شراكة أمريكية تحرك وحدة صيانة عتاد السكك الحديدية بقسنطينة

استعادت وحدة صيانة عتاد السكك الحديدية بقسنطينة، نشاطها بعد فترة ركود لازمتها لقرابة 6 سنوات، و ذلك ببدء برنامج شراكة مع العملاق الأمريكي «جينيرال إيليكتريكس» و استفادتها من 30 مليون دولار، خُصّصت لتجديد عتاد عمره 30 سنة، و لصيانة قطارات «الأوتوراي»، التي تعرضت لعمليات تخريب بسبب ظاهرة الرشق بالحجارة من طرف سكان المناطق التي تعبرها السكة .

روبورتاج: ياسمين بوالجدري

«النصر» تنقلت إلى وحدة صيانة عتاد السكك الحديدية الواقعة بحي سيدي مبروك، و التي تعد الثالثة من نوعها على المستوى الوطني، حيث تختص هذه الوحدة بحسب مديرها شافي مراد، في صيانة العتاد المجرور و المحركات، و هي مقسمة إلى ورشتين، يتم بإحداها صيانة قاطرات نقل البضائع أمريكية الصنع و هي بقوة 1800 حصان و استوردت منذ حوالي 37 سنة، فيما يختص النوع الثاني من الورشات في صيانة عربات الأوتوراي الحديثة أو ما يسمى بقطار الدفع الذاتي.
و تشرف الورشة الأولى على صيانة 25 قاطرة لنقل البضائع من صنع الشركة الأمريكية «جينيرال إيليكتريكس»، حيث تم إطلاقها لتركيب قطع الغيار المستوردة و التي تسبب نقصها خلال الست سنوات الأخيرة، في توقف حوالي 18 قاطرة عن العمل، و هو وضع حرج يقول السيد شافي، أنه كان ليتسبب في توقف ما تبقى من القاطرات، لولا تدخل المديرية العامة للشركة الوطنية للنقل بالسكك الحديدية، لإبرام اتفاق مع المصنع الأمريكي من أجل إيجاد مخرج لهذا المأزق و الرفع من إنتاجية الوحدة و قدراتها، خاصة و أنها تتوفر على كوادر و يد عاملة مختصة.
قطارات بمحركات أمريكية أقوى و صديقة للبيئة
و قد اتفق مع الجانب الأمريكي على التغيير الكلي لبعض الأجهزة الرئيسية في 12 قاطرة، لتكون أكثر تطورا و مواكبة للتكنولوجيا، باستبدال المحركات بتجهيزات أخرى تصل قوتها إلى 2000 حصان و تعد صديقة للبيئة، إضافة إلى تغيير أجهزة التحكم و جهاز الضغط الهوائي و قاطرة السائق، و أضاف مدير الوحدة أن العملية انطلقت على مستوى قاطرتين يجري تنظيفهما حاليا و تفكيك قطعها التي سوف تستبدل، قبل وصول المختصين الأمريكيين الأسبوع المقبل، من أجل العمل إلى جانب الإطارات و العمال الجزائريين، على تركيب القطع الجديدة المستوردة من الولايات المتحدة الأمريكية.
و ستسمح عملية تحديث العربات التي كلفت مبلغ 20 مليون دولار، بزيادة عمرها الافتراضي إلى 20 سنة أخرى، مع ضمان الصيانة لمدة 28 شهرا و خدمة ما بعد البيع و كذا ضمان شق التكوين الذي سيمس 20 عاملا بورشات وحدة سيدي مبروك، حيث يقدر المختصون المدة التي تستغرقها عملية صيانة في كل قاطرة، بحوالي شهرين، ما قد يسمح بإنهاء المشروع خلال سنة تقريبا، إذا سارت الأمور على ما يرام و وصلت قطع الغيار في الوقت المناسب.
و سيتم بموجب برنامج العصرنة رفع طاقة استيعاب كل قاطرة محملة بالقمح و المحروقات، ما سيساهم في إنعاش القطاع الاقتصادي و يقلل من حوادث المرور الخطيرة على مستوى الطرقات، و التي كثيرا ما يتسبب فيها الشاحنات المستعملة في نقل البضائع بين ولايات الوطن، كما أن أجهزة التحكم الحديثة التي سوف تركب بالقاطرات، يمكنها تحديد موقع الخلل بدقة في حالة حدوث الأعطاب، ما سيسمح بربح الوقت و إجراء عملية الصيانة أو الإصلاح بشكل مباشر و فوري.
و أضاف مدير الوحدة بأن مشروع التحديث سوف يمس أيضا وسائل العمل التي يعود العديد منها إلى سنة 1935، و لم تعد عمليات الصيانة قادرة على جعلها مواكبة للتطور الذي يشهده قطاع السكك الحديدية، حيث أطلقت المديرية العامة مناقصة بلغت مرحلة تقييم العروض حاليا، من أجل تغيير بعض هذه الوسائل على غرار الرافعات و القاطرات و العربات و أجهزة الضغط الهوائي و ذلك بوحدات الصيانة بسيدي مبروك، العاصمة و عنابة.
23 مليون سنتيم كُلفة كل نافذة أوتوراي حطمتها الحجارة

