يعود رمضان على المسلمين وهم في إحدى أحرج فترات تاريخهم المعذب، حيث صارت أخبار سقوط عشرات القتلى عادية في نشرات الأخبار، وصار خطاب الكراهية كالتحية بين شعوب عادت إلى حروب الطوائف التي بدأتها مرجعيات دينية تتحرك بإيعاز سياسي وتلقفتها الجماهير التي أصبحت تستهلك هذه الخطب عبر الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي.
والنتيجة أن بعض الدول الإسلامية لم تعد تتردد في تصدير الحروب إلى أشقائها رعاية وتمويلا وحتى غزوا مباشرا، بل أن المسلمين صاروا يعدون الحشود لمحاربة المسلمين أو المس باستقرار دولهم، بحثا عن زعامات وهمية أو خدمة لأهداف جيوسياسية  رسمتها قوى استعمارية ترى العالم الإسلامي كفريسة. بل أن الدول التي ترفض التدخل وتنبذ الحروب باتت تواجه بالمؤامرات.
الخراب الذي حلّ بالدول الإسلامية ، انعكس على صورة الإنسان المسلم، الذي أصبح خطرا يُنصح بتجنبه حيثما حل وارتحل، حيث شُددت  إجراءات السفر في وجهه وبات يعامل بعناية خاصة في مختلف مطارات العالم، ويتم تتبع خطواته والتجسس على اتصالاته ومعاملاته. وحتى المسلمين الذين تجذروا في الغرب باتوا اليوم يواجهون الازدراء في العديد من المجتمعات وينظر إليهم كتهديد وكقنابل قابلة للانفجار
في أي وقت.
صحيح أن هذه الصورة غير حقيقية في أغلب الأحيان لكنها باتت صورة نمطية سيحتاج المسلمون إلى وقت طويل للتخلص منها، وصحيح أيضا أن المسلمين لا يتحملون كامل المسؤولية في الوضع الذي صاروا عليه على اعتبار أنهم عانوا من استعمار مباشر في العصر الحديث استولى على ثرواتهم واستعبدهم، وليست كراهية الشعوب المعلنة للغرب سوى نتيجة لهذا الاستعمار، كما عانوا من استعمار غير مباشر يستمر إلى اليوم عبر إملاءات و إكراهات  ونهب للثـروات والمقدرات، لكن تصحيح الصورة يقع على عاتق المسلمين دون سواهم، وتصحيح الصورة يقتضي بالضرورة تصحيح الأوضاع الذي لن يتم سوى بمراجعة البنى السياسية التي تجاوزها الزمن، والوصول إلى ديمقراطية حقيقية  تكون الكلمة فيها للشعوب في اختيار من يحكمها، وفي تبني السياسات والتوجهات الوطنية التي تضمن رفاهية الجميع.
كما أن المنظومة الدينية في حاجة إلى مراجعة وتحيين للتخلص من الفكر المتطرف  والايديولوجيا المنغلقة الانعزالية والعدوانية، وتحجيم الدور الخطير الذي بات يلعبه رجال الدين الذين تحولوا إلى نجوم في الفضائيات وفي وسائل التواصل الاجتماعي، وأصبحوا يمررون فتاوى هدامة لشعوب تعاني من ضعف في التعليم واضطراب في الهوية.
و إذا كان رمضان من المناسبات القليلة التي ينتبه فيها المسلمون في مختلف أنحاء العالم إلى ما يجمعهم، فإنه سيكون أيضا مناسبة للانتباه إلى أوضاعهم ومراجعة ما هم عليهم، و التقدم نحو عمل مشترك فيه خير الشعوب جميعها حتى و إن بدا اقتراب المسلمين اليوم حلما بعيد المنال.
نعم، رمضان ليس مناسبة للأكل والشرب
 و الإنفاق، وليس مناسبة للعبادة فقط، وليس مناسبة لإنتاج الدراما وقضاء ساعات طويلة خلف الشاشات.
رمضان فرصة لتشخيص حالة أمة مريضة، أمة لم تعد تفلح سوى في إنتاج الموت  وتصديره.                                                                                  
النصر

الرجوع إلى الأعلى