مسافرون يُستقبلون بالحليب و التمر و دقائق لإنهاء إجراءات المغادرة
يعملون في جميع الظروف و يستقبلون المسافرين بالترحاب و بابتسامة عريضة، حتى و لو كانت عقارب الساعة تشير إلى موعد الإفطار، إنهم عناصر شرطة الحدود الذين يسهرون على أمن البلاد و المواطنين و يحرصون على راحة الأشخاص العائدين إلى أرض الوطن أو الأجانب القادمين و المغادرين للجزائر.
النصر زارت عناصر شرطة الحدود بالمطار الدولي محمد بوضياف بقسنطينة، ووقفت على ظروف عملهم و الإجراءات الاستثنائية التي يسهلون من خلالها مغادرة المسافرين للمطار خلال دقائق، وهو ما شاهدناه مع رحلة جوية للخطوط الجوية الجزائرية قدمت من العاصمة الفرنسية باريس و تزامن وصولها تماما مع موعد الإفطار.
قبل عشر دقائق من أذان المغرب، دخلنا إلى بهو المطار رفقة رئيس خلية الاتصال و الصحافة بالمصلحة الجهوية لشرطة الحدود، الملازم أول سامية سالمي، كانت القاعة الرئيسية للمطار خالية تماما إلا من بعض رجال الأمن، فجميع المحلات والأكشاك مغلقة ولا أثر لموظفي الاستقبال و ممثلي شركات الطيران، و كأن المحطة الجوية علقت رحلاتها، لكن بمجرد الدخول إلى القسم الخاص باستقبال الرحلات الخارجية، وجدنا رجال و نساء الشرطة يستعدون لاستقبال المسافرين القادمين على متن رحلة للخطوط الجوية الجزائرية الآتية من مطار شارل ديغول بباريس و على متنها 117 راكبا من الجالية الجزائرية.
في تلك الأثناء كانت الطائرة قد حطت على المدرج منذ بضعة دقائق، حيث تم نقل ركابها على متن حافلتين إلى قاعة الوصول، و بمجرد دخولهم استقبلوا من طرف عناصر الشرطة بطاولة من التمر و الحليب و العصير و الماء، و مع توافد المسافرين على القاعة كان قد حان موعد الإفطار، ليشرعوا في كسر صيامهم، دون أن يضطروا إلى الانتظار لحين إنهاء إجراءات المغادرة و التوجه إلى عائلاتهم، خاصة أن معظمهم من ولايات مجاورة كسطيف وبرج بوعريريج وميلة وبسكرة.
وقد بدت علامات السرور على أوجه العائدين إلى أرض الوطن وهم يستقبلون لحظة دخولهم إلى المطار بكؤوس من الحليب و حبات من التمر، و هو ما عبر عنه العديد من الذين تحدثنا إليهم، حيث أكد شاب قال بأنه من ولاية ميلة، بأنه لم يزر الجزائر منذ 5 سنوات، مضيفا بأنه لم يتوقع هذا الاستقبال و من الجميل، كما أضاف، أن يستقبل بالحليب و التمر حتى يفطر، بعد رحلة طويلة إلى باريس ثم إلى قسنطينة.
إجراءات استثنائية لمراقبة الجوازات
فيما أكد شيخ من ولاية برج بوعريريج كان رفقة زوجته، أنه قدم لقضاء ما تبقى من أيام رمضان مع العائلة، لأنه لم يصم الشهر الفضيل في الجزائر منذ عدة سنوات، مؤكدا بأن صور التضامن تتجسد في بلادنا بمجرد النزول بأرض المطار، و هو ما قاله أيضا زوجان شابان كانت علامات الفرحة تبدو على محياهما، حيث ذكرا بأنهما لم يدخلا أرض الوطن منذ مدة طويلة.
بعد كسر الصيام، اصطف المسافرون الـ 117 أمام شبابيك مراقبة جوازات السفر، و رغم عددهم الكبير، إلا أن الإجراءات لم تستغرق سوى بضع دقائق، فهناك 6 شبابيك و عوني شرطة على مستوى كل شباك، و هي إجراءات استثنائية خاصة بالطائرات التي يتزامن موعد وصولها مع توقيت الإفطار، و حسب المعلومات المقدمة لنا، فعناصر الشرطة المكلفين بمراقبة الجوازات يملكون خبرة طويلة و تلقوا تكوينا خاصا في المراقبة الحدودية، ما يؤهلهم للقيام بهذه المهمة على أكمل وجه.
هذا التنظيم المحكم و تسهيل العبور، استحسنه المسافرون، حيث أكد عدد منهم بأن الأمور تحسنت كثيرا مقارنة بالسابق، بالنسبة لتسهيل إجراءات المراقبة و المغادرة، خاصة أنهم يكونون متعبين و مرهقين بعد رحلة شاقة برا في فرنسا، ثم جوا إلى قسنطينة و منها برا نحو ولايات أخرى قد تبعد مئات الكيلومترات، و قد كان الأشخاص الأكثر استحسانا العجائز و الشيوخ الذين لم يتوقفوا عن شكر أفراد الشرطة، و الملاحظ أن كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، يحظون بمعاملة خاصة، حيث يتم مرافقتهم من قبل عمال الجوية الجزائرية من الطائرة إلى غاية قاعة الوصول، أين تقدم لهم تسهيلات ويمنحون الأولوية في المرور و يتم مرافقتهم إلى غاية الخروج من المطار.
 لا مجال للإفطار قبل مغادرة آخر مسافر
و بعد أكثر من 20 دقيقة كان أفراد شرطة الحدود منهمكين في عملهم و لم يجدوا الوقت بعد لكسر صيامهم بحبة تمر أو جرعة ماء، فلا مجال بالنسبة لهم للإفطار، قبل مغادرة آخر مسافر، و حتى رئيس المصلحة الجهوية لشرطة الحدود العميد الأول لعور كمال، كان حاضرا بنفسه لمراقبة استقبال المسافرين و الوقوف على الإجراءات المتبعة لتسهيل مغادرتهم.    
أفراد الشرطة الذين تحدثنا إليهم أكدوا بأنهم اعتادوا على هذه الأجواء خلال شهر رمضان، حيث يفطرون أثناء قيامهم بعملهم، بعيدا عن أجواء المنزل، و هو ما بات أمرا عاديا بالنسبة لهم، فرغم بعدهم عن الأهل، إلا أن تواجدهم مع زملائهم خلق جوا عائليا مميزا أنساهم مشقة العمل.
وبعد أكثر من 30 دقيقة عن موعد الإفطار بدأ أفراد الشرطة في العودة إلى مقر المصلحة الواقع على بعد مسافة قصيرة من المطار، و كان بهو المطار لا يزال خاليا من الحركة، و آخر الواصلين إلى المقر كان أعوان الشبابيك، ليتناولوا بعد ذلك وجبة الإفطار، مجتمعين حول طاولة واحدة، ومن دون إعارة اهتمام للرتب فالجميع يجلس جنبا إلى جنب، في صور لا تختلف كثيرا عن دفء العائلة.
هذه المبادرة التي تقوم بها المديرية العامة للأمن الوطني خلال شهر رمضان من كل سنة، تشمل جميع المطارات و الموانئ عبر الوطن، بما فيها 6 مطارات و 4 موانئ بالشرق الجزائري، و هي عملية تنظم كل سنة بالنسبة لرحلات المعتمرين و الجالية الجزائرية المقيمة بالخارج و التي تتزامن مع موعد أذان المغرب.  
عبد الرزاق مشاطي

الرجوع إلى الأعلى