هو ابن الريف، ولد في بيئة بسيطة وسط عائلة جزائرية فقيرة و  درس في مدارس نائية، تنقل ما بين مدن البرج و البويرة و سطيف، حتى يصل إلى مرحلة النهائي. تعثر في الدراسة بسبب نقص التأطير، لكنه تحدى الواقع.. درس وسهر وحصل على شهادة البكالوريا ومنها دخل الجامعة الجزائرية أين تفوق، ما مكنه من الانتقال إلى إنجلترا و اختار تخصص المناجمنت. عاد إلى الوطن ودرّس بالجامعة عشر سنوات قبل أن ينسحب،  كونه رأى بأنه لم يخلق للتدريس قبل أن يشق طريقه في ظروف اقتصادية صعبة ويؤسس عملاقا اسمه "كوندور"..النسر الحرّ الذي استطاع أن يحلق عاليا في سماء الجزائر بحرّ ماله.
هي ليست قصة فيلم أو رواية، إنما حالة جزائرية خالصة لشاب فقير أصبح من أغنى أغنياء هذا البلد، طبعا لو سردنا هذه التفاصيل على أي جامعي لن يصدقها بل سيكذبها جملة وتفصيلا، لأننا لم نعد نؤمن بالنجاح ولا نستوعب أن يصل  أحد البسطاء إلى مثل هذه المراتب دون طرح علامات استفهام وتعجب و فتح أكثر من قوس حول من كان خلفه ولصالح من يعمل، وقد نجد من يشكك بأنه مجرد واجهة لغول ما أو نشاط مشبوه.
رغم وضوح المسار وصعوبته تجدنا غير قادرين على استيعاب مثل هذه النماذج، وإن حصل وصدقناها نصنفها ضمن الطفرة أو الحظ السعيد و غالبا ما نحيلها إلى القدر، نجزم بأن القدر حتما كان لصالح غيرنا ولن يكون في صفنا،  ومن ثمة نتعامل مع الشهادة على أنها وجاهة والوظيفة على أنها راتب أو مجرد تأمين اجتماعي، لننصرف إلى ما هو أهم .. الإحباط ونشر ثقافة اليأس وإلقاء اللّوم على الجميع، عدا أنفسنا.
في الجزائر أغلب من يصلون إلى عتبة الجامعة يحلمون بأن يصبحوا أطباء أو صيادلة والأقرب منهم إلى الواقعية يبحثون عن منصب أستاذ،  وهو ما أظهرته التسجيلات الجامعية هذا الموسم.  نادرا ما نجد من يختار مسارا علميا بناء على تصور محدد لما يريده الطالب، فمعظم من يحوزون على البكالوريا يتركون أمر التوجيه للأولياء، لأن الولي يعتقد بأنه الأكثر صوابا وبالتالي يتجه نحو ما يريده الجميع، والنتيجة، قوافل من المتخرجين يضطر معظمهم إلى العمل في أي مجال.
العبرة من قصة رجل المال و الأعمال عبد الرحمان بن حمادي ليست الثروة ولكن المكانة التي يمكن أن يصل إليها من يؤمن بنفسه ويتحدى الصعاب، صحيح أنها ليست حالة استثنائية في العالم و حتى في الجزائر، لأن أثرى أثرياء العالم انطلقوا من الصفر، لكن  و نتيجة لتراكمات متعددة الأبعاد أصبح الصفر عندنا محطة أزلية وربما اختيارية للكثيرين بداعي أنهم في الجزائر ولن يسمح لهم بالنجاح، رغم أن الجزائري معروف بالإرادة الصلبة والثبات وعادة ما يبرز خارج حدود بلده.
الحاجز النفسي بيننا وبين النجاح يكمن في ثقافة الإتكالية ورفض المبادرة و اعتماد قوالب جاهزة في الحكم على الأشياء والتعميم في غالب الأحيان، كما فقد الجزائري قدرته على الصبر وأصبح ينهار أمام أول عائق، ولنا في قصص كثيرة العبرة ومنها مسار مؤسس أكبر شركة للإلكترونيك نشأت من المال الخاص ببلادنا.. المال القليل طبعا .
 التجربة بدأت بفكرة و انتهت بواقع تحققت معه أحلام الكثير من الكفاءات و انتهت عنده معاناة بطالين، والأهم أنها تفتح الباب لثقافة الاعتماد على الذات والإيمان بأن الأحلام يمكنها أن تتحقق،  وبأن الفقير يمكنه أن يصبح غنيا دون الحاجة لأن يكون.. لصّا أو متسلّقا.
النصر

الرجوع إلى الأعلى