أكد الخبير الدولي في التنمية البشرية بشير جحيش بأن  80 بالمائة من العرب،و بالخصوص الجزائريين سلبيون، يعانون من ضعف التفكير النقدي و من التركيز على كل ما هو سلبي حولهم، لهذا يجب الاشتغال حسبه على تطوير الإنسان و تنمية قدراته و ثقته بنفسه و دفعه ليكون فعالا و إيجابيا.

حاوره: إبراهيم شليغم     
ابن  بلدة مينار زارزة بولاية ميلة،  الذي تابع تعليمه بولايتي ميلة و قسنطينة، ثم السعودية و ماليزيا، أين حصل على دكتوراه في الفقه و أصول الفقه، لم يلبث أن انجذب إلى مجال التنمية البشرية و أنشأ الأكاديمية الأمريكية للتدريب و المرافقة بشيكاغو أين بدأ حياته في مجال التجارة ، شدد في لقائه بالنصر، على هامش إشرافه على دورات تكوينية لمستخدمي قطاع التربية بولاية ميلة، بأن التنمية البشرية ليست مضيعة للوقت إنما أداة لإنقاذ الفرد من سلبيته و هيمنة المخابر الغربية على عقله.
 النصر: بداية، فيما تكمن أهمية التنمية البشرية وما هو واقعها في الجزائر ؟
- بشير جحيش : دعنا نقول أن الشعب الجزائري يتمتع بنفس طيبة متسامحة، غير أن تراكمات الحقبة الاستعمارية الطويلة التي عاشها هذا الشعب و ظروفها كان لها الأثر السلبي على الذات الجزائرية التي تشكلت عندها خلال هذه الفترة الاستعمارية عادات دخيلة، لم تكن اختيارية، بل اضطرارية كان لها أثرها و انتقالها و امتدادها السلبي لتصل أجيال الاستقلال مثل العنف و الغلظة «خشانة الرأس»، الاستبداد في الأسرة، التشدد في الرأي، النفور من كل ما يرمز للدولة أو السلطة مثل الدرك والشرطة وعدم التعامل معه و خلق حاجز معه، عدم قبول الآخر وضعف التواصل معه، و زادت الوضعية تأزما خلال فترة العشرية السوداء، ناهيك عن اهتمامنا مع مطلع الاستقلال بانجاز و بناء الهياكل و توفير الوسائل، دون الاهتمام كثيرا بالإنسان الذي هو محور كل تطور وغايته. كل ذلك زاد في حدة التسرب المدرسي والعنف على اختلاف أشكاله و أوجهه وخلق عداوة بين الفرد وأمته ويتجلى ذلك في الاعتداءات المتكررة على الممتلكات العمومية، لذلك فالتركيز اليوم على هذه الجوانب و إزالة العقد المتراكمة مهم جدا، قصد تهذيب السلوك و تطوير الذات بما ينفع الفرد والمجتمع. و ذلك من خلال تطوير أسلوب المعاملة و إعادة برمجة العقول، حتى عند المجرمين، باستغلال بذرة الخير فيهم وغرس حالة الأمن و الأمان عندهم و تنقيح وتطوير مختلف المناهج والبرامج و تحيينها.هنا يأتي دور التنمية البشرية التي هي ليست كلاما فارغا، وإنما هي علم قائم بذاته، مع الإشارة إلى أن في أمريكا حاليا، نجد كل مسؤول معه قائد مختص في هذا المجال يرافقه و يعلمه وليس رجل أمن يراقبه، كما هو موجود في بلدان الوطن العربي التي انتهى بها المطاف لما هي عليه الآن.
هل ترون أن النخبة الجزائرية قامت بدورها ؟ و ما هي وصفة تحقيق الإقلاع برأيكم؟.
ـ الحقيقة أن الجزائر غنية بإطارات و نخبة متخصصة في كل مناحي العلم والحياة، تحمل هم بلادها وهم تطويرها و تعمل على تمكين بلادها من استعادة مكانتها الرائدة بين الأمم وعزتها في المحافل الدولية وجعل مصلحة الجزائر فوق كل اعتبار، بعد فترة فراغ مررنا بها كان خلالها الفرد الجزائري يستحي من استظهار جواز سفره. هذه أمريكا التي نجد بها كل الأفكار واللغات والأديان، بما فيها عبدة الشيطان والثقافات المتعددة المشارب، يقودها حزبان لا ثالث لهما يتنافسان على كل شيء، إلا سيادة البلد وأمنه، فهما خطان أحمران، لا يمكن تجاوزهما والإجماع حولهما قائم، و لهما كل الاستعداد لأخذ كل ما يفيد البلد ويؤمن داخله و يعود عليها بالمنفعة، بما فيها اللغة العربية و الثقافة الإسلامية التي تعلمها وتدرب عليها الجنود الأمريكيون في المراكز الإسلامية بأمريكا، قبيل ذهابهم إلى العراق.
