023، حققت صادرات الغاز المسال الجزائري قفزة كبيرة، مكّنتها من إزاحة نيجيريا عن صدارة قائمة أكبر مصدّري الغاز المسال في أفريقيا، لتحلّ محلّها، لا سيما في قائمة أكبر المصدّرين إلى السوق الأوروبية.
وكانت صادرات الجزائر من الغاز المسال قد ارتفعت بنسبة 26.1 بالمائة، وهو معدل النمو الأعلى عربيًا في 2023، إذ بلغ إجمالي الصادرات خلال العام الماضي نحو 12.9 مليون طن، عند أعلى معدل منذ عام 2010، وكذلك أعلى من صادرات 2022، البالغة 10.2 مليون طن.
وتضم قائمة كبار عملاء الجزائر في أوروبا كلا من إيطاليا التي يربطها خط أنابيب مع الجزائر عبر تونس، وإسبانيا التي تحصل على الغاز الجزائري عبر خطوط الأنابيب والناقلات، وكذلك فرنسا وتركيا. وتشحن الجزائر الغاز عبر خطوط الأنابيب إلى جنوب أوروبا والغاز الطبيعي المسال إلى جميع أنحاء القارة.
وفي صدارة الدول المستوردة للغاز المسال الجزائري، جاءت تركيا، التي حصلت على 4,4 مليون طن، بما يتجاوز الالتزامات التعاقدية بينهما، البالغة 3.2 مليون طن سنويًا، وفق ما جاء في تقرير لمنظمة أوابك، وقد تشكّل الصفقة التي وقّعتها شركة سوناطراك، مع شركة بوتاش التركية، في نوفمبر 2023 بوابة جديدة لعبور الصادرات الجزائرية إلى دول شرق أوروبا. وينص العقد الموقّع بين سوناطراك الجزائرية وبوتاش التركية على رفع حجم صادرات الغاز الجزائري إلى تركيا، لنحو 5.4 مليار متر مكعب سنويًا، بدلًا من 4.4 مليار متر مكعّب المتضمنة في العقد السابق.
وجاءت الجزائر في مقدمة مصدّري الغاز إلى إسبانيا في شهر جانفي 2024 بنسبة عند نحو 10 تيراواط/ساعة، من بينها 9 تيراواط/ساعة من الغاز الطبيعي، و قرابة 1 تيراواط/ساعة من الغاز المسال. وتُعدّ هذه الأحجام ثابتة مقارنةً بشهر ديسمبر 2023، ولكنها سجلت ارتفاعًا على أساس سنوي، إذ بلغت واردات إسبانيا من الغاز الجزائري في يناير 2023 نحو 8.55 تيراواط/ساعة، دون وصول أيّ إمدادات من الغاز المسال.
كما حلّت الجزائر في مقدمة صادرات الغاز المسال العربية إلى فرنسا، بنسبة بلغت 11.8 بالمائة من الإمدادات، بينما سجلت الصادرات العربية الإجمالية نحو 20 بالمائة من واردات باريس. حيث جاءت صادرات الغاز المسال العربية إلى فرنسا عبر 4 دول، هي الجزائر وقطر وسلطنة عمان ومصر.
كما وقّعت ألمانيا مؤخرا أول صفقة لاستيراد الغاز الجزائري عبر خطوط الأنابيب، وذلك خلال زيارة نائب المستشار الألماني ووزير الاقتصاد وحماية المناخ روبرت هابيك. في خطوة من شأنها أن تؤمّن احتياجات برلين من الطلب المتزايد على الطاقة. وبموجب الصفقة، ستستورد شركة المرافق الألمانية «في إن جي» (VNG) الغاز الطبيعي الجزائري من شركة سوناطراك، التي تتطلع إلى إبرام المزيد من صفقات الغاز الطبيعي والغاز المسال خلال الفترة المقبلة.
ويرى خبراء بان هذا النوع من الاتفاقيات يندرج تحت خطة الجزائر لتنويع شركائها وعملائها؛ ومن ثم الاستفادة من ارتفاع أسعار المواد الطاقوية لتحسين العائدات بالعملة الصعبة، وهو ما تعمل عليه الجزائر من خلال الاعتماد على الأسواق الفورية مؤخرًا.
ع سمير

الرجوع إلى الأعلى