مرة أخرى تعود الجزائر إلى قلب التحركات الدبلوماسية الإقليمية والدولية عندما يتعلق الأمر بالبحث عن مفاتيح لحل الكثير من الأزمات المعقدة والمستعصية، مرة أخرى تصبح الجزائر مزارا لكبار الدبلوماسيين من دول العالم لطلب الرأي والاستشارة والخبرة، وفي آخر المطاف الدلالة توحي أنه لا يمكن تجاوز الجزائر كرقم بسهولة.
مهما قالت المعارضة ومهما أبدت من تشاؤم، ومهما يقول علماء السياسة والاقتصاد تقليديا من أن الدبلوماسية هي انعكاس للقوة الاقتصادية والعسكرية لبلد ما، فإن التجربة أثبتت أكثـر من مرة أن الجزائر بموقعها وخبرتها وقوة تأثيرها على الساحة الإقليمية لا يمكن تجاوزها في الكثير من القضايا خاصة تلك التي تجري على ضفافها، وهذه أصبحت بديهية بالنسبة لدول أخرى تعرف جيدا كيف تؤثر الجزائر في قضية ما عندما تريد.
لقد استقبلت الجزائر في الأيام الأخيرة عددا من الدبلوماسيين المرموقين من دول شقيقة وصديقة من العراق وأمريكا  والبرتغال وبولونيا والنمسا، وقبلها من السعودية وغيرها،  واليوم تستقبل وزير خارجية روسيا و هي واحدة من أعظم الدول في العالم ولها تأثير واضح في الكثير من القضايا الإقليمية خاصة في منطقتنا العربية، وبعد ذلك سيحل ببلدنا في الخامس مارس الداخل الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في أول زيارة له للجزائر منذ توليه هذا المنصب، وهي الزيارة التي وصفها وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي رمطان لعمامرة بالمهمة.
وبالتأكيد فإن الكثير من الملفات العالمية طرحت وستطرح على الطاولة هنا في الجزائر من باب معرفة مساهمة الجزائر فيها، والاستعانة بخبرتها في حل الكثير من المشاكل، ملفات مثل ملف ليبيا و سوريا والعراق والصحراء الغربية والتعاون مع الاتحاد الأوربي والنفط ومحاربة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، فضلا عن ملفات التعاون الثنائي.
إن طلب الاستعانة بالدور الجزائري قبل طلب استشارتها لهو دليل على أن التوجهات الدبلوماسية التي تمسكت بها الجزائر بالنسبة لحل العديد من القضايا أثبتت في النهاية صوابها و وجاهتها، وهو ما يزيد من إقبال الدول الأخرى عليها، هذا فضلا عن التجربة التي تملكها الدبلوماسية الجزائرية في حل العديد من القضايا عبر التاريخ لعل أبرزها حل قضية الرهائن الأمريكان في إيران ، وهي قضية جد معقدة وخطيرة كانت ستوصل إلى غزو أمريكي لإيران حسب ما أدلى به رئيس الحكومة الأسبق رضا مالك قبل يومين.
ومهما بلغت بنا درجة النقد الذاتي فإنه لا يمكن أبدا الاستهانة بثقل المفاتيح التي تمسك بها الجزائر لحل قضايا معينة مثل القضية الليبية ومحاربة الإرهاب و الهجرة وقضية الصحراء الغربية.. لا يمكن أبدا الاستهانة في نهاية المطاف بقوة التأثير التي تملكها بلادنا بالنسبة لمثل هذه الملفات وهو شيء طبيعي، وهذا يقودنا تبعا لذلك إلى عدم الاستهانة بالقدرات التي تملكها الجزائر حتى ولو كانت قدرات خام فقط، مثل الموقع، الثقل الديمغرافي والاقتصادي وقوة الجيش الوطني الشعبي وعلاقات الجزائر  المتشعبة مع جيرانها ومع أصدقائها و طبيعية العلاقات التاريخية معها.. حتى ولو اختلفنا في طريقة استغلال كل هذه القدرات سياسيا ودبلوماسيا.                     
النصر

الرجوع إلى الأعلى