الأدب و المسرح الجزائري .. بين  الاقتباس و الالتباس

توجهت عديد الأعمال المسرحية الجزائرية في الفترة الأخيرة للاقتباس من النصوص الأدبية الجزائرية، خاصة منها الروائية وهو ما فتح النقاش على مصراعيه حول حدود المقتبس و ضرورة الالتزام بالنص الأدبي. و قد وجهت في عديد المرات أصابع الاتهام للمقتبسين الجزائريين و اعتبروا مذنبون، لأنهم شوهوا النص الأدبي، و تم الثناء على مقتبسين آخرين، لأنهم أضفوا روحا جديدة على النص الأدبي فوق خشبة المسرح."الشهداء يعودون هذا الأسبوع"،"الحافلة تسير" و"قالوا العرب قالوا"، هي عناوين لمسرحيات مقتبسة، حققت النجاح داخل و خارج البلاد و تمكن مقتبسوها من نقل روح النص الأصلي، إلى خشبة المسرح فأصبحت تعد أيقونات في المسرح الجزائري. كما تشكل النصوص المسرحية المعدة والمقتبسة من الأدب العالمي، منذ منتصف القرن التاسع عشر إلى غاية اليوم، نسبة كبيرة من عروض المسرح الجزائري، و تكاد تفوق نسبة النصوص المؤلفة خصيصا للمسرح، وهو ما اضطر القائمون على المسرح الجزائري إلى  التوجه مؤخرا، إلى إعطاء الأولوية للاقتباس من النصوص الأدبية الجزائرية. التقت النصر بمسرحيين و أساتذة باحثين و رصدت آراءهم و تجاربهم حول هذا النوع من الاقتباس.

حسان عسوس  / ممثل ومخرج مسرحي
الاقتباس ليس مشكلة وعلى الكتاب الجزائريين التوجه للتأليف المسرحي
"لا يمكن تعميم الحكم على الاقتباس المسرحي من النصوص الجزائرية، علينا فهم كل اقتباس على حدة، لأن التجارب تختلف عن بعضها و لكل تجربة خصائصها و نقاط قوتها و ضعفها التي تؤثر عليها. بالرجوع إلى التراث العالمي فإن الاقتباس المسرحي ليس مشكلة أو انتقاص من مهام المسرح، بل هو ميزة تميز عديد المسارح والمسرحيين، فحين نتحدث عن  شكسبير و ماريفو و برشت و كتاب كبار آخرين، نجد أنهم يقتبسون ويؤلفون في نفس الوقت، فشكلوا ازدواجية جميلة أثرت على مسار المسارح العالمية و جعلتها منفتحة على كل الأفكار والأطروحات.
في الجهر تعلو الأصوات الرافضة للاقتباس بطريقة مبالغ فيه، فالإبداع لا يمكنه أن يكون من العدم و أي إبداع هو مواصلة لتجارب الآخرين و بناء على التراكم،  فكتاب كبار مثل برشت أو حتى شكسبير يقتبسون من التراث العالمي وحتى الآسيوي و الإشكال لم يطرح، أما في الجزائر، فهناك رفض متطرف للاقتباس ولا توجد أسباب حقيقية لتبني هذا الرفض.
القضية بحاجة إلى نقاش مسرحي حقيقي، من خلال ذكر الأعمال المسرحية التي فشلت في الاقتباس و إبراز نقاط  ضعف كل مقتبس، فالأعمال  المسرحية  التي فشل فيها المقتبسون عبارة عن أعمال فردية لكن لا يمكننا إنكار الدور المهم للاقتباس والمقتبس ، فأحيانا يكون المقتبس جيد، يفهم أبجديات الاقتباس، لكن إذا كان النص الأدبي الجزائري ضعيفا، فسيؤثر على المسرحية إن اقتبست منه.
مع العلم بأن الكتابة المسرحية ليست سهلة و تطرح على الصعيد العالمي دائما مشكلة النصوص المسرحية، لذلك يتم اللجوء إلى الاقتباس كحل لاستمرار المسرح وتجديده. في المسرح الجزائري، هناك أعمال اقتبست من الأدب الجزائري نجحت و أعطت إشارات مهمة وإيجابية عن كيفية الاقتباس من النص الروائي الجزائري.
الروائيون الجزائريون يشتكون بشكل مستمر، من تشويه أعمالهم من طرف المقتبسين، لكن السؤال الذي يطرح لماذا لا يكتب الروائيون نصوصا خاصة بالمسرح لكي يحافظوا على روح نصوصهم و يوصلوا أفكارهم كما يرغبون؟  أرى أن تحميل المسؤولية لرجال المسرح مجحف لذلك على الكتاب الجزائريين أن يكتبوا للمسرح و يقدموا نصوصا جيدة من أجل أن تكون هناك مسرحيات جيدة ونتفادى بعض المشاكل التي تنجم عن الاقتباس".

