أبطال باب الحارة يغرقون في صراع الغلو والتطرف الديني
تعرف حلقات الجزء الثامن من السلسلة السورية "باب الحارة" صراعا فقهيا بين سكانها الذين عاشوا على مدار الأجزاء الماضية في كنف الوحدة و التماسك والتآزر و كل العلاقات الجميلة التي كانت تميز الشعوب العربية في وقت ما، وبفضل هذه الصفات انتصرت الدول العربية على المستعمر و بنت أمجادها، لكن ظهرت في الجزء الثامن فوضى في الفتاوى وتغيير في تركيبة المجتمع، جعلت الحارة تفقد الكثير من القواعد الأخلاقية والعرفية والتي كانت ركيزة صمودها وقوتها.
 وقد كان الشيخ عبد العليم الذي أدى دوره الممثل السوري عادل علي، هو المفتي الوحيد في الحارة وشيخها وكان يمثل الاعتدال والوسطية في تفسير الأحداث والمواقف، وفق ما كان يستقيه من القرآن والسنة و السيرة النبوية، ويسقط الأمور على الواقع المعيش بعد دراسة و تمحيص، فأنقذ العديد من الأسر من فخ التشتت عن طريق الطلاق، وحفظ جمع شمل العائلات بعد توزيع الميراث وآخى بين الكثير من الشباب المتخاصم وغيرها من المواقف التي تضمنتها الأجزاء السابقة من السلسلة.
بينما جعل المخرج الأمور تعرج على أهم أسباب تدهور الأوضاع في البلدان العربية المسلمة، حيث جعل الشيخ عبد العليم يغيب في بداية الجزء الثامن عن الحارة، لأنه كان في مهمة خارجها، تاركا وراءه مساعده "سمعو" الذي أصبح شيخا ومفتيا، رغم أنه كان مجرد خادم للجامع و يقوم على تعويض الشيخ في الصلاة و الإمامة وأنه على مدار الأجزاء الثمانية للسلسلة، كان "سمعو" غير متعلم و التحق بالمسجد، ليكفر عن ذنبه في الالتحاق بجيش العدو ومحاربة أبناء بلده، لكنه استغل طيبة أهل الحارة و احترامهم له ليتحول عن غير دراية وعلم لإمام يفتي بطريقة استغرب لها سكان الحارة الذين بدأ أغلبهم من الذين يحضرون الدروس التي يقدمها في المسجد ينتفضون ضد المجتمع ويغيرون سلوكاتهم، وساعده في ذلك الإمام الجديد للمسجد، حيث شرع في تحريض الرجال على ترك العمل والاكتفاء بالعبادة في المسجد أو بيع بعض العطور مثل المسك والعنبر وسجاد الصلاة والسواك وعدم الإقتراب من الأعمال الأخرى لأنها تؤدي بالمسلم لدخول جهنم.
لقد ترك أغلبهم تجارته وأغلق العديد دكاكينهم، مما نجم عنه تشريد عائلاتهم وتفكك أسرهم و انقلاب موازين حياتهم التي كانت مستقرة عبر الأزمنة، وأفتى "سمعو و الامام الجديد" بأن عمل المرأة حرام، رغم أن نساء الحارة كن يقمن بأعمال الخياطة والطرز داخل البيوت وتتكفل إحداهن ببيع المنتوج، وأفتى الشيخان غير المؤهلين بجواز طلاق "أبو بدر" الأبله من زوجته، دون دراسة ظروف وملابسات الواقعة وأقروا بضرورة أن تتزوج "زوجة أبو بدر" بآخر لكي تعود لزوجها، وقبل أحد زعماء الحارة القيام بهذا الدور، لكي يعود شمل الأسرة للالتئام، ووافق الشيخان رغم أن المطلقة لم تنه العدة، فأصبحت كل فتاواهم باطلة وكادت تغرق الحارة في جهنم النزاعات التي بدأت تبرز والصراعات المتتالية ودخول الغرباء الذين استغلوا الوضع لينطلقوا في نخر أسس الحارة، إلى أن عاد الشيخ عبد العليم وتصدى لهؤلاء المشايخ المزيفين دعاة الغلو والتطرف والتفرقة، وأعاد الأمور لنصابها وبدأ يعيد من انجرفوا وراء هذا التيار لطريق الصواب.
 وهنا يبدأ العنف وتتعمق الجراح وتكبر الهوة بين أبناء الحارة كون المشايخ المتطرفين دخلوا في حرب غير معلنة مع الشيخ عبد العليم الذي حرضوا ضده شبابا متهورا ليقتلوه، لكنه لم يمت بل تعرض لضربات أنهكت عظمه و أوهنته، و يشتد الصراع بين سكان الحارة والمشايخ المتطرفين، وتتفكك الروابط و يدخل المجتمع في صراع مع نفسه.
إنها فوضى الفتاوى من غير العارفين بالدين الذين حولوا المجتمعات العربية لجحيم الصراعات والفتن و ابتعدوا به عن الطريق الصحيح، ويبدو أن المخرج عندما ترك الشيخ حيا أراد أن يبعث رسالة للعرب بأنه رغم كل شيء، فإن الإسلام الحقيقي و المترسخ في أعماق المجتمع لا يموت، رغم كل الضربات والمحن، وأن تلك الفتاوى الواهية ستزول يوما ما، بتصدي المجتمع لها وتمسكه بأصول دينه التي ورثها عبر الأجيال و يتحصن من كل رياح الفوضى التي تأتيه من خارج بلاده، مثلما جسدها بسام الملا في الشيخ الجديد الذي جاء من خارج الحارة وسيقفل باب الحارة أمام هؤلاء دعاة التطرف والغلو والتفرقة وكل مظاهر العنف.  
  هوارية ب

الرجوع إلى الأعلى