تشكّل المواعيد الانتخابية المقررّة في ربيع وخريف العام القادم ببلادنا، اختبارا حقيقيا للسلطة بمؤسساتها والمعارضة بمختلف أطيافها، في مدى فهم واستيعاب حقيقة التطورات المتسارعة التي يفرزها ما يسمّى بالربيع العربي والذي فرض على البلدان العربية الـ22 دون استثناء واقعا أليما لم تكن تتوقعه في أسوأ السيناريوهات، و لم تسلم منه حتى البلدان التي لم تنتقل إليها نيران الفوضى الخلاقة.
فمرّة أخرى يتابع العالم الغربي المهووس بالعالمين العربي و الإسلامي، التجربة الجزائرية في تعميق الديمقراطية من خلال الانتخابات التشريعية والانتخابات المحلية عام 2017، و يتساءل من الآن كيف سيتم التعامل مع العرس الانتخابي الذي سينظمه البلد العربي الوحيد الذي أفلت بمناعته الوطنية من فوضى عارمة لم تذر و لم تبق شيئا في العراق و سوريا و ليبيا و اليمن، فيما تعيش دول مثل مصر
و تونس و المغرب إرهاصات تبقيها أكثر في دائرة الدول غير المستقرة أمنيا و سياسيا، كما هو الحال أيضا في دول الخليج المرعوبة من المد الإيراني الشيعي الذي يطوّقها من كل جانب.
حال الجزائر يختلف عن واقع الدول العربية مجتمعة، و لو أن البعض كان و بدافع تصفية حسابات خاطئة، يراهن على أن الدور سيأتي عليها بعد سقوط سوريا، أين بدأ النظام بمساعدة عسكرية من إيران و روسيا يسترجع أنفاسه و أراضيه.
إن تنظيم انتخابات تعددية مفتوحة لجميع القوى الوطنية والإسلامية والديمقراطية في بلد مثل الجزائر تحيط به كتل نارية من كل جانب، و وسط محيط إقليمي وعربي ملتهب، هي مغامرة ديمقراطية فريدة تستحق المتابعة و التنويه، باعتبارها صمام الأمان للخروج نهائيا من دائرة خطر " الربيع العربي" المسلّط على رقاب الأنظمة العربية الواقعة تحت رحمة الغرب.
ولذلك تشكّل اليوم الانتخابات التشريعية فرصة ملائمة للوصول إلى إجماع وطني لجميع القوى السياسية التي عبرت جميعها عن دخول المعركة الانتخابية دون مقاطعة هذه المرّة، وهي مناسبة للمقاطعين الأبديين للتعبير عن آرائهم السياسية بكل حرية داخل مؤسسات الدولة في سابقة غير متاحة داخل الأنظمة العربية الأخرى، أين يتم التعبير في كثير من الأحيان بلغة المدافع والطائرات والقنابل على رؤوس المدنيين.
ويبدو أن تشريعيات 2017 لا تختلف في رهاناتها عن تشريعيات 2012 التي شبّه فيها الرئيس بوتفليقة آنذاك، الاستجابة الشعبية إليها بنداء ثورة أول نوفمبر لتحرير البلاد.
الموعد الانتخابي سيكون اختبارا للسلطة في مدى الإقلاع عن بعض الممارسات المعزولة والمنسوبة لفئة من الموظفين الذين يريدون إفساد العرس الديمقراطي، من خلال التلاعب بالأصوات، ممّا يمنح المبرر للخاسرين بالانقلاب على اللعبة الديمقراطية والادعاء بالتزوير.
إن الاحتكام لمبدأ الشفافية والاستقلالية الذي كرّسهما الدستور الجديد، من خلال إنشاء لجنة انتخابية مستقلة تترأسها شخصية وطنية محسوبة على المعارضة، سيعبّد الطريق لتوسيع دائرة الحكم داخل المؤسسات الدستورية وخاصة المجالس المنتخبة التي تحرص الأعراف الديمقراطية، على أن تكون تشكيلتها أقرب إلى الواقع السياسي والاجتماعي.أما الأحزاب سواء في الحكم أو المعارضة، فهي ملزمة بالتكيّف مع التحديات الخارجية التي فرضت نفسها على بلادنا وملزمة أيضا بفهم طبيعة التحوّلات العميقة التي تتعرض لها المنطقة العربية منذ عام 2011 والجزائر كبلد محوري مستهدف، لا يمكنه أن يبقى غير معني بوضع الحلول ورسم الأجندات.ومع بداية العد التنازلي لتشريعيات الربيع، فإن الأحزاب وخاصة أحزاب الحكم، مطالبة بالكف عن ممارسات مقيتة أساءت كثيرا لمفهوم النضال الحزبي، عندما فتحت الأبواب على مصراعيها أمام فئة جديدة من السياسيين الموسميين الذين لا يحملون إلا " الشكارة " لإثبات حضورهم السياسي وعرقلة ظهور فئة جديدة من السياسيين حسب ما تقتضيه الظروف الحالية والرهانات المستقبلية.موعد الربيع الانتخابي كما يبدو هو اختبار حقيقي للإرادات السياسية، في التعبير عن القطيعة مع خطاب سياسي تجاوزه الزمن و مع ممارسات لم تعد مبررّة في دستور البلاد.
النصر

الرجوع إلى الأعلى