الأخضر بركة

يا تراباً
تحت جلد النّعل منسياًّ،
إليك انتسبَ الموتُ،
عليك اتّكأ الوقتُ،
تراباً، يهضم الأجسادَ أو يروي المراثي.
ربّما الأشجارُ كانت أذرعاً ممتدّةً منك إلى عُنْقِ السّماء
ربّما قمصانكَ الأعشابُ أهدابُ إناثٍ من هواءٍ
ربّما قيلولةُ الأحجارُ نصٌّ وثّقته الريحُ نحتا،
ربّما كنت صديق الخطوةِ الحافيةِ الوُجهة في إيقاعِ آلام العبور
***
يا ترابا داخل المنزلِ
مربوطا بأقدامِ نباتٍ قَزَمٍ في أُصُصٍ ملأى إلى النصفِ
تراباً خارجَ الوصفِ،
يُرى أو لا يُرى، سيّانَ،
يا جلد المكان
***
واحدَ الأنحاءِ،
لا إسفلتَ، لا إسمنتَ ينسيكَ انزلاقَ اللّحمِ في أخدودكَ الغيبيِّ،
كالمرآةِ، أو عينيِّ تمثالٍ من البازِلْتِ، لا يُغْمِضُكَ النومُ،
***
اتَّخَذْتَ الأرضَ اسماً عجباً،
سرعان ما دوّنه الحافرُ الدامي تُحَيْتَ الجسدِ المطحونِ
مثل البنِّ في حرب طهاة الموتِ،
قد يحرثكَ المخيال، حقلا من أغانٍ أو رؤى تنزاح عن كِلْسِ رؤىً
قد ليس يعلو شجرٌ إلاّ بإذنٍ منكَ في الأعماقِ،
قد يسقيك من ماء الدّموعِ الخيرُ،
قد يسقيك من خمر المتاه الشرُّ،
قد تغدو بلاداً،
أو سماداً من عطايا جثثٍ يركمها النسيانُ في أرشيف تاريخ ولوعٍ
بازدراد الخلْقِ في مأدبة النّارِ،
ولوعٍ
بافتضاضِ الغامض الحيّ أمام الواضحِ الميْتِ،
ولوعٍ
باحتساء الدمِ في صحن أناشيدَ على مرأى صُحونٍ أخرٍ
قد مُلئت آياتِ إيذانٍ بمضغ العظمِ في حمّى لعابٍ
***
ربّما فتّقتَ على ألسنة الإصباحِ أقوالا تبنّتها ليالٍ
ربّما أسرجتَ يخضورا على أحصنة الأمثالِ،
أو فقسّت بيضا من جرادٍ فيك مدسوسًا لميقاتٍ
***
ترابٌ، أم لحاءٌ
قُدَّ بالسكّين، أو بالظُّفْرِ عن جِذْعِ وُجودٍ كي يُسمَّى وطناً
في ورَقِ الجنسيّةِ الآنَ، ترابٌ رَحِمٌ
تجهضه الأحقادُ، أو تخصبُه الأكباد في المنفى، ترابٌ نهِمٌ
وحشُ حنينٍ في مرايا قفصٍ.
***
ها ابنك العاقُّ الحديدُ الحاملُ الموتى
على أعجوبةٍ من عجلاتِ الرّيح فجراً،
ابنُكَ المقذوف من حنجرة الغيبِ على حرفيّ: كنْ
في الكوكب المكلوم بأساً
ابنك الثاني صليلُ الذهبِ الوعرُ، حُلِيٌّ يَنْكَأُ الصلصالَ، مهمازُ المتاعِ
ابنُكَ الموثوقُ في حبل لهُاثٍ، يكشط العظمَ على منحدر من شهواتٍ،
من مفاتيحَ لأقفالِ جهاتٍ
تنسخُ الأقفالَ تترى.
***
أوّلٌ
أنت على قائمة الإفصاحِ، تستلّ لسان النّار كي تلعقنا
حربٌ بلا ملعقةٍ منكَ، علينا.
أوّلٌ أنتَ على المرتفعِ الصامتِ،
 تفتضّ فراغ القبضةِ العزباء كي
تنسلّ إلى أوّلك الباردِ منها الآنَ،
تحتلّ ثقوبَ الجسمِ، تحتلّ بياضاً بين سطرين،
بياضاً بين حرفينِ.
***
رمادٌ من غبار، أنت
إذ ترسو، تكون الــ..أنتَ،
هل محضُ رصيدٍ أنتَ
لا ينفكّ يزدادُ بما ينفتّ من عظم الحياة.
***
لك عطْرُ الفجْأةِ المفتضِّ في خُبّيزِ أنداء الثرى، أو
نكهةُ العصفورِ مبتلاًّ بإيقاع الرّذاذ،
لك طفلٌ كنْتهُ
يفترس المخيالَ في برّيّةٍ شعثاءَ منكَ انفلتتْ بين يديه،
لكَ ماءُ القيظ يهمي من ثقوبِ الخشبِ المُحدَبِّ برميلاً على ظهْرِ حمار السَّقْيِ.
أيضا
لك ذاك الطّينُ في أحذيةٍ يشبه توقيعاً لرسّاميِّ لوحاتٍ لفلاّحين منسيّين،
ذاك الطّينُ في أحداقِ فلاّحين دسّوا تحت إبطيك بذورَ الأمسِ،
فلاّحين يشتمّون أثداء غيومٍ تحت قُمْصَانِ الغُدُوِّ،
لك ذاك الطّينُ ما بين يديّ الوقتِ خزّاف السنين.
***
لكَ سعدٌ لا يراه النحسُ في إيمان قادومٍ بحفر الممكن الماءِ على أرض الكلام
لكَ نحسٌ لا يراه السّعدُ في عثرة أقدامِ نيامٍ لم تخفّفْ فرحَ الوَطْءِ على رمل المآسي.

الرجوع إلى الأعلى