محمد كالي / صحفي وناقد مسرحي
اللمسة الدراماتولجية غائبة عن المسرحيات المقتبسة
"المسرح الجزائري اقترن منذ سنوات طويلة بالاقتباس، فكانت أولى المسرحيات التي شكلت بداية هذا المسرح، مقتبسة عن أعمال عالمية لموليير و شكسبير.
المسرح الجزائري يفتقد للمقتبس الدراماتولوجي الذي يكتب من أجل الركح و لا يقتبس الفكرة التي قد لا تكون صالحة للمسرح، فمفهوم المسرحة مهم جدا في عملية الاقتباس. هذه النقطة بالذات هي التي أثرت على عمليات الاقتباس من الأدب الجزائري حيث يشعر المتلقي حين يرى المسرحية التي اقتبست من نص أدبي بأن العنصر المسرحي غائب عنها  وهو يختلف اختلافا كليا عن السرد الروائي أو القصصي. الاقتباس لا يحدث من خلال الاستعانة بالنص الروائي فقط، فقد يكون مقتبسا عن قصيدة شعرية أو لوحة فنية تشكيلية و المقتبس يجب أن يكون قادرا على تحويل فكرة من حقل أدبي أو فني إلى فكرة مسرحية تتحدث من خلال صراع شخصيات فيما بينها فوق الركح.عدم تمكن المقتبس من تقنيات الدرماتولوجيا هو أساس المشكلة التي تطرح على مستوى المسرح الجزائري، لذلك علينا التوجه نحو تكوين المقتبسين من خلال إشراكهم أكثر في مراحل إخراج المسرحية، و المشاركة  في كل مراحلها، فسيكتشف خصائص المسرح، فنحن لدينا مقتبسين يقتبسون النص المسرحي و لا يتابعونه أصلا، يتلقون أجرتهم و يغادرون إلى عمل آخر، وهو ما يشكل أزمة حقيقية ما بين من يقتبس ومن يخرج المسرحية.
نلاحظ في تجربة بشتارزي بأنه كان يستوحي نص المسرحية من خلال العمل فوق الركح، حيث يتطور النص بتطور الأحداث فوق الركح، فيستمع لرؤية الممثلين و السينوغراف و يقدم كل واحد اقتراحاته و ينتقد مضمون النص، فيطور طريقة الإخراج و هو ما جعل أعماله المسرحية مقبولة و ناجحة.
هناك تجارب مشرفة جدا في الاقتباس الجزائري، على غرار أعمال عبد القادر علولة و عبد الرحمان كاكي، فهما من رجال المسرح و يملكان دراية كبيرة حول عالم الركح، فقدما أعمالا أثرت المسرح الجزائري. إن جل المقتبسين الجزائريين يأتون إلى المسرح وهم لا يزالوا هواة لا يعرفون أبجدياته، لذلك تكون عملية الاقتباس عملية غير ناضجة، ولا تقدم إضافة للمسرح الجزائري، و رغم أنهم تعلموا طرق الاقتباس في دورات تكوينية سريعة، لكنها لا تجدي لأن المسرح يحتاج للمتابعة  و الشغف به".

