الـمراقــب الـمالـي  الحــارس الأول  علـى الإنـفـــاق العـــام
لا يزال البعض ينظر للمراقب المالي على أنه المُتسبب الرئيسي في “عرقلة” التأشير على الميزانيات و الصفقات العمومية، فبمجرد تأخر صبّ الرواتب أو عدم تقاضي مقاول لأمواله، يتحوّل هذا الموظف بسرعة إلى خصم، رغم أنه ليس سوى مُنفّذٍ لنصوص قانونية “مُقدسّة” لا مجال فيها للأخطاء و قد تتطلّب منه أسابيع من الدراسة و التدقيق في الملفات المتراكمة على مكتبه، خاصة في ظل الوضع المالي الحرج للبلاد الذي جعل الدولة ترفع مستوى الرقابة القبلية على النفقات العمومية، و هي مهمة دقيقة تنطوي على صعوبات كثيرا ما تكون الإدارات طرفا فيها.

يتواجد المراقب المالي في الإدارات المركزية و الولايات و البلديات المنتشرة عبر الوطن، و تتركز مهمته الرئيسية في ممارسة الرقابة القبلية على النفقات العمومية و الميزانيات، و بولاية قسنطينة التي يعمل بها 3 مراقبين ماليين، شهدت بعض المؤسسات و الإدارات العمومية مشاكل في صبّ الميزانيات الخاصة بها خلال السنوات الأخيرة، و هي مشاكل أثرّت على تسديد أجور عمال عدد من الهيئات و منعت من حصول مقاولين على مستحقاتهم المالية، بل و أوقفت مشاريع عمومية كانت مبرمجة، و كادت أن تتسبّب في حدوث إضرابات ببعض المؤسسات، ليتبيّن في الأخير أنها ناجمة عن رفض المراقب المالي تمرير نفقات غير قانونية، بعدما وجد نفسه أمام مشاريع جمّدتها الدولة، أو أخطاء ارتكبها إداريون و مسؤولون قدّموا وثائق لا تتطابق مع القوانين و المراسيم المعمول بها.

لكل نفقة باب و قانون يحكُمها

و بعد محاولات عديدة، استطاعت النصر أن تلتقي بأحد المراقبين الماليين الذي فضّل عدم ذكر اسمه، حيث خصّص لنا وقتا للتحدث إليه وسط الملفات الكثيرة التي كانت متراكمة فوق مكتبه في انتظار دراستها و الإمضاء عليها، المسؤول شرح لنا بأن مهمته تتمثل في التأشير على الميزانيات مرة كل سنة بعد تقسيمها إلى أبواب و مواد تشمل كل غرض يدخل المؤسسة المعنية مهما صغُر أو كبُر، و لكل باب و مادة مبلغ معين يُحدّده القانون بنسب معينة لا يُسمح بتجاوزها، كما يكون الالتزام بالنفقة في شكل وصل طلب أو فاتورة شكلية تتضمن جميع المعلومات الخاصة بها، حيث يقوم المراقب المالي بالتحقق من مدى تطابق قيمة هذه النفقة مع القوانين التي تختلف من باب إلى آخر، مع التأكد من سلامة الإجراءات التي مرّت عليها و بأن الهيئة المعنية تملك المال المُوجه للإنفاق فعلا.
كما يمضي المراقب المالي، يتابع محدثنا، الالتزامات الخاصة بالصفقات العمومية بعد التأشير عليها من لجنة الصفقات، مضيفا أنه و مع الأزمة التي تعيشها البلاد بسبب تراجع أسعار النفط، جمّدت الدولة بعض المشاريع، لذلك فليس أي مشروع يؤشر عليه في لجنة الصفقات يجب أن يمرّره المراقب المالي، بينما تُسجل حالات لالتزامات أمضيت قبل صدور قوانين بتسقيف النفقات الخاصة بها.

إدارات تُرسل وثائق بأخطاء و الساعات الإضافية لإتمام العمل!

