الفقراء يكتسحون بقايا حقول البطاطا بقالمة    
اكتسح عدد كبير من المواطنين الذين يعتقد أن أغلبهم من الفقراء ،على ما يبدو، حقول البطاطا الموسمية قرب مجاز عمار بقالمة أول أمس الجمعة، و انتشروا فيه بشكل مكثف ،بحثا عن بقايا حبات البطاطا المدفونة في التراب، بعد نهاية عملية الجني في مشهد يبعث على القلق و يحيل إلى أزمة غذاء حقيقية، بدأت تلقي بظلالها على شريحة واسعة من المجتمع في ظل الارتفاع المحموم للأسعار و انهيار القدرة الشرائية لدى الفئات  الهشة.       
و قدم الباحثون عن البطاطا الثمينة من عدة مدن و قرى ،و قال رجل يتجاوز 60 سنة للنصر، بأنه جاء من مدينة قالمة ،التي تبعد عن الحقل بنحو 20 كلم، للتنقيب عن بقايا البطاطا و جمع أكبر كمية ممكنة لتوفير الغذاء لعائلته الفقيرة، مؤكدا بأنه لم يعد قادرا على تلبية حاجيات أسرته بعد ارتفاع أسعار المواد الواسعة الاستهلاك بالأسواق المحلية بينها البطاطا التي بدأت تقترب من 100 دينار للكيلوغرام الواحد.
 و تأسف الرجل للحال التي صار عليها كثير من الناس بسبب الارتفاع الكبير للأسعار قائلا “أشعر بالحزن و الإحباط، و أنا أبحث عن حبات قليلة بين التراب و أزاحم آخرين عندما يعثرون على حبات قليلة من البطاطا هنا و هناك على امتداد الحقل، لم نكن هكذا عندما كانت الأسعار في متناول الجميع، أنا متخوف من مستقبل صعب قد يعقد أوضاع الفقراء أكثر و يدفع بهم للبحث عن الغذاء في مراكز جمع النفايات و الحقول الزراعية كما يحدث الآن في هذا الحقل و حقول أخرى انتهت بها عملية الجني”.  
و بينما كان أناس كثيرون منتشرين وسط الحقل و على أطرافه ،يحفرون الأرض بالفؤوس و القضبان الحديدية و الأيادي، اختارت مجموعة مكونة من 7 أشخاص، بينهم رجال و أطفال صغار، السير وراء جرار كان يهيئ الحقل لزراعة محصول آخر ، بحثا عن حبات تخرجها آلة الحرث المسننة من تحت التراب، فيتسابق أفراد المجموعة و يتنافسون لالتقاطها و وضعها في أكياس بلاستيكية، دون الحاجة للحفر العشوائي المتعب.  
و امتلأ طريق ريفي قرب الحقل و جانب من الطريق الوطني 20 بالسيارات و الدراجات النارية، و تحول المكان إلى ما يشبه ورشة كبيرة لجني المحصول الزراعي الثمين ،و قاد الفضول البعض من عابري الطريقين المجاورين للحقل إلى التوقف و متابعة المشهد و الانخراط فيه.
الكثيرون نزلوا من سيارات فخمة و توجهوا إلى الحقل للمشاركة في جمع غنيمة جادت بها أرض طيبة، عجزت عن توفير كميات كافية من الغذاء يمكنها كسر الأسعار و إعادة الأمل لمجتمع أنهكه جشع التجار و السماسرة و المضاربين.  
و لم تكن حقول البطاطا و الزيتون و الخرشف و الزعرور البري و الطماطم الصناعية تثير اهتمام الناس بقالمة قبل اليوم، غير أن ارتفاع الأسعار و التراجع المخيف للقدرة الشرائية لدى عائلات كثيرة أعاد ظاهرة البحث عن الغذاء في البراري و التنقيب عنه تحت التراب ،تحت تأثير الحاجة الملحة و أحيانا بدافع الفضول و منافسة الفقراء و مزاحمتهم في الحقول و مراكز جمع النفايات و قفة رمضان و منح المساعدة الإنسانية.  
و تحولت الثمار البرية و بقايا المحاصيل الزراعية بقالمة ،إلى مصدر رئيسي لمعيشة فقراء المدن و القرى ،حيث نشطت تجارة الثمار البرية على الطرقات الرئيسية و في الأسواق و يقف الأطفال القصر في مقدمة المشهد و ينافسهم الكبار عندما يتعلق الأمر بغنيمة ثمينة كالبطاطا و الزيتون و النقب و الزعرور البري و غيرها من خيرات الطبيعة ملاذ الفقراء الذين يتألمون في صمت، لكنهم لا يستسلمون ما دامت الأرض تخرج ثمارا تطعم الجائعين.     
فريد.غ

الرجوع إلى الأعلى