سأنزل. قال. سأبتعد عن الضجيج كي أراني واضحا كما كنت في الخطوة الأولى. سأتخفّف من الأصوات و الطيبين والطيبات، وأحذف الكلمات من قاموسي. أحذف الضرورات والمحظورات. أحذف الأثر  و ظل الشبح الخائف على الزجاج. أحذف الموتى الذين يرفضون المغادرة والأحياء الذين لا وجود لهم. أحذف المناسبات السعيدة والجرح الصغير المهمل الذي لا يظهر منه سوى ألم غامض لا يتوقف عن الدوران. أحذف الألم الغامض وأسباب نزوله. يكفي أن أضغط على الزر موافقا كي يلتهم العدم الأطباق المرصوفة على الشاشة كأصنام صغيرة تذكرني بما أرغب في نسيانه. مشيتُ ما يكفي، لم أتعب لكن مسّني ضجر. سأنزل، سئمت من تعاقب الفصول وتوغل الظلام في الضوء. سئمت من تبدّد الضوء في الظلام، من الحاجة إلى الأصابع لتفقد الأشياء. سئمت من الملاعق والقمصان والأحذية وحارس الباركينغ المتسمّر في الساحة منذ الانفجار الأول يلاحق العابرين بإلحاحه ويرصّ أرواحهم في مربعات صغيرة  كي لا تفيض عمّا تدبره لهم. سئمت من  الترجمة الرديئة الناتجة عن تقصير بيّن تتحمل مسؤوليته الحواس مناصفة مع الجهاز العصبي، ومن الوضعيات الحرجة التي تجبرك على الشرح أو الموافقة أو الاعتراض بعبارات منتقاة تراعي نرجسية القائل سريعة الانكسار. لا  أسف على ما أترك. لا أسف على ما سوف أنسى.  يكفي أن أضغط على الزر، أن أوافق لتصير الصفحة بيضاء من غير سوء.
الرجل الذي هدّد بالنزول. رأيناه ينزل حقا. رأينا غيمة على وجهه أولا، ثم رأيناه يغمض عينيه كمن يخفي ألما غامضا يشتعل في عصر ما من تاريخه الطويل. قيل أنه صار يشتم الحارس دونما سبب فهو معفى من الركن ومن القيود التي يستعير واضعوها أشكالها من الهندسة. قيل أنه صار يخصّ نفسه بإبتسامة يطفئها حين ينظر الناس إليه، وأنه لم يعد يطفئ الابتسامة التي لم يكن يخص بها نفسه بل مرافقين يراهم ولا يراهم الذين يرونه لخلل قد يكون ناجما عن عطل في الخيال أو خلل في الترجمة بين الحواس والمركز العصبي. ثم أنه صار يحدّث رفاقه في أمور شتى ويهدّدهم بالتخلي عنهم إن خيبوا ظنه هم أيضا وأجبروه على المجاملة والركن في المربّع.
و شوهد مستديرا إلى «الجدار»  ليل نهار و هو يهدّد سكانه بإخراجهم من حياته الطويلة كنهر لا حجارة فيه.
سليم بوفنداسة

 
الرجوع إلى الأعلى