استاءت وزارة الخارجية من نقل صحف وطنية لتصريحات ومقالات وتقييمات صادرة عن أطراف أجنبية، بما في ذلك تصريحات لأشخاص مجهولين «يتحاملون» على الجزائر.
تكرّر الظاهرة دفع الخارجية إلى إصدار بيان بلهجة أسف واستنكار، خصوصا وأن بعض الصحف تضيف توابل «تهويلية» لما تنقله، بل وتتعامل معها كحقائق لا يأتيها الباطل إذا صدرت عن جهات في فرنسا أو أمريكا.  ويضاف إلى ذلك التعاطي بأسلوب قص لصق مع مواد إعلامية تصدر أحيانا في مواقع شخصية أو مجهولة، دون أن يكلّف معيدو النشر أنفسهم عناء التحقّق من المعلومات أو الاتصال بالجهات المعنية لنقل وجهة نظرها.
والمشكلة هنا مهنية بالأساس، وتستمرّ منذ بداية التعدّدية الإعلامية، وتستفحل بين الحين والحين، فالكثير من وسائل الإعلام الوطنية تستبيح المواد الإعلامية التي تصدر في وسائل إعلام أجنبية وعربية وتسطو على أخبار الوكالات دون أن تشترك في هذه الوكالات، بما في ذلك وكالة الأنباء الجزائرية التي تُنشر أخبارها دون الإشارة إليها في سلوك يتنافى مع القوانين والأخلاقيات الضابطة لمهنة الصحافة، والزائر للجزائر سيكتشف أن كتاب زوايا عرب ودعاة  ورجال دين ومحللين “يكتبون” في صحف صغيرة  تنشر أعمدتهم  ومقالاتهم بالصور.
و بالطبع فإنه من غير المفاجئ أن يتم نشر أخبار ومواضيع ذات طبيعة معادية للجزائر عن “حسن نية”! لأن الكثير من وسائل الإعلام تفتقر إلى مؤطرين قادرين على فرز النوايا، في حين تلجأ البعض منها إلى انتقاء كل ما هو سلبي ضمن توجه معارض أو نقدي تعوزه الأدوات فيحمل أصحابها أي حجر يكون في متناولهم ويلقون به كيفما اتفق.  وكثيرا ما اشتكى المهنيون من اقتحام دخلاء للحقل الإعلامي بمقاصد غير إعلامية، أي لأهداف سياسية أو لتحصيل عائدات الإشهار ومزاحمة الصحافيين في قوتهم، ومن الطبيعي في هكذا حال أن تتأثر المهنة وتتضرّر ويتضرّر معها المجتمع والدولة، لأن استمرار الوضع على ما هو عليه يخدم الطارئين أكثـر من المهنيين والمؤسسات الطفيلية أكثـر من المؤسسات التي تحترم القانون وتدفع الضرائب وتكوّن الصحافيين وتمارس المهنة على أصولها.
ولن نكون، هنا، في حاجة إلى التأكيد على أن قوة الدولة والمجتمعات من قوة منظومات الاتصال فيها لذلك تقوم الدول المتطورة بتدعيم وحماية المؤسسات الإعلامية التي تساهم بنشاطها المهني  في إثراء الحياة السياسية والثقافية بل وفي التنمية البشرية للمجتمعات وفي كشف الأمراض الاجتماعية والسياسية وإبراز العلوم والمعارف والمواهب.
 أما أن تقوم صحف بنسخ ما يصدر في الصحف الأخرى والمواقع الالكترونية وتستفيد من الإشهار ولا يسائلها أحد عن السلوك المشين الذي تقوم به وتستمر في الصدور إلى ما شاء الله، فتلك خاصية جزائرية لا يتم الانتباه إليها إلا حين تحدث أضرار جانبية، مع أن الضرّر حاصل من البداية، أي من الوقت الذي ينصرف فيه صحافيون إلى مهن أخرى  ويقوم مقاولون أو حرفيون  أو شبان لم يستكملوا مسارهم التعليمي بإنشاء صحف.
الوضعية تستدعي مراجعة ومن شأن تطبيق القوانين سارية المفعول ومواصلة تنفيذ الإجراءات التي جاءت بها التشريعات المنظمة للمهنة، أن تعيد الصحافة لأهلها  وتعيد الوافدين إليها من الأبواب الخلفية إلى أهلهم.
النصر

الرجوع إلى الأعلى