جامعيون يتطوّعون لإرشاد السياح الأجانب بقسنطينة

تعرف ولاية قسنطينة نقصا كبيرا في عدد المرشدين السياحيين رغم المؤهلات السياحية الكبيرة التي تزخر بها، كما لم يساهم احتضانها لتظاهرة عاصمة الثقافة العربية، في بعث هذا النشاط، ما دفع ببعض الشباب الجامعي إلى التحول لمرشدين، في وقت لم تتم الاستعانة بخدمات  23 شابا تكونوا خصيصا لمرافقة الوفود الرسمية في التظاهرة، ليدخل الأجنبي لقسنطينة ثم يغادرها ،دون أن يزور معالمها الأثرية و التاريخية.

تحقيق: ياسمين بوالجدري

و يلاحظ بأن الكثير من العرب و الأجانب الذين يأتون إلى قسنطينة في إطار الفعاليات و المتلقيات العلمية و الأدبية و غيرها، لا يستفيدون من برامج سياحية، حيث يستقلون الطائرة مباشرة بعد انتهاء الملتقى، أو بعد الخروج من الفندق من أجل العودة إلى بلدانهم، في وقت تقوم بعض الهيئات بتسخير بعض موظفيها للقيام بجولة مع هؤلاء الأجانب، لكنها تكون سريعة و غير منظمة في غالب الأحيان، كما علمنا من بعض العاملين بالوكالات ،بأن هذه الأخيرة لا تستعين بالمرشدين السياحيين ،لأن أغلب نشاطها ينحصر في السياحة الخارجية نحو مختلف دول العالم، و هو وضع يفسره البعض بنقص المرشدين السياحيين بالولاية ،و بغياب التنسيق بين مختلف الجهات للعمل مع المرشدين المتوفرين حتى و إن كانوا ينشطون دون اعتماد.
شبكة الانترنت لاستقطاب الأجانب
أسامة، شاب حائز على شهادة ماجستير في الهندسة المعمارية في تخصص التراث، و قد قرر العمل كدليل سياحي بولاية قسنطينة منذ عدة سنوات، لكنه لم يحصل على الاعتماد رغم أنه أودع ملفه لدى مديرية السياحة منذ حوالي 3 سنوات، و يضيف أسامة في حديثه للنصر، بأن العراقيل الإدارية التي صادفها لم تمنعه من المضي في هذا العمل، حيث تمكن بمجهوده الشخصي من الوصول إلى السياح عن طريق الانترنت و بالاستعانة بشبكة معارفه في الفنادق و بعض الوكالات السياحية.
و تابع أسامة حديثه مؤكدا بأن إتقانه لثلاثة لغات أجنبية مكنه من ربط علاقات مع السياح الأجانب و كذا المحليين، لكن نشاطه لا يزال محدودا و تطوعيا في غالب الأحيان، لأن السلطات و الإدارات لا تستعين به و بزملائه في مرافقة الأجانب، الذين يأتون للمشاركة في عشرات الملتقيات التي تنظم بالجامعات و مختلف الدوائر الرسمية و غير الرسمية، و يقول محدثنا بأنه يصادف مشاكل كثيرة خلاله إرشاد السياح الأجانب، حيث كثيرا ما يصطدم بالجهات الأمنية لعدم حصوله على اعتماد رسمي، كما أن التجول بالسياح من كبار السن في وسط المدينة بات أمرا صعبا، لعدم توفر مراحيض عمومية كافية و نظيفة، ما يضع الدليل السياحي في حرج، خصوصا اتجاه من يشكون من أمراض مزمنة.
