لـم أهــاجـر مـن أجــل الـمـال و لـم أتـلـق أي دعـوة لـلـعـمل في الـجزائــر

يؤكد نوار ثابت الباحث الجزائري في مجال الفيزياء و هندسة علوم المادة بمعهد قطر للبحوث البيئية و الطاقة، بأن هجرة الأدمغة ليست معضلة الجزائر وحدها، و ليست ظاهرة تقتصر على بلدان دون غيرها، بل تشمل جميع دول العالم دون استثناء و كافة المجالات العملية و البحثية، مرجعا السبب وراء هذا النزوح العلمي إلى مناخ البحث و فرص التطوير، كما تحدث الباحث في حوار خص به النصر، عن واقع البحث العلمي في الجزائر و مستقبل الطاقات المتجددة و عن علاقته برجال الاقتصاد و السياسة.
حاورته : نور الهدى  طابي / تصوير: شريف قليب
النصر: نوار ثابت اسم ارتبط بعلوم الفيزياء و تحديات تطوير الطاقة الشمسية في العالم، حدثنا عن مسارك العلمي و كيف كان الانتقال من جامعة قسنطينة إلى جامعة قطر؟
ـ نوار ثابت: أنا باحث جزائري قبل كل شيء، خريج جامعة قسنطينة تحصلت سنة 1977على ليسانس في فيزياء الحالة الصلبة، بعد ذلك غادرت الجزائر متجها إلى فرنسا لاستكمال الدراسات العليا. تحصلت سنة 1980 على ماجستير من جامعة أورساي عن أطروحة متخصصة حول «نشر شوائب أول أكسيد الكربون و المغنيسيوم في أكسيد النيكل النقي المنشط بالكروم»، و في سنة 1988 أتممت الدكتوراه بنفس الجامعة و عدت للتدريس في كلية الفيزياء و العلوم الدقيقة بالجزائر، قبل أن أتقلد عمادة الجامعة لمدة من الزمن، غادرت بعدها بلادي إلى السعودية، أين تلقيت عرضا لتطوير أبحاثي.
لم نهاجر من أجل المال
كنت عضوًا في المجلس العلمي لجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، و قائدا لمجموعة أبحاث الخلية الشمسية في مركز التميز البحثي للطاقة المتجددة، بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، و قمت بنشر أكثر من 80 ورقة بحثية في مجلات متعددة، و  ألفت كتابين عن تكنولوجيا النانو وتطبيقاتها.
 في سنة 2011 حزت على جائزة التميز البحثي من جامعة الملك فهد للبترول و المعادن . و في 2004 منحت جائزة المراعي للإبداع في الفيزياء في المملكة العربية السعودية، إضافة إلى جائزة الخدمات المتميزة لقسم الفيزياء وكلية العلوم، بجامعة الملك فهد.
حاليا أقود برنامج التحدي الكبير لخلايا الفولت ضوئية في معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة، أين نعمل على تطوير استغلال الطاقة الشمسية بأقل تكلفة، أما الانتقال الى هذا البلد، فقد جاء بطلب من جامعة حمد بن خليفة.
 ـ لماذا تفضل الكفاءات العلمية الجزائرية الهجرة إلى الخارج لاستكمال البحث ولما تبرز هناك أكثـر؟
ـ الأمر لا يتعلق بالكفاءات الجزائرية وحدها، إن هجرة الأدمغة، كما يقال، ظاهرة عالمية، لا يوجد بلد في العالم يعتمد في تطوير البحث على كفاءاته دون غيرها، حتى في أمريكا من يقودون الثورة العلمية هم الباحثون و العلماء الهنود و الصينيون،  أما عن أسباب الهجرة فلا تتعلق دائما بالظروف المادية و الرغبة في تحسينها، بقدر ما تنحصر أكثر في مناخ البحث و التطوير، أي أن العلماء يهاجرون بحثا عن ظروف أفضل و أكثر ملاءمة لتطوير أفكارهم و تطبيقها، وهذه الظروف تحديدا هي ما تسمح لهم بتحقيق النتائج المثلى و بالتالي النجاح أكثر و البروز، كما تفضلتم بالقول.
الجزائر قادرة على إنتاج ما يعادل 15 بالمئة من الطاقة الشمسية في آفاق2030
ـ نفهم منك أن مناخ البحث في الجزائر غير ملائم
ـ لا أقول بأنه غير مناسب، هناك فرص للبحث في الجزائر، لكنها لا تزال بعيدة عن المستوى الذي يرغب فيه أي عالم أو باحث، أعطيك مثلا بدولة قطر، بلد صغير جدا من حيث المساحة، لكنه استطاع في غضون 5 إلى 10سنوات أن يحقق نقلة نوعية من حيث ظروف الحياة بالتركيز على البحث العلمي، قطر لا تملك باحثين و علماء، لكنها استوردت خيرة الطاقات البشرية من مختلف دول العالم برواتب تنافسية و خيالية، و قد تم وفقا لذلك ضبط مخطط استراتيجي قائم على عمل ثلاثة معاهد بحث مجهزة بأحدث التقنيات متخصصة في حل مشاكل البلد، فهذا البلد يعتمد بنسبة 90 بالمئة تقريبا على تحلية المياه للاستهلاك اليومي العادي، و يملك حاليا برنامجا ضخما لتطوير استغلال الطاقة الشمسية بأقل التكاليف الممكنة وهو البرنامج الذي أقوده.

