انحرفت الحركة الاحتجاجية السّلمية التي اندلعت في منطقة جغرافية محددّة بعينها من بلاد الجزائر العريضة والطويلة، عن مسارها الطبيعي وتحوّلت إلى أعمال شغب وتخريب للمرافق العمومية وإلى كل ما يرمز للدولة الوطنية ومؤسساتها الدستورية.
هذا النوع من الاحتجاجات الدورية والذي يحمل معه الكثير من العنف الكاسر والغيظ الدفين وإن كان لا يستثني أي منطقة، فقد أصبح مع مرور الوقت والتكرار يطرح علامات استفهام كبرى عن خلفية هذا النزول إلى الشارع والذي لا تتبناه أي جهة.
فالمواطن المنسي في أي رقعة جغرافية من الجزائر العميقة والتي تعاني أكثر من صعوبات الحياة وقساوتها، يتساءل بإلحاح عن ما وراء هذا الانحراف قبل أن يتساءل بمشروعية عن من وراءه في مثل هذه الظروف العصيبة التي تحيط بنا من كل جانب، وهي ظروف لم تعد تخفى على أحد من الجزائريين الذين أعيتهم الأزمة الأمنية سنوات التسعينيات.
نظريا الذين هبطوا إلى الشارع استجابة لنداءات مجهولة المصدر، رفعوا شعارات تطالب بالحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن وحمايتها من جشع التجار الذين استغلوا الزيادات الطفيفة في قانون المالية لسنة 2017، وهذا حقهم و لا أحد ينازعهم فيه، لكن عمليا عمدت فئة من المشاغبين إلى ابتزاز التجار وتهدديهم بالقتل، ثم راحت تخرّب وتحرّق المؤسسات والهيئات لإعطاء انطباع عام بأن " الثورة الموعودة" في حالة مخاض وأن الشرارة الأولى قد تنطلق
 من هنا؟.
إن أعمال الشغب والحرق والدخول في مواجهات مع قوات الأمن تحت أي مبرر كان، لم تجلب يوما لأصحابها وللذين يقفون وراءهم طيلة السنوات الماضية، أي تعاطف أو دعم شعبي، بل العكس هو الذي يحدث دائما، إذ يعبّر الجزائريون كلّ مرّة عن قلقهم الكبير من عواقب حوادث الشغب والتخريب وتبعات الفوضى، ويعلنون استنكارهم الشديد لمحاولات يائسة لتعريض أمن البلاد واستقرارها للخطر.
وربما يتناسى المشاغبون والمراهنون على الانحراف عن السكة، أن الشعب الجزائري الذي اكتوى بنيران اللاأمن ودموع الخوف لعقد كامل، قد اختار عن قناعة العيش في وئام وأمان وهو يدرك كغيره من الشعوب المتحضرة، مدى الصعوبات المادية التي تواجه العالم بأغنيائه وفقرائه.
الشعب الجزائري يدرك بتجربته المريرة أن أي محاولات للتغيير في الأوضاع السياسية أو الاقتصادية، تكون خارج الأطر السّلمية المتعارف عليها، سيكون مآلها الفشل الذريع ولن تجلب لأصحابها سوى المزيد من العزلة في المستقبل والحسرة على الماضي.
 فالردود الأولى عن الانحرافات المسجلة من قبل بعض المشاغبين الذين اندسّوا وسط المحتجين في ثلاث ولايات، أكدّت أن الجزائريين غير مستعدين للمغامرة مرّة أخرى بالنزول إلى الشارع تحت أي طائل، ولن يعبّروا عن تعاطفهم مع أي كان، رغم أنهم يئنّون تحت ضربات الأزمة المالية وجشع المضاربين وقلة حيلة أجهزة الدولة في قمع الغش.
لعبة الشارع كوسيلة للتغيير أثبتت خطورتها القاتلة في أكثر من بلد عربي وإفريقي، ولم تجلب سوى الخراب والدمار والتدخل الأجنبي، وما حال ليبيا وسوريا واليمن ببعيد عنّا.
أما نحن في الجزائر، فإننا محظوظون لأننا لدينا انتخابات تعدّدية هذا العام ورغم نقائصها، يمكن للمشاغبين وأصحاب النداءات مجهولة المصدر أن يستغلّوها للتغيير المنشود.
النصر

الرجوع إلى الأعلى