خير الدين، مرشد آخر ينشط في المجال منذ 12 سنة، و قد أكد لنا بأنه يواجه صعوبات كبيرة أثناء عمله، مقدما مثالا عن الإحراج الكبير الذي يصيبه عندما يتجمع الفضوليون حول السياح و محاولة البعض التحرش بهم، و هي إشكالية يصادفها بالأخص في النقاط التي تعرف حركة كثيفة للمارة مثل وسط المدينة، بينما تقل حدة بالمناطق الأثرية البعيدة، على غرار المدينة الأثرية «تيديس».
مشاكل صرف العملة و تدني الخدمات يُحرجان الدليل السياحي
و يطرح محدثنا أيضا مشكلة نقص الخدمات حتى بوسط مدينة قسنطينة، حيث لا تتوفر الولاية، حسبه، على خدمات إطعام لائقة و غير مكلفة، زيادة على النقص الكبير في محلات بيع التذكارات التي تعكس تاريخ و حضارة قسنطينة، و حتى المحلات القليلة التي تبيع هذه الأغراض تعمل بأسعار مرتفعة جدا، و تعرض تذكارات مصنوعة في الصين و ليس بطريقة يدوية مثلما يفضل الأجانب.
زيادة على ذلك يشتكي السياح الأجانب الوافدين إلى قسنطينة، من عراقيل تحويل العملة الصعبة في السوق السوداء أمام صعوبة الإجراء لدى البنوك، ما يضطر الدليل السياحي للعب دور «الصّراف»، كما يرفض بعض أصحاب المحلات التعامل بالعملة الصعبة و يشترطون تقاضي ثمن ما يشتريه السائح بالدينار الجزائري ، و أكثر ما يثير الدهشة و الاستغراب، حسب محدثينا، رفض فئة من التجار التعامل مع الأجانب لأسباب غير مفهومة تعكس غياب ثقافة السياحة لدى البعض.
و غالبا ما يسلك المرشد السياحي 5 مسارات لتعريف الأجانب بالمواقع الأثرية و التاريخية التي تزخر بها “سيرتا”، حيث ينطلق من المدينة القديمة، مرورا بقصر أحمد باي و المسرح الجهوي، ثم ساحة “لابريش” و متحف “سيرتا” و نصب الأموات، ليتم بعد ذلك ركوب الترامواي للتعريف بجامعة الأمير عبد القادر و الجامعة المركزية و ملعب بن عبد المالك، بينما يتجنب المرشدون استعمال جهاز التيليفيريك بالنسبة للسياح الذين يأتون في شكل جماعات، لعدم إمكانية تسخير عربات بأكملها لهذا الغرض، خصوصا و أن العربات تستعمل بشكل يومي في النقل الحضري من قبل مئات المواطنين، كما تشكل الجسور أهم المعالم التي يتجه لها السياح، إضافة إلى ضريح ماسينيسا و المدينة الأثرية تيديس.
23 مرشدا تكوّنوا من أجل تظاهرة عاصمة الثقافة العربية لكن لم يُستعن بهم!

