أم الطبول مصرف مفتوح على الهواء الطلق
تحوّل وسط بلدية أم الطبول بالقالة، إلى مصرف مفتوح يقصده المسافرون  لتغيير العملة بكل حرية، بعد أن أصبح هذا النشاط مهنة من لا مهنة له، يمارسها الشباب و الكهول و حتى الأطفال، و" تدوّر" من خلالها عشرات الملايين من العملة الأجنبية، لا سيّما الدينار التونسي و الأورو، دون شرط أو قيد، كما يتم التعامل فيها مع الجميع حتى المهربين، و يشتكي ممارسوها من احتكار من أطلقوا عليهم اسم "بارونات الدوفيز".
مريم .ب
بمجرّد دخول بلدية أم الطبول، يلفت انتباهك شباب يحملون بأيديهم أوراقا نقدية، يلوّحون بها لكل سيارة تمر أمامهم، لإطلاع ركابها عن إمكانية بيع و شراء و تحويل العملة المحلية أو الأجنبية بالدينار التونسي، دون الحاجة إلى اللجوء إلى مصرف أو بنك بتونس أو بالجزائر، و أي مبلغ يحتاجه الزبون يجده بكل سهولة، لأن أغلبية سكان المنطقة احترفوا هذا النشاط غير القانوني، و الذي  بات مصدر رزق أغلب العائلات، مثلما أكد من تحدثنا إليهم، حيث اشتكى بعضهم من ظروف العيش الصعبة و البطالة التي حملتهم إلى التوجه نحو هذا العمل الذي يبقى، حسبهم، الوحيد لضمان كسب القوت، خاصة في الصيف.
الكل يحترف البيع و الشراء، و سوق العملة مفتوح على مدار 24 ساعة كل يوم، لأن ثمة من يفضلون العمل في الصباح، فيما يجد آخرون فرصة أكبر ليلا، لربح دنانير إضافية من المسافرين الذين لا يترددون في دفع المزيد لتجنب الانتظار و البحث عن المصارف من جهة، و تهربا من الأمن من جهة ثانية.
عمل مضني لم يستثن الأطفال
 رغم مداهمات رجال الدرك الوطني من حين إلى آخر، و اعتراف الباعة بتعرّض بعضهم لحجز أموالهم من قبل الأمن، إلا أن ذلك لا يمنعهم من مواصلة نشاطهم بين كر و فر، لأنهم لم يجدوا البديل، مثلما ذكر عدد من الشباب الذين اشتكوا منافسة التجار لهم.
الجميع هناك معني بعملية "تدوير" العملة، على حد تعبيرهم، أصحاب المقاهي و المطاعم و محلات المواد الغذائية، و هو ما وصفه البعض بالجشع، لأن نسبة مهمة من الأسر تتخبط في الفقر و تعتمد على أفرادها، بما فيهم الأطفال، لكسب القوت من عمل مضن يضطرهم للوقوف لساعات طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة على حواف الطرقات و في محطات الوقود.
 يبدو جليا بأن "تدوير"العملة، هو النشاط الوحيد المنتعش في بلدية أم الطبول الفقيرة، أين يشترك التاجر و البطال في حرفة يعترف البعض بأنها مكسبة، سيّما في موسم الصيف الذي يسجل المعبر الحدودي فيه أرقاما قياسية للمسافرين تجاوزت 12 مليون مسافر في السنوات الأخيرة.
و عن هامش الربح الذي يجنونه، قال البعض بأنه لا يتعدى  10 دج في كل عملية، فيما أكد آخرون بأنه يختلف باختلاف الموسم، أين يصل إلى 70دج و 100دج في الصيف، و كذا في رأس السنة.
اقتربنا من "أبو حسام"، البالغ من العمر 36 عاما، و كان بصدد تغيير العملة المحلية بالدينار التونسي من مواطن تونسي كان على متن سيارة قديمة، أسر إلينا بأنه تعوّد على زيارة أم  الطبول مرة كل أسبوع، من أجل اقتناء بعض المواد الغذائية الأساسية و أخذ ما يكفي عائلته  من مؤونة إلى غاية موعد سفره المقبل، مضيفا بأن مبلغ 50 دينار تونسي يكفيه لشراء ما تحتاجه أسرته و يعجز في توفيره لها في بلده بسبب غلاء المعيشة، مضيفا بأن أكثر ما يقتنيه من أم الطبول مشتقات الحليب من جبن و ياغورت، فضلا عن مختلف أنواع البسكويت لجودتها و سعرها المنخفض، كما قال.
و قال أبو حسام بأنه احترف ذات النشاط منذ  9 سنوات لأنه لم يجد البديل، و بأن فرص العمل الوحيدة المتوّفرة بمنطقته، هي "تدوير" العملة الصعبة و التي مكنته كغيره من الشباب من تأسيس أسرة و فتح بيت، و إن كان الأغلبية يعانون الفقر المدقع، خاصة في الشتاء، بسبب نقص السياح.
لا تمييز بين المهرّب و السائح
النصر اقتربت من بعض الباعة و سألتهم عن ظروف ممارستهم لهذا النشاط غير القانوني و نوعية الزبائن الذين يتعاملون معهم، فكانت الإجابات متقاربة، حيث ذكر البعض عدم تمييزهم بين الزبائن العاديين، سواء السياح أو المسافرين لأجل العلاج أو التجارة، و بين الزبائن المشبوهين، في حين أكد أحد الباعة بأنه و بقية زملائه يتعاملون العادي  مع المهربين الذين يجلبون كميات كبيرة من الأموال و يغيّرونها بالعملة التونسية أو الجزائرية أو الأورو، مضيفا بأن المهربين معروفون، لذا يتعاملون معهم بحذر، خوفا من الوقوع ضحايا تحايل و غش و شراء نقود مزوّرة، خاصة الدينار التونسي الذي سبق للبعض اكتشاف مبالغ مزوّرة مقحمة بين الكميات المعتبرة من النقود التي تم استبدالها بعملات أخرى.
كما أكد عدد من المواطنين تعرّضهم للاحتيال و شرائهم لعملة مزوّرة، لم يكتشفوا أمرها إلى غاية وصولهم إلى الحدود التونسية، و لحسن حظهم أنهم لم يخسروا كل المبلغ فبعض الدنانير المزورة فقط دست بين النقود الأصلية، مثلما حدث مع عائلة طير التي اشترت مبلغا صغيرا من طفل بمحطة للوقود من أجل شراء شريحة هاتف نقال، لتدرك بعد ساعتين بفضل صاحب كشك تونسي بأن النقود مزوّرة.
و قال البعض ممن تعوّدوا على قضاء العطلة في تونس، مرورا بالمعبر الحدودي لأم الطبول، بأنهم يفضلون التعامل مع أصحاب المحلات، لأن ذلك أكثر أمانا، و أشاروا إلى صاحب مقهى، يصنفه أبناء المنطقة ضمن قائمة بارونات "الدوفيز"، فتوجهنا إليه لمعرفة المزيد عن خبايا هذا النشاط الموازي، فأخبرنا بأنه يعتبر عمله كأي عمل تجاري آخر، يمارسه بكل حرية أمام عيون الجميع، لكنه رفض تشبيهه بالبارون، لأن البارونات الحقيقيون ،حسبه، ينشطون في الظل.

الرجوع إلى الأعلى