ـ « ديزير تيك» مشروع طموح لتطوير آفاق استغلال الطاقة الشمسية في الجزائر، لتبلغ نسبة 22 بالمئة من إجمالي طاقة الشبكة مطلع 2030، هل تؤمن به و هل تعتقد بإمكانية تحقيقه؟
ـ في حال وجود تخطيط استراتيجي جاد و استشرافي علمي يمكن ذلك بالفعل، لكن البرنامج يهدف لإنتاج 22 ألف ميغاواط في آفاق 2030 ، ما سيتيح رفع حصة الكهرباء المولدة من مصادر متجددة بكل أنواعها إلى قرابة 30 بالمئة من الإنتاج الوطني من الكهرباء، وهو أمر قد يكون صعبا نوعا ما لأسباب تقنية بحتة، مع ذلك فإن ضخ  نسبة تعادل 8 إلى 15 بالمئة من الطاقة المولدة من الشمس في الشبكة، ممكن جدا.
الجزائر بلد غني جدا ويمكن لصحرائه أن تتحول إلى منبع ذهبي للطاقة الشمسية إن استغلت بالشكل المطلوب، لأننا نتواجد في قلب الحزام الشمسي، الجزائر التي تعتمد في صادراتها على البترول بمعدل 1.1مليون برميل يوميا، تتعرض كل يوم لمقدار من أشعة الشمس، يعادل لو تم تحويله إلى طاقة موجهة لتصدير حوالي 8 مليون برميل من النفط، أي أن 8 ملايين برميل تسقط من السماء على بلادنا يوميا.
   لم أتلق أي دعوة  للعودة و العمل     في شركات جزائرية
ـ ألا تشكل التكنولوجيا حجر عثـرة في طريق تطوير الطاقة الشمسية في الجزائر؟ و هل تلقيت عروضا من شركات معينة للعودة و العمل في بلادك؟
ـ المشكل لا يتعلق بالتكنولوجيا، فالتكنولوجيا أصبحت متوفرة و بأقل تكلفة، إن سعر مادة السيليكون الأساسية لصناعة ألواح الطاقة الشمسية بلغ مؤخرا 0.029 دولار للكيلو واط الساعي، بعدما كان يناهز  5000 دولار قبل سنوات، يمكن للجزائر أن تشتري الألواح من أي جهة، لتثبتها و ينتهي الأمر.
المشكل يكمن في تقنيات تحويل هذه الطاقة و تخزينها، وهنا يأتي دور البحث و التطوير، ففي ألمانيا أهم دولة رائدة في هذا المجال، لم يتمكن العلماء من ضخ أزيد من 60 كيلواط ساعي في شبكة الطاقة خلال ساعتين، لهذا فإن المعضلة تكمن في تقنية التخزين التي تستوجب أبحاثا عالية التكلفة.
أما عن الشركات الجزائرية فلم أتلق منها أي عروض، علاقتي بالجزائر تقتصر على جامعة قسنطينة و مركز بحث آخر بالعاصمة، صحيح أنني زرت مجمع «كوندور» مؤخرا، و اضطلعت على تجربة في مجال الطاقة الشمسية، لكنها كانت زيارة مجاملة.
ـ هل ترون بأن الطاقة الشمسية قد تكون بديلا للغاز الصخري؟ أيهما في رأيك أقل تكلفة من حيث تقنيات الإنتاج؟
ـ في الحقيقة نعم الغاز الصخري موجود  و لن ينضب، هو مخزون يمكن استغلاله في أي وقت. في الوقت الحالي يمكن القول بأن تقنيات استغلاله لا تزال ضعيفة نوعا ما، مقارنة بالطاقة الشمسية التي تعد بديلا للكهرباء العادي، فهي موجودة بكثرة و تكنولوجيا تطويرها و استغلالها متوفرة و بأقل تكلفة، و أظن أن الجزائر قد اتخذت قرارا استراتيجيا في التوجه إلى هذا المورد الطاقوي.
المستثمرون الجزائريون الخواص مطالبون بخوض مجال الطاقة المتجددة
ـ ماذا عن الجدوى الاقتصادية من هذا المنبع الطاقوي؟
ـ  الطاقات المتجددة ، « الشمس و الرياح « ، تعتبر مستقبل الطاقة في العالم ككل، و هو مجال يحظى باهتمام الجميع لأنه مورد بديل، خصوصا في ظل تراجع البترول، وهنا تحديدا أدعو الجزائر إلى تشجيع الاستثمار في هذا المورد، حتى وإن كان ذلك عن طريق توجيه الخواص لاستكشاف هذا القطاع المنتج.  
ـ بعيدا عن العلم و الاقتصاد ، هل تتابع الحراك السياسي و الاجتماعي في الجزائر؟
ـ في الحقيقة أجل، اهتمامي بما يحدث في بلادنا دائم أقرأ كل شيء عن الجزائر و أتابع يوميا نشرة أخبار الثامنة على القناة الجزائرية الثالثة، أتفاعل مع الأحداث و المستجدات على صفحتي الخاصة على فايسبوك، أتواصل باستمرار مع سفارتنا في قطر، و أحافظ على علاقتي بالجزائريين الآخرين المقيمين في هذا البلد و بلدان أخرى و بالأخص الباحثين، وقد تناولت مؤخرا العشاء رفقة وزير الخارجية رمطان لعمامرة وكان لنا حديث مطول عن الجزائر .       
ن.ط

الرجوع إلى الأعلى