على بعد  12كلم عن مدينة سعيدة ببلدية أولاد خالد، يختبئ الموقع الحموي "حمام ربي" في أحضان الطبيعة، وكأنه يحتمي من صخب المدينة وضوضائها ليخلد للهدوء و الاسترخاء بين سهول خضراء كانت ذات يوم تسقى من مياهه المعدنية التي كانت تتدفق من المنبع . حول هذه الربوة التي لم تنس أبدا يحضر مئات الأشخاص يوميا على مدار العصور للاستشفاء و التطبيب وحتى الاسترخاء، بفضل مياه النبع الغنية بالمعادن المختلفة.
الربيع يصنع تاريخ و حركية المنبع
يتداول سكان المدينة قصة تسمية المنبع الحموي وهي التسمية المتداولة كذلك في بعض الكتب التاريخية التي تقول أن حمام ربي كان في الأصل يسمى "حمام الربيع"، حيث كان سكان المنطقة قديما و كل من يزورها يتوافدون على المنبع الحموي في فصل الربيع الذي كانوا يعتبرونه أفضل فصل للاسترخاء، بفضل مياهه المعدنية التي تعمل على معالجة العظام والدورة الدموية، بما يجعل الجسم يستسلم للاسترخاء الذي له نكهة خاصة في الربيع فوق المروج الخضراء التي كانت تحيط بالحمام قديما، لكن تغيرت التسمية غداة الاحتلال الفرنسي الذي استوطن بسعيدة و لصعوبة نطق حرف "العين" بالفرنسية، تحول الربيع إلى ربي، وتحولت التسمية إلى حمام ربي إلى غاية اليوم.
 و لا يزال التوافد على الحمام في فصل الربيع كبيرا، من طرف سكان المنطقة الشديدة البرودة في الشتاء، ولكن بالنسبة للقادمين من ولايات أخرى، فالتوافد لا ينقطع على مدار السنة، خاصة أثناء العطل، حيث تنظم الرحلات للمسنين و المرضى للتداوي بمياهه المعدنية التي لا تزال تحافظ على معادنها رغم التأثيرات الطبيعية، حيث تقول بعض المصادر أن المنبع الحموي حمام ربي، وجد في عصر الرومان الذين كانوا يستغلونه للاستحمام المباشر من النبع الذي لا تزال تجري مياهه، لكن وفق طرق عصرية.
حمام "عروسة سعيدة" إلزامي  في حمام ربي
اثناء تواجدنا بالحمام اقتربنا من بعض النسوة خاصة المسنات منهن ، فروت لنا إحداهن بأنه منذ القدم تجذر في سعيدة تقليد ينص على أن حمام العروس لا يكون إلا في حمام ربي، حيث أن حمام العروسة هو تقليد راسخ في الجهة الغربية وله تقاليده المميزة، وكأنه إعلان عن نهاية مراسيم العرس، وغالبا ما يكون بعد ثلاثة أيام من مراسيم الزفاف.
في سعيدة حمام العروسة يكون في محطة حمام ربي، لتسترجع قواها و تشعر بالراحة و الحيوية بعد تحضيرات العرس المتعبة، و يجلب أهل العروس مختلف أنواع الحلويات والمشروبات لتوزيعها على الوافدين للحمام، وعلمنا أنه يتم تحضير غرفة استحمام خاصة بالعروس في حال طلبها من طرف مرافقيها، ويعد يوم حمام العروس بمثابة عرس يحتفي به كل أرجاء الحمام الذي تدويه الزغاريد و الطبل، لكن هذا الجو البهيج لا يكون فقط على شرف العروس، بل صادفنا أثناء تواجدنا أهازيج مماثلة، خاصة بأول حمام للمولود الجديد، حيث تفضل الأمهات أن يكون أول حمام لمواليدهن حديثي الولادة في حمام ربي، تبركا به و بمياهه المعدنية العلاجية.
 وقالت لنا بعض النسوة أن حمام ربي له نكهة خاصة، ففي المخيال السعيدي لا يعد حماما عاديا، بل هو محطة لاسترجاع الأنفاس و القوى المنهكة و البحث عن الراحة بعد بذل جهود كبيرة،  و بالتالي من يريد مثلا التوجه إلى البقاع المقدسة أو يعود منها، لا بد أن يزور حمام ربي الذي لا يكون الاستحمام فيه إلا جماعيا، وفق التقاليد.
 وتوفر المحطة 58 غرفة استحمام، منها الفردية والجماعية، موزعة عبر جناح للرجال و جناح للنساء الذين يتوافدون يوميا من الساعة 7 صباحا إلى غاية قدوم آخر زبون، بمعنى أن الحمام يغلق أبوابه في ساعات متأخرة من الليل، وأسعاره مقبولة جدا، فهي أقل من أسعار بعض الحمامات العادية في المدن.