و زيادة على مشاريع العصرنة تعمل ورشات سيدي مبروك منذ عدة سنوات، على صيانة مختلف القاطرات و من بينها قطار «الأوتوراي» الذي تم اقتناء 17 جهاز منه سنة 2008 بقيمة 103 مليون أورو، لكن قرابة نصف هذا العدد متوقف اليوم عن العمل، بسبب حوادث المرور التي يسجل أغلبها بالمعابر غير الشرعية و غير القانونية، زيادة على ظاهرة الرشق بالحجارة التي أصبحت تؤرق الشركة بشكل كبير، و تمتد على طول سكة القطارات بالوطن، كما أكد محدثنا بأن عربات الأوتوراي اشتغلت فوق طاقتها طيلة الست سنوات، حيث سارت مسافة 600 ألف كيلومتر.
و أمام كل هذه المشاكل وجدت الشركة في الأعوام الماضية عقبات في الصيانة، لأن قطع الغيار الخاصة بهذه القطارات المصنعة في اسبانيا، لم تصل نتيجة طول إجراءات استيرادها من خارج الوطن، قبل أن يتم شهر ديسمبر الماضي جلب قطع غيار بقيمة 10 مليون أورو، شرع في تركيبها بوحدات الصيانة الثلاث بقسنطينة و وهران و العاصمة، فعلى مستوى سيدي مبروك سوف يتم الإنتهاء في ديسمبر المقبل، من صيانة 6 قطارات «أوتوراي» تسير بسرعة 160 كيلومتر في الساعة، لكي تعود للاستغلال، حيث خصص لها منذ شهر جانفي مبلغ 6.5 مليار سنتيم.
و قد وقفت «النصر» على عينات من قطارات الأوتوراي التي تعرض زجاج نوافذها المستورد من خارج الوطن، لعمليات تخريب بسبب الرشق بالحجارة، حيث شاهدنا حجم الأضرار الكبيرة التي مست القاطرات و لم تستثن منها حتى مقطورة السائق، و هو ما كان سببا في تسجيل حوادث خطيرة تسببت في مقتل سائق بالجزائر العاصمة، زيادة على الإصابات المتكررة التي يتعرض لها المسافرون و التي أسفرت عن حالات فقدان للبصر بين بعض المواطنين.
و يؤكد المهندسون الذين وجدناهم بعين المكان أن عملية الصيانة تستوجب في كل مرة تغيير من 4 إلى 10 زجاجات خاصة بالنوافذ، بعد تعرضها للتخريب بسبب ظاهرة الرشق، خاصة و أن عملية التغيير تكون حتمية حتى لو اقتصر الأمر على تشققات دون إحداث ثقب في الزجاج، و ذاك خوفا من سقوطها على المسافرين أثناء الرحلات، و هي عملية تكلف قرابة 23 مليون سنتيم بالنسبة للزجاج المستورد، بينما لا يقل سعر المصنع محليا عن 15 ألف دينار.
كما عاينا في الجولة التي قمنا بها داخل ورشات وحدة الصيانة بسيدي مبروك، عملية صيانة قاطرات أوتوراي لم يقتصر الأضرار بها على زجاج النوافذ، بل امتدت إلى الهيكل الذي تشوه و امتلأ بثقوب قال لنا التقنيون أنه من الصعب جدا إصلاحها، كما شاهدنا قاطرات تعرضت لحوادث مرور أدت إلى تحطم مقدمتها بالكامل، و هو ما يتطلب عملا «جبارا» من التقنيين من أجل إعادتها مثلما كانت عليه، و فعلا اطلعنا على قطارات «أوتوراي» تم إصلاحها و خرجت من الورشة كأنها جديدة، بعدما مرت على مراحل إصلاح عديدة انطلاقا من المحرك و وصولا إلى الهيكل الخارجي.، قبل تجريبها و إرسالها للاستغلال.
الشباب لتعويض نزيف الإطارات
و لا تقتصر مشاكل وحدة صيانة العتاد بسيدي مبروك عند الأمور التقنية، فقد شهدت الوحدة في الأشهر الأخيرة طلبات كبيرة و غير مسبوقة للإحالة على التقاعد، بعد رواج أخبار عن إلغاء منحة التقاعد و رفع القانونية للإحالة، حيث ذكر مدير الوحدة أن مصالحه تلقت في الفترة الأخيرة أزيد من 60 ملفا في هذا الشأن من طرف عمال ذوي خبرة و كفاءة مهنية، و هو وضع قال لنا المسؤول أن الإدارة وضعت إجراءات استباقية لمواجهته، عن طريق توظيف 60 شابا حاصلا على شهادات مهنية مرّوا على الوكالة الولائية للتشغيل و خضعوا لاختبارات، قبل قبولهم بالوحدة ثم إخضاعهم لعمليات تكوين لا تزال مستمرة بالورشات.
مسؤولو الوحدة يتطلعون إلى تكوين جيد للجيل الجديد من العمال، بفضل خبرة و كفاءة الكوادر المحلية الموجودة و بالاستفادة من التكنولوجيا التي بدأ خبراء إسبان و أمريكيون في نقلها للعمال، كما يرون بأن مشاريع التحديث سوف تعطي نفسا جديدا و وجها آخرا لوحدة الصيانة، لتكون مواكبة أكثر لتطورات العصر، و عصرنه هذا القطاع الذي يعد القلب النابض للاقتصاد و الصناعة في الدول.
ي.ب

الرجوع إلى الأعلى