تعرف أسعار تأجير المحلات التجارية بأغلب الشوارع الرئيسية لولاية قسنطينة في الآونة الأخيرة ارتفاعا متزايدا، خصوصا بالمناطق القريبة من الأسواق الكبرى و»البازارات»، رغم صغر حجم هذه الفضاءات و افتقارها للمرافق و كذا الانخفاض الكبير في نسبة المبيعات و الركود الذي يطغى على النشاط  التجاري، و قد أدى هذا الارتفاع إلى التهاب أسعار السلع المعروضة سيما الألبسة، في وقت تبقى المحلات التي تملكها البلديات خارج هذه الحسابات
 حيث لا زالت تؤجر بمبالغ رمزية.

• روبورتاج: عبد الله بودبابة

من أجل التوغّل داخل سوق تأجير المحلات بالولاية و كشف خبايا هذه البورصة غير المعلنة، تظاهرنا أننا نبحث عن محل لاستئجاره لمدة سنتين على الأقل في نشاط بيع الألبسة الرجالية، و قد كانت وجهتنا في البداية نحو وسط مدينة قسنطينة، خصوصا و أن بعض شوارعه على غرار مسعود بوجريو، نهج بلوزداد، القصبة و عبان رمضان، تعتبر المقصد الأول للتجار و أصحاب المطاعم لتحقيق فائدة أكبر نظرا للسمعة الكبيرة التي تتمتع بها و الحركية التي تميز هذه المناطق عن باقي الشوارع، خصوصا في الفترة الصباحية و ساعات الذروة.
ورغم بحثنا الطويل و استعانتنا بالكثير من المعارف و أصحاب الوكالات العقارية، إلا أننا اصطدمنا بواقع غير متوقع، وهو عدم وجود محلات شاغرة تصلح للنوع التجاري الذي اخترناه، حيث أكد لنا أصحاب 5 وكالات عقارية عدم توفر محلات شاغرة، خصوصا ببلوزداد و عبان رمضان، لأن أغلبها مؤجر منذ سنوات طويلة، و لا يوجد أي تاجر مستعد للتنازل عن محلّه حتى ولو كلّفه ذلك رفع المالك لمبلغ التأجير.
و لم تختلف الأرقام التي قدمها أصحاب الوكالات العقارية كثيرا، حيث أوضح لنا أحدهم أن قيمة كراء محل لا تتجاوز مساحته 30م2 دون مرافق ، لا تقل عن 9 ملايين شهريا كأدنى حد، وهو ما يعني أنه على صاحب المحل أن يحقق، يوميا، هامش ربح صافي بـ 3 آلاف دينار من أجل تغطية تكاليف المحل فقط، دون احتساب المصاريف الأخرى، مثل الكهرباء، الضرائب الأكل و العمال بينما قد يصل المبلغ في بعض الأحيان، إلى 15 مليون سنتيم شهريا بالنسبة للمحلات التي تتراوح مساحتها بين 50 و 60 متر مربع.
رفع هامش الربح بـ 50 بالمائة لتسديد ثمن الكراء!
و أوضح ذات المتحدث أن هناك حالة من  التشبع عدد التجار الذين يرغبون في الظفر بمحلات على مستوى وسط المدينة، حيث أدت الزيادة الكبيرة في الطلب إلى الرفع من قيمة الكراء، و بلوغ الأسعار مستويات كبيرة جدا و غير معقولة في بعض الأحيان، وهو ما مكّن أيضا الملاك من فرض منطقهم، رغم إقراره أن سعي هؤلاء إلى تحقيق أكبر فائدة، أجج الخلافات بين الورثة، ما تسبب في بقاء عدد كبير من المحال مغلقة منذ فترة طويلة.
و لا يختلف الأمر كثيرا بالنسبة للمحال الموجهة لأصحاب المطاعم، حيث أكد لنا أحد المهتمين أن متجرا بمساحة 15م2 مع عتاد خاص بالمأكولات السريعة بنهج قدور بومدوس المعروف محليا بالنجمة، يعرضه مالكه للكراء بـ 9 ملايين سنتيم شهريا، في حين يطلب صاحب مطعم آخر بوسط المدينة 200 مليون سنتيم في السنة لاستغلال محله المجهز.