علاوة جروة وهبي / الصحفي و الكاتب المسرحي
المقتبس ضعيف وعمليات الاختلاس المسرحي هي الرائجة في الجزائر
"المسرح الجزائري بدأ من خلال عملية الاقتباس، لكن ما يقدم حاليا في المسارح الجزائرية هو ليس اقتباسا حقيقيا. هذه الظاهرة موجودة في المسارح العربية أيضا، حيث أن الأغلبية يقومون بتغيير أسماء الشخصيات و يحاولون تقريب الموضوع من المجتمع الجزائري أو من المجتمع العربي، دون تغيير أي شيء. مفهوم الاقتباس يختلف كليا، عما هو معمول به، وهناك ظاهرة دخيلة و هي اقتباس عمل مسرحي من المسرح، فما يمكن اقتباسه هو الاقتباس من الرواية أو القصة أو الأسطورة، أما العمل المسرحي، فلا يمكن اقتباسه، حيث يمكن أخذ الهيكل فقط و إعادة كتابة النص من جديد، وفقا للمجتمع الذي ينتمي إليه المسرحي أو المقتبس.
أغلبية المقتبسين لم يحصلوا على تكوين علمي عال، و بالتالي يعتمدون على أدوات بسيطة و معارف عامة. الاقتباس ليس بالأمر السهل، خاصة و أن تحويل نص عادي و وضعه في قالب مسرحي، مهمة صعبة جدا. و قد لاحظنا ذلك في العديد من الأعمال التي بينت ضعف المقتبس، فباستثناء المسرحية المقتبسة عن نص "الشهداء يعودون هذا الأسبوع" للطاهر وطار، جل المسرحيات المقتبسة يوجد فيها ضعف و شوهت الأعمال الروائية تشويها لا يمكن وصفه.
أما بخصوص الأعمال الجزائرية المسرحية المقتبسة من مسرحيات عالمية، فهي بكل بساطة عملية اختلاس، حتى لا نقول كلمة أكثر قسوة، فالاقتباس هو أخذ جزء من شيء و ليس أخذ كل شيء. نحن في الجزائر نأخذ العمل كما هو، و نغير أسماء الشخصيات و نتلاعب ببعض العناصر المسرحية و نقول إنه اقتباس، هذه مغالطة كبيرة.  لقد وقفت بالأدلة الموثقة على اختلاس كثير من المسرحيات الجزائرية من مسرحيات عالمية".

جميلة مصطفى أزقاي  الناقدة المسرحية
المسرح الجزائري يعاني  من الاقتباس الفاشل
"لا يمكن اقتباس المسرح من المسرح بأي شكل من الإشكال فالاقتباس يتم من النص الأدبي أو السينمائي مسرحية "غبرة الفهامة" لكاتب ياسين تبرز عملية اقتباس إبداعية ناضجة، من خلال اللمسات التي أضفت على النص الأصلي روحا أخرى، وهذه الإضافات هي التي تبرهن على مدى فهم المقتبس للجوانب العديدة للمسرحية.
المقتبس لا بد له أن يتشبع و يهضم النص الأصلي، حتى يكتسب روحه و يفهم صراعه و كل العناصر المكونة له، حتى يتمكن من اقتباسه و إذا كان من بيئة أخرى لا بد من أخذ بعين الاعتبار عنصر التكييف، من خلال مراعاة المتلقي المتمثل في الجمهور الذي إذا أتى إلى المسرح لمشاهدة عرض ما مثلا، و خدش حياءه الأجدر أن نقول هنا، أن نص المسرحية ترجم و لم يقتبس.معظم الاقتباسات التي تتم من الأدب الجزائري، هي ليست اقتباسات حقيقية بل هي من تأليف المقتبس، و استلهام من فكرة ما في النص الأدبي الجزائري، فمثلا في مسرحية "اللاز" كان من الممكن كتابة أنها من تأليف محمد بورحلة و الفكرة مستلهمة من الطاهر وطار، لأن المسرحية لم تقتبس من الرواية و هو ما أوقع المشاهدين في حالة من الالتباس، خاصة وأن المسرحية حملت عنوان "اللاز".المقتبس الجزائري لا يحترم تقنيات الاقتباس، حيث يبتذل العمل الأصلي بدعوة ممارسة الاقتباس الحر، فعلى المقتبس أن يتحمل المسؤولية، حين يعبث بنصوص أدبية جزائرية كبيرة و يقوم بتشويهها.نحن في الجزائر نعاني حاليا من هذه الظاهرة، خاصة بعد تعليمة وزير الثقافة السيد
 عز الدين ميهوبي التي تنص على الأولوية في الاقتباس للنصوص الجزائرية، حيث يتم الاشتغال على  روايات الطاهر وطار ورشيد ميموني، و إن كانت هذه التعليمة تتضمن جانبا إيجابيا وهو الاهتمام بالنصوص الجزائرية، لكن هناك تأثيرات أخرى على المسرح إذ يتم تشويه النصوص الأدبية الجزائرية بطريقة مبتذلة. نحن ليس لدينا مشكلة نص، أنا كنت عضوة في لجان التأليف في الإمارات العربية و مع الهيئة العربية للمسرح، وتلقينا أزيد من 160 نصا عربيا منها نصوصا جزائرية،  كما أنني كنت في لجنة قراءة النصوص المسرحية الجزائرية وهناك نصوص جديدة، كتبت للمسرح بطريقة جيدة و أحيانا ممتازة، ففي خمسينية الاستقلال، قدم أكثر من 60 نصا مسرحيا جديدا. و في إطار فعاليات قسنطينة عاصمة الثقافة العربية، قرأت أزيد من 150 نصا مسرحيا توجد ضمنها الكثير من النصوص المقبولة جدا و الممتازة. أنا أتساءل ما مصير النصوص التي تشيد بها لجان القراءة و تقدم توصيات بتوجيهها للمسرح الجزائري، بينما نحن غارقون في الاقتباس الفاشل؟".