و طرح محدثنا إشكالية تأخر بعض الإدارات في تقديم عروض النفقات الخاصة بميزانياتها السنوية هذا العام، رغم أن لها التزامات يجب القيام بها مثل الإطعام و النقل المدرسيين، لكنه ذكر أنه و في هذه الحالة، يمكن للبلديات، مثلا، أن تلجأ إلى القانون 84/ 17 المتعلق بقوانين المالية، باستخدام ميزانية العام السابق، لكن لمدة 3 أشهر فقط في انتظار وصول الأموال، كما أكد أن هناك من يصرفونها ثم يأتون للمراقب المالي، و هو ما يوقعهم فيما بعد في متاعب، خاصة عند تسديد مستحقات المقاولات من الميزانيات اللاحقة.
و تفرض القوانين على المراقب المالي دراسة الملفات التي ترده في أجل لا يزيد عن 10 أيام، غير أن محدثنا قال إن المدة قد تصل أحيانا إلى 20 يوما، حسب لطبيعة الملف، خاصة مع وجود حالات لأخطاء و لوثائق منقوصة تأتيه من الإدارات، مؤكدا أن مهمته تتوقف عند الرقابة القبلية و لا تشمل مراقبة الإدارة أو البلدية إن اشترت الأغراض فعليا، فتلك، حسبه، مهمة مجلس المحاسبة و المفتشية العامة للمالية.
محدثنا قال إنه يعمل في عطلة نهاية الأسبوع و من الثامنة صباحا إلى غاية ما وراء ساعات الدوام الرسمي، و ذلك كجهد إضافي لإتمام العمل المُوكل إليه، و عن مسألة الراتب، أكد بأنه أصبح مناسبا مع التصنيف الجديد الذي وضع المراقب المالي في نفس ترتيب المدير التنفيذي.

مستشار قانوني أيضا!

النصر تحدّثت إلى مسؤولين محليين و مدراء مؤسسات صحية و جامعية، يتعاملون مع المراقب المالي، حيث قال لنا مدير مؤسسة استشفائية عمومية إن المراقب المالي يؤدي دوره على أكمل وجه إذا أعطيت له وثائق سليمة، لكن الإشكالية الأكبر ظهرت، برأيه، العام الماضي، عندما صدر قرار تسقيف الميزانيات منتصف السنة، بعدما كانت الهيئات قد وضعت قيمتها في بداية العام، و هو ما تسبب وقتها في تعطل بعض المشاريع.
أما رئيس جامعة قسنطينة 2 محمد الهادي لطرش، فنفى تسجيل أي مشاكل في هذا الشأن، خاصة إذا أخذ بعين الاعتبار آلاف الملفات التي تصل المراقب المالي من كل القطاعات، حيث ذكر بأن إدارته على تواصل و تحاور دائم معه، حتى أنه يلعب، زيادة على مهمة الرقابة، دور المستشار و الناصح في الأمور القانونية.
بن جاب الله نذير رئيس لجنة المالية بالمجلس الشعبي الولائي، يرى أن هناك ضغطا كبيرا على المراقب من حيث الملفات في ولاية بحجم قسنطينة، حيث يشمل عمله البلديات و قطاعات الصحة و التعليم العالي و التكوين المهني و الإدارات و العمومية و غيرها، إلى درجة أن بعض الوثائق يمكن أن تستغرق مدة دراستها من أسبوعين إلى شهرين، كما قد يقف على اختلالات تتسبب في توقف الملف، أو يتطلب الأمر إعادة معالجته لتصحيح الأخطاء، غير أنه قال إن المشاكل موجودة «لكنها ليست عراقيل مفتعلة»، ما يتطلب من المراقب المالي، حسبه، اطلاعا و تأقلما سريعا، خصوصا أن وزارة المالية تصدر تعليمات جديدة بشكل دائم.
و يقول رئيس بلدية ديدوش مراد الطاهر بوالشحم أن المراقب المالي لم يكن يوما مُعرقلا، خاصة إذا كانت القيمة المالية المرصودة في الميزانية مضبوطة و طبقا لقانون الصفقات