بعث المقاهي الأدبية بعدد من مدن الجنوب
انتعشت المقاهي الأدبية بشكل ملفت بمدن الجنوب الجزائري، كما تبيّن الصور المتداولة عبر صفحات عديد المبدعين و المثقفين على شبكة التواصل الاجتماعي، و الناقلة للقاءات فنية و أدبية تحتضنها فضاءات عامة، تحوّلت بفضل مبادرات البعض من أماكن للثرثرة و التسلية و الاستهلاك، إلى مرافق لنشر الإبداع و تنشيط الحراك الثقافي.
 النصر اتصلت بعدد من المبادرين إلى إعادة بعث المقاهي الأدبية التي باتت اليوم قبلة للمبدعين من أدباء و تشكيليين و موسيقيين و همهم رفع المستوى و الذوق الثقافي حتى لا تبقى المقاهي و النوادي مجرّد فضاءات للثرثرة و النميمة، و جعلها مرافق تساهم في إثراء الفعل الثقافي و الأدبي و الإبداعي بشكل عام. و فضلنا الانطلاق من تجربة رائدة في الجزائر بشهادة أغلب من تحدثنا إليهم من مبدعين في مختلف المجالات الفنية و الأدبية و المسرحية و الموسيقية و الذين أجمعوا بأنها انطلقت بتقرت، حيث اتصلت النصر بصاحب الفكرة الشاعر محمد الأخضر سعداوي الذي أكد بأن مبادرة  مقهى البهجة الفني و الأدبي، جاء تلبية لحلم الكثير من المثقفين في الخروج من حيّز اللقاءات و الجلسات الرسمية للتحدث بكل حرية و عفوية، فلاقت الفكرة صدى كبيرا و تزايد الإقبال عليها أكثر فأكثر، مما شجع على استحداث مكتبة بكل مقهى لاستضافة فئة المثقفين و احتضان لقاءاتهم، و ذلك بمساهمة المشاركين من مبدعين و حتى مواطنين عاديين راقتهم الأجواء الراقية في النقاش و عرض أعمال المبدعين، مؤكدا بأن أصحاب المقاهي باتوا يتنافسون في ما بينهم لاحتضان المواعيد الأدبية و الفنية التي تنظمها «البهجة» و التي كانت تهدف منذ البداية إلى الارتقاء بالذوق و إشراك الجميع في الحركة الثقافية و تخليص المقاهي من واقعها الراهن كفضاءات للهو و الثرثرة الخاوية لتصبح مكانا للتنوير و التوعية و الارتقاء بالإحساس و الذوق الفني.
مقاه أدبية نشطت في عشرينيات القرن الماضي
و قال من جهته المسرحي هارون الكيلاني الذي خاض التجربة رفقة مجموعة من مثقفي مدينة الأغواط، بأنهم أرادوا إعادة بعث عادة كانت لها مكانتها في المجتمع الأغواطي في عشرينيات القرن الماضي، حسبه، حيث كان هناك مقهى أدبي يحمل اسم «قمرة» كان ينشطه مجموعة من الشعراء و العلماء، و حتى الفلكيين و الرحالة و أوصد أبوابه عنوة الاستعمار الفرنسي الذي انزعج من نشاط النخبة المثقفة الجزائري.  و أكد أن مبادرات تنشيط الحركة الثقافية من خلال النوادي الأدبية تشهد تجاوبا كبيرا من قبل المثقفين و أصحاب الفضاءات الخدماتية الغيورين على الثقافة الذين سخروا مرافقهم لذلك، تشجيعا و رغبة في استعادة المستوى الراقي في الحديث بمثل هذه الأماكن التي عمتها الفوضى و السلوكيات السلبية.
و ذكر الكيلاني بعض المبادرات الناجحة في مدينته الأغواط و مدى مساهمتها في تحريك النشاط الثقافي و الإبداعي بالمنطقة و التي بات يحضرها حتى مثقفون من خارج الولاية، منها مقهى قرطبة و «كافي دار» أو مقهى الفن، و هي المبادرات التي شجعت شباب آخرين على انتهاج نفس النشاط  لخلق فضاءات حقيقية للتواصل الإبداعي.
وحده المثقف يحمل وزر الثقافة
 من جانبه قال الأستاذ عبد الرحمان قماط من مدينة بوسعادة، أن ثمة مقاه أدبية عديدة و محاولات جادة لمثقفين واعيين، لكن أغلبها باءت بالفشل بسبب غياب الدعم، لأنها تستمد مواردها المادية من جيوب المثقفين الذين يعاني أكثرهم الفاقة. و أضاف بأن الثقافة لا يحمل أوزارها إلا المثقف و لا يغار عليها إلا مثقف حقيقي و جاد، و ما عودة المقاهي الأدبية و لو بوتيرة بطيئة و محتشمة في رأيه، سوى دليل على وجود أشخاص لا يزالوا يؤمنون بالقدرة على إنعاش الفعل الثقافي و الارتقاء بالذوق، لكن ذلك يحتاج إلى صبر لتغيير الواقع المزّيف الذي تعانيه الساحة الثقافية، و قال محدثنا بأن الفضاءات الثقافية الحميمية بمدن الجنوب لم تختف بل كانت و لا تزال موجودة من خلال اللمات التي يقوم بها  المبدعون ببيوتهم و استضافة أصدقائهم من حين إلى آخر، لأجل الترفيه و النقاش الراقي بدل التردد على المقاهي التي تحوّلت إلى فضاءات لا تليق بالمثقف. طبال زرزور أستاذ بمعهد إطارات الشباب بورقلة، كان من بين المبادرين إلى فتح مقاه أدبية بمنزله، و قد تحدث عن أهميتها بمدن تفتقر لمرافق الترفيه العلمي و الفكري، مشيرا إلى أن الفكرة تبنتها جمعيات معينة في البداية، لكن أهميتها و تجاوب الناس معها، جعلها تنجح و تتسع بفضل مبدعين في مختلف المجالات و بشكل خاص الموسيقى، المسرح ، الأدب، مشيدا بمساعي و جهود صاحب أول تجربة رائدة بالمنطقة و هو محمد الأخضر سعداوي.  عن سر انتعاش المقاهي بمدن الجنوب أكثر من غيرها في الشمال، اعتبر محدثونا  بأن طبيعة أهل الصحراء و حبهم  للسمر و انعدام  مرافق التسلية و الترفيه العلمي، جعل من المقاهي قبلة لمن لا قبلة له، لذا كانت فكرة استغلالها لترقية الذوق ضرورة لتنظيف المقاهي من حديث الأرصفة و السلوكيات السلبية من نميمة و ثرثرة إلى نقاشات فكرية و أدبية و إبداعية تربي و تثقف المجتمع. و لم يكتف أصحاب المبادرة بتنظيم لقاءات ضيقة بين النخبة، بل حرصوا على توسيعها من خلال تسجيل اللقاءات و بثها على الأثير لإشراك الجميع، مهما كان مستواهم ، و يسعون اليوم لتوسيع الفكرة لإشراك و استضافة العائلات، مثلما يقوم به الفنان هارون الكيلاني و رفقاؤه.                              مريم/ب

الرجوع إلى الأعلى