إبراهيم نوال  أستاذ  النقد و  تاريخ المسرح
ديكتاتورية الإدارة و المخرج المسرحي لم يسمحا بتطور المقتبس الجزائري
 "إشكالية الاقتباس تكمن في تعنت المسرحيين، من خلال عدم إعطاء مساحة كبيرة لكتاب المسرح و المقتبسين و ذلك راجع لدكتاتورية الإدارة  و ديكتاتورية المخرج والتي تجسدت في مرحلة مصطفى كاتب و محمد بوديا الذي ترأس المسرح الجزائري بعد الاستقلال، حيث فرضت آنذاك  فكرة مفادها أن المسرح العالمي أفضل من المسرح الجزائري وعلينا الاقتباس منه. أنا ضد هذه الفكرة، فلو كنا في بلد آخر، فإن رويشد كان سيعتبر من المؤلفين المسرحيين الكبار، فحين تقرأ "الغولة" و "حسان طيرو" ترى بأن رويشد الذي يقولون عنه، بأنه بسيط، لديه أفكار ولغة ورؤية  دراماتولوجية. نفس الشيء حين يتكلم المؤرخون عن كاكي و علولة و محمد بن قطاف.في الجزائر تكتب يوميا مسرحية  جديدة، لكنها لا تقرأ، فمن خلال مشاركتي في لجان القراءة و كذا المنافسات من أجل توزيع جوائز وطنية، على غرار جائزة رئيس الجمهورية، قرأت أزيد من 400 مسرحية جزائرية، 100 مسرحية منها ذات مستوى جمالي وشاعري رفيع، فالإدارة تحب التدخل كثيرا و تفسد العملية الإبداعية وأنا أحب أن أسميها عملية السرقة،فالاستيلاء على الفكر جريمة.لو نخصص مالا و فضاءات ووقت للكتابة المسرحية، سواء بالترجمة أو الاقتباس سنجسد مرحلة مهمة انتقالية.أنا لست ضد الاقتباس، لكنني أعتبره مرحلة انتقالية يمر عليها المسرح الجزائري وعليه التوجه نحو النصوص المسرحية المكتوبة في الجزائر، فأي مسرح يسمى مسرحا وطنيا، و لا يستمد رصيده من كتابه، هو ليس وطنيا بمعنى الكلمة.
عندما نتكلم عن الاقتباس في الجزائر، لأنه كان في البداية مقتبسا عن الشعر الجزائري وعن الحكايات الأسطورية، من المهم أن نتكلم عن شخصية جحا لسلالي علي " علالو" التي استوحاها من خيال الظل وهو القراقوز،إنه مرجعية في الاقتباس.  هذا الأخير وسيلة من الوسائل التي ينتهجها المسرح، سواء عندنا أو في العالم ككل، و يتم من الأدب أو السينما و لا يمكن الاقتباس من المسرح، باستثناء بعض المدارس المسرحية، على غرار المدرسة الفرنسية، فقد اقتبس الكاتب الفرنسي فيكتور هيجو بعض مسرحيات شكسبير و هناك تجارب أخرى عديدة ".       
حمزة دايلي

 

الرجوع إلى الأعلى