و قد أكد لنا كافة أصحاب الوكالات العقارية التي زرناها بداعي البحث عن محل، أنه في حال حصولنا على طلبنا، فإنه ينبغي علينا أن نسدد ثمن الاستئجار لسنتين كاملتين قبل إمضاء العقد أمام الموثق، زيادة على هذا فإن أغلب الملاك يشترطون عدم التصريح بالقيمة المالية الحقيقية، تفاديا لدفع مبالغ مالية كبيرة للضرائب، بعكس ما يرغب فيه التجار.
بالمقابل، و لتفادي الأرقام الخيالية يتوجه التجار ذوو الإمكانات المحدودة نحو البازارات رغم المنافسة الكبيرة التي تعرفها هذه الفضاءات، أين تحدد أسعار المحال التجارية داخلها بالمتر المربع، حيث تتراوح بين 1800 دج إلى غاية 3 آلاف دينار للمتر المربع، على حسب مكان تواجد السوق، ما يعني أن الأجرة الشهرية تتراوح بين 15 ألف إلى غاية 45 ألف دينار شهريا، وهو ما يعتبره الكثيرون سعرا مقبولا.
و قد كشف لنا تاجر ينشط في مجال بيع الألبسة الرجالية بإحدى بازارات حي رحبة لجمال، أنه يستأجر محله الذي لا تتجاوز مساحته 15م2 مقابل 18 ألف دينار شهريا، موضحا أن بإمكانه بيع أي قطعة بهامش ربح 600 دج يوميا لتغطية مصاريف الإيجار، وهو ما يعتبر معقولا جدا، و يسهل عليه ممارسة نشاطه بسهولة، و بأسعار في متناول الزبائن.
و يضيف محدثنا أن أحذية يعرضها للبيع بسعر التجزئة بـ 5500 دج، قام ببيعها مقابل سعر الجملة لتجار بشارع بلوزداد بـ 4500 دج، قبل أن يعيدوا عرضها مقابل مبلغ يفوق 10 آلاف دينار، وكل ذلك من أجل تغطية تكاليف المحل التي تعتبر حسبه مرتفعة جدا، و يتحمّلها الزبون بمفرده بعد أن يرفع التاجر قيمتها، وهو الأمر الذي يجهله المواطن البسيط، كما أن غياب الرقابة عامل مشجع على مثل هذه الممارسات، كما كشف محدثنا أن حتى التجار الميسورين يسعون لاستئجار محال داخل البازارات بأثمان منخفضة، لأنها تتيح لهم إمكانية الظفر بأكثر من متجر في أماكن متعددة، عوض استئجار محل فقط.
8 ملايين شهريا بعلي منجلي  و محل يكلف أكثر من شراء شقة
قصدنا بعد ذلك المدينة الجديدة علي منجلي دون أن نفصح عن هويتنا دائما، و قد كانت وجهتنا الأولى نحو وكالة عقارية تقع بالقرب من المركز التجاري «الرتاج» باعتبارها المنطقة الأكثر نشاطا و حركية، حيث أكد صاحبها عدم وجود أي محل شاغر للتأجير بالشارع الذي نتواجد به أو بالقرب من «البازارات» الأخرى على غرار «القبة»، مضيفا أن المساحات المتوفرة تتفاوت بين 20م2 إلى غاية 35م2، أما الأسعار فلا تقل عن 80 ألف دينار شهريا، مع عقد يجدد كل سنتين، و تسديد يكون بدفع قيمة العقد كاملة، أو لسنتين على أقل تقدير، ليضيف أن المتوفر حاليا في تلك المنطقة محل بإحدى عمارات الوحدة الجوارية 6 قرب دار الشباب، و معروض للكراء مقابل 50 ألف دينار شهريا مع عقد لمدة سنتين.
و قال صاحب الوكالة العقارية أن تحت تصرفه العشرات من المحال بالوحدات الجوارية 13، 18، 19 و17 وذلك مقابل أجرة شهرية تتراوح بين 20 إلى 25 ألف دج شهريا، غير أن هذه المناطق لا تعرف حسبه حركية كبيرة، كما أن أغلبها لا يصلح سوى لنشاط بيع الأغذية العامة و الخدمات.
صاحب وكالة عقارية أخرى بالوحدة الجوارية 6 أكد أيضا عدم وجود محال للتأجير بالمناطق القريبة من بازارات علي منجلي الكبرى، لأن هذه الشوارع تعد المقصد الأول للتجار، عارضا علينا محلا آخر بالقرب منه مقابل 50 ألف دينار مجهز بحمام و بواجهة و مكيف هواء، ليضيف أنه قام بتأجير محل مشابه قبل أسبوع بالقرب من مفترق الطرق بالوحدة الجوارية رقم 7 مساحته 30م2 مقابل نفس المبلغ.
و اعتبر محدثنا إمكانية استئجار محل داخل الأسواق الكبرى بعلي منجلي أمرا مستحيلا و ضربا من الخيال، حيث أسرّ لنا أن صاحب سوق لم ينطلق في نشاطه بعد، أجّر كافة الفضاءات قبل إنهاء الأشغال، مضيفا «لقد شيّد سوقه من أموال التجار، بعد استلامه تسبيقا بـ 50 مليون سنتيم عن كل فرد.. لا يمكن أن تجد مكانا واحدا هناك».
أما عن أثمان بيع المحلات بعلي منجلي، فقد كشف محدثنا أن لديه محلين أوّل بالوحدة الجوارية رقم 6 عرضه مالكه للبيع مقابل «عرق» و هو المصطلح الذي يعني مليار سنتيم لدى أصحاب الوكالات العقارية، في حين أن الثاني القريب من حي 400 مسكن يطالب مالكه بـ 1.8 مليار سنتيم، بما يفوق سعر شقة من 3 غرف بنفس المنطقة و التي لا تتعدى قيمتها 1.4 مليار سنتيم.
و قد أوضح صاحب الوكالة العقارية أن عدم وجود فروق كبيرة بين الأسعار بمدينة قسنطينة و علي منجلي، سببه كثافة النشاط بكليهما، حيث تعرف مدينة قسنطينة حركية كبيرة بداية النهار و إلى غاية العصر، في حين يكون الوضع مغايرا بعلي منجلي، إذ يلاحظ أن الحركية محتشمة في الصبيحة، لكنها تعرف أوجّها مع اقتراب فترة المساء.
ويفسر هذا الالتهاب لجوء الكثير من الملاك إلى خلق بازارات بمداخل العمارات أو بالطوابق الأرضية، في ظاهرة حولت حيي بلوزداد وشارع ديدوش مراد بوسط المدينة إلى مجمعات تجارية، وهي ظاهرة سبق وأن تطرق إليها مكتب دراسات كلف بإعداد مخطط توجيهي لترميم المدينة القديمة ، والذي حذر من خطر ممارسة النشاط التجاري ببنايات قديمة تدخل ضمن الحيز المصنف، وكان هذا التحذير محركا لإصدار الوالي السابق لقرار يمنع كراء العقارات في قسنطينة القديمة، لكن ذلك لم يمنع من استحداث فضاءات تجارية جديدة بأروقة ضيقة تم كراؤها تحت مسمى محلات لتجار الألبسة.
محلات البلديات تستغل بأسعار رمزية
و خلافا لكل ما سبق، لا يخضع سعر تأجير المحلات التابعة لمديريات الممتلكات بالبلديات لـ «قانون السوق» الذي يفرضه الخواص، حيث تكاد تكون الأسعار المحددة رمزية في غالب الأحيان، بحيث أن سعر تأجير محل بوسط مدينة قسنطينة لمدة شهر، يكون ضعف ثمن تأجير آخر تعود ملكيته للبلدية مدة سنة كاملة، و قد أوضح المكلف بالإعلام على مستوى المجلس الشعبي البلدي بقسنطينة، أن آخر مرة تمت فيها مراجعة أسعار تأجير المحلات كانت قبل سنة 2007، حين تم رفع السعر بنسبة 700 في المائة.
وأضاف ذات المتحدث أن البلدية كانت قبل سنة 2007 تؤجر فضاءاتها التجارية مقابل مبالغ لا تتجاوز 200 دج شهريا، قبل أن ترفع القيمة بـ 3 آلاف دينار، إذ يستأجر التجار محلات سوق بطو عبد الله المعروف بـ «فيروندو» بين ألفين إلى 3 آلاف دينار شهريا، وهو نفس المبلغ بالنسبة لمحلات سوق بومزو بساحة أول نوفمبر، في حين حدد متوسط السعر على مستوى سوق الدقسي عبد السلام، بحوالي 5 آلاف دينار شهريا.                               

ع.ب

الرجوع إلى الأعلى