 لذلك علينا أن نتفق نحن كذلك على المبادئ التي تجمع بيننا مثل الأرض، اللغة و الدين و العلم و نترك بعدها الحرية لكل مشتغل لتطوير قدراته من الزاوية التي تفيده و التي تصب كلها في النهاية في صالح قدرات البلاد. علما و أن الجزائريين يمتازون بطبعهم بصفة التضامن و التآزر و الوحدة و بذرة الوطنية العميقة في قلوبهم عند المحن. و ما مثال أم درمان بمناسبة لقاء الجزائر مع مصر ببعيد، و في تاريخنا البعيد نجد القائد يوغرطة الذي توحد حوله الشعب فوصل إلى روما و عرضها للبيع .
و لتحقيق هذه الغاية و الإقلاع نحو الوجهة الصحيحة، علينا أن نضع  تطوير الإنسان و تنمية  قدراته الذاتية، أينما كان في البيت و المدرسة، في الملعب أو الشارع على رأس الاهتمامات، فالبحوث العلمية المتطورة تشير إلى أن الطفل تتشكل شخصيته و يصبح مبدعا بداية من عامه السابع، بعد هذا العمر يبدأ في التراجع أو التقدم أكثر، حسب المحفزات أو المحبطات و الظروف المحيطة به .
 ألا ترون أن مخابر الغرب وجدت في الإنسان المسلم الرصيد الجاهز والعجينة المناسبة للاستعمال و تصفية الحسابات بدمه وحياته، بحثا عن الجنة والزواج بحور العين؟
ـ مشكلتنا تكمن في ضعف التفكير النقدي و التركيز على الجوانب السلبية فينا، فهذا ما يوصف بالربيع العربي و الحروب التي قامت وهي قائمة الآن، هل هي حقا من إنتاج عربي، أم هي عبارة عن تنفيذ لخطط جهزتها مخابر و مراكز و قرار لدول من خارج العالم العربي؟ ما يؤسف له أن دولنا العربية ألغت حتى وزارات التخطيط  والاستشراف،  كما أنها همشت الكفاءات و قربت أهل الولاءات، في عملية تشبه هدم الذات و تحطيم مستقبل الأجيال.
الانحراف  الذي حصل في منطق بعض الناس، أيهم أولى أن أعيش في سبيل الله أم أموت في سبيله؟ علما و أنه في الشرع الإسلامي الجهاد لا يعلنه إلا الإمام، غير أن انسداد الأفق في وجه الشباب المسلم، خاصة منه مستواه التعليمي المتواضع، جعله يميل إلى تفضيل الموت على الحياة، بما جعله عجينة طيعة في يد المخابر تدفع به للانتحار، في ظل غياب العمل الجاد من قبل الحكومات في تكوينه و تعليمه وتحصين هويته الوطنية و الدينية والفقهية، ثم هذه القنوات المفتوحة التي لا تعمل سوى على تفريق الأمة و جعلها شيعا و نحلا، و كذا رفع الرغبة الجنسية عند الشباب ببرامجها المائعة و وصفاتها المقدمة، عوض أن تثير فيه القوة العقلية والفكرية وتدفع به نحو الإبداع.
ما رأيكم في الاعتقاد السائد عند الكثير من العرب و المسلمين بأن النجاح عادة ما يكون صدفة و الفشل مرده المكتوب؟
 ـ مثل هذه الأفكار والأقوال تمثل البرمجة السيئة للعقل العربي و التي جعلت، كما قلت في الدورات التدريبية، 80 بالمائة من العرب والجزائريين بالخصوص، سلبيون. علينا بالثقة في النفس أولا و في قدراتنا و إعطاء المكانة اللازمة للفئة العالمة و المثقفة وإنزالها المنزلة التي تليق بها ومنحها الثقة الكاملة.
 علما وأن الفساد موجود في كل مكان و لدى كل الدول، لكن بدرجات متفاوتة و الأساس محاربته لا تشجيعه.
أما إذا نظرنا إلى شبابنا فسنجد فضاءات التواصل الاجتماعي مثل الفايسبوك وغيره، لا يستغلها إلا في الغراميات و العشق و إضاعة المال و البحث عن سبل الهروب من البلد، في ظل غياب التأطير و التوجيه و فسح المجال للعقل والإبداع. يحدث هذا  في الوقت الذي نجد الغرب يستغل هذه الوسائل في الأعمال و «البيزنس» و تحقيق الربح والمنفعة العلمية والمادية.
لذلك أكرر في الختام بأنه علينا أن لا نكتفي بإصلاح البرامج و المناهج و انجاز الهياكل، بل علينا التركيز على محرك هذه جميعا و هو الإنسان و تطوير الأطر التي يعمل ضمنها على جميع المستويات، فتغيير العالم لا يكون إلا بتغيير النفس ولا يكون العالم أفضل إلا إذا أصبح عقل الإنسان في وضع أفضل.
 أشير هنا بأنه باستثناء القرآن الكريم و السنة النبوية، فإن الكتب الأخرى والاجتهادات الأخرى صالحة لزمانها، و إذا كان العلماء الأوائل أبدعوا فإن الأتباع عندنا ضيعوا، لذلك في الوقت الذي نرى الغرب يتوحد نجد أنفسنا نتشتت ونتفرق.

الرجوع إلى الأعلى