النقل أهم عائق للوصول إلى الحمام
رغم مكانة الحمام في المجتمع السعيدي، إلا أن انعدام النقل يجعل التوافد للمحطة يقتصر عموما على من يملكون وسائل نقل خاصة، أو من يسكنون قرب المحطة، فهؤلاء لا ينقطعون عن المحطة الحموية على مدار السنة، فيما يغيب الباقون عنها إلا في المناسبات.
 منذ سنوات قليلة كانت بعض حافلات الخواص تضمن النقل باتجاه الحمام، لكنها توقفت وتوجهت إلى خطوط أخرى، كما طرح آخرون مشكل انعدام مرافق الترفيه بمحيط المحطة، يعني أن القادم إلى المحطة، يغادرها بمجرد إنهاء الاستحمام الذي هو الغاية الوحيدة للقدوم إليه، حيث طالب بعض من قابلناهم هناك بتوفير مرافق راحة و ترفيه تجعل الزائر لا يأتي للحمام وفقط، بل للنزهة والترفيه، خاصة أولئك الذين يحجزون في الحمام لمدة طويلة، فما عدا ما توفره إدارة الحمام من مقهى و ساحات مهيأة و فضاء خاص بلعب الأطفال لا توجد متطلبات أخرى، فحتى المحلات التجارية  المنتشرة على طول الرصيف المقابل للمحطة، تقتصر أغلبها على بيع لوازم الاستحمام و تغلق أبوابها لفترات طويلة.
مشروع الفندق الجديد متنفس لزوار المحطة
تحول المنبع الحموي إلى حمام عصري في سنة 1974 ،في إطار برنامج الرئيس الراحل هواري بومدين، القاضي بتحقيق عدة إنجازات عبر الوطن ومنها تأهيل المنابع الحموية للمساهمة في ترقية السياحة و الاستفادة منها، وقد أنشأت محطة حمام ربي المعدنية في 11 فيفري من سنة 1977، و تنظمها أحكام المرسوم رقم 88/176 الذي يقضي بتحويل مراكز الراحة لقدماء المجاهدين إلى مرافق عمومية ذات طابع إداري، ومنها حمام ربي الذي يتربع على مساحة قدرها 9780 متر مربع.
كان حمام ربي تابعا مباشرة لإشراف الولاية، إلى غاية التسعينات، أين حطمته الهمجية الإرهابية وأحرقته، فظل أطلالا يقف عندها سكان المنطقة لاستذكار الماضي، إلى غاية 2002 ،حين التقى المدير العام لمؤسسة التسيير السياحي بتلمسان ووالي سعيدة آنذاك، ليتم نقل الإشراف و التسيير من الولاية  إلى المؤسسة العمومية للتسيير السياحي، التي كانت تشرف كذلك على فندق الفرسان بذات الولاية، وتم مباشرة الشروع في عمليات إعادة تهيئة وتأهيل المرافق التي حطمها الإرهاب، وتم أيضا إنشاء جناح طبي للعلاج و التداوي.
في هذا الإطار أوضح مدير المحطة، بأن المشكل المطروح تقريبا في أغلب المنابع الحموية هو غياب أطباء مختصين في العلاج بالمياه المعدنية، أي المختصين في التأهيل الوظيفي. ويطرح أيضا في حمام ربي مشكل الإيواء، فطاقة الاستيعاب الحالية هي 24 شقة فردية و جماعية وعائلية.
تطمح الإدارة لأن يتم تجسيد مشروع التوسعة بإنجاز فندق إضافي بسعة 30 غرفة، لرفع طاقة الاستيعاب، خاصة في ظل المنافسة غير القانونية التي تفرضها شقق بعض البنايات المقابلة للحمام التابعة للخواص الذين يؤجرونها للأشخاص والعائلات التي لا تجد مكانا في غرف الحمام.
بالرغم من قلة طاقة الاستيعاب، فالمحطة لا تعاني من مشكل مالي، حسب مديرها، بل بالعكس، فهي لحد الآن يستفيد عمالها و عددهم 60 عاملا من منح و امتيازات، مضيفا أن أغلبهم تخرجوا من معاهد التكوين السياحي مثل معهد بوسعادة، لكن مشكل التكفل بهم، خاصة من حيث الإيواء، جعل الكثيرين يغادرون المحطة نحو وجهات أخرى.
الملاحظ أن كل المشاكل التي تحد من إمكانيات المحطة، لم تغير من حقيقة أن حمام ربي، لا يزال قبلة مفضلة لسكان الجهة الغربية أساسا، ومختلف جهات الوطن عموما، بالنظر لفوائد مياهه المعدنية.
هوارية ب

الرجوع إلى الأعلى