أسرّ إلينا أحد الشباب الذين تعاقد معهم الديوان الوطني لحماية و استغلال الممتلكات الثقافية المحمية، للعمل كمرشدين سياحيين خلال تظاهرة عاصمة الثقافة العربية، بأن مهمتهم تكاد تقتصر على الجلوس في مكتبهم بقصر أحمد باي، حيث لا تتم الاستعانة بهم لإرشاد السياح الوافدين بالعشرات في إطار الأسابيع الثقافية العربية و حتى الولائية، كما أن هؤلاء المرشدين لم يُطلعوا أصلا على برنامج الفعاليات المنظمة في إطار التظاهرة، رغم كون هذه الأخيرة فرصة ثمينة لاكتساب سمعة جيدة بين السياح الأجانب و استقطاب أكبر عدد منهم في السنوات المقبلة، و بالتالي تحقيق عائدات أكبر للبلديات أمام الأزمة الاقتصادية التي تهدد البلاد مع انخفاض أسعار النفط في السوق العالمية.منسقة خلية المرشدين السياحيين بالديوان الوطني لتسيير و استغلال الممتلكات الثقافية المحمية،مجوبي عبلة  قالت من جهتها، بأن الديوان أبرم عقود عمل مدتها سنة مع 26 دليلا سياحيا ،خضعوا لتكوين متخصص من أجل مرافقة الوفود الأجنبية و العربية، التي تأتي لولاية قسنطينة في إطار تظاهرة عاصمة الثقافة العربية، و على هذا الأساس أرسلت لمحافظة التظاهرة قوائم تضم جميع المعلومات حول هؤلاء الشباب، من أجل الاستعانة بهم طيلة العام، و هو ما لم يحصل طيلة الستة أشهر المنقضية التي تمثل نصف عمر التظاهرة.و أمام هذا الوضع، تضيف محدثتنا، اضطر الديوان إلى الاتفاق مع مديرية التربية من أجل القيام بخرجات سياحية لفائدة التلاميذ بأسعار رمزية، كما بدأ في التنسيق مع بعض الفنادق و الهيئات من أجل تسخير مرشديه السياحيين لمرافقة السياح، و عن مصير هؤلاء الشباب بعد انقضاء التظاهرة، ذكرت المسؤولة بأن ديوان تسيير و استغلال الممتلكات الثقافية المحمية، يدرس إمكانية توزيع المعنيين على المناطق الأثرية و التاريخية حتى لو تطلب الأمر اختيار مجموعة منهم.
منح اعتماد وحيد لدليل سياحي و 9 ملفات تنتظر الموافقة
و لمعرفة أسباب النقص الكبير المسجل في عدد المرشدين المعتمدين بولاية تتمتع بمؤهلات سياحية كبيرة، التقت النصر بالسيد حسان لباد ،مدير السياحة بقسنطينة، و الذي أوضح بأن المرسوم التنفيذي رقم 06-224 المؤرخ في جوان 2006 ،يحدد شروط ممارسة نشاط الدليل في السياحة و كيفية منح الاعتماد له، و على هذا الأساس تقوم لجنة وطنية تضم عدة قطاعات، بدراسة الطلبات المودعة بأخذ «الوقت الكافي»، مضيفا بأن عدد طلبات الاعتماد بقسنطينة قدر بـ 13 طلبا، مُنح بموجبها اعتماد واحد فقط، فيما أعطيت الموافقة المبدئية بخصوص 3 ملفات و لا تزال 9  في طور الدراسة.
و عن دور مصالحه في ترقية عمل الدليل السياحي بمدينة تعرف عجزا كبير في هذا المجال رغم احتضانها لتظاهرة عاصمة الثقافة العربية، قال لباد بأن “لا علاقة لمصالحه بالوفود التي تأتي لقسنطينة” ، حيث «يقتصر» دور مديريته على متابعة و إتمام المشاريع المسندة لها، على غرار إعادة الاعتبار لدرب السياح و السهر، كما أضاف، على مشاريع الفنادق للرفع من قدرات الإيواء، و كذا مراقبة عمل الوكالات السياحية و مرافقتها.و أضاف لباد بأن دور هيئته «ترويجي» ، حيث لا تتكرر فرصة إلا و تستغل للترويج للسياحة بقسنطينة، على حد قوله،مثلما تم في الأيام الوطنية و العالمية للسياحة، و ذلك زيادة على المشاركة خلال التظاهرة بأسابيع للصناعة التقليدية و توزيع مطويات، متحدثا عن تغير «ملحوظ» من حيث النوع و الكم في قطاعه، بالنظر للنوعية «الممتازة» للفنادق المنجزة بمواصفات عالمية، كما لعبت التظاهرة، حسبه، دورا في استقطاب السياح خاصة الداخليين الذين يفدون من ولايات الوطن، و يرى لباد بأن استلام درب السياح أواخر سنة 2016 ، سوف يساهم في استقطاب السياح بشكل أكبر.
لباد أقرّ في الأخير بأن قطاع السياحة عرف ركودا في العشرية السوداء، لكنه قال بأن مصالحه تعمل على «بعثه من جديد بنظرة مغايرة» الهدف منها إيجاد مكانة لقسنطينة في السوق الدولية و الدليل على ذلك دعم الدولة للاستثمار الخاص في السياحة، و المساهمة في إعادة الاعتبار للقطاع العام بترميم الفنادق العمومية، مضيفا بأنه و حتى إن لم تكن هناك أزمة اقتصادية، يجب تنويع الاقتصاد الوطني و خلق مناصب شغل.    
ي.ب

الرجوع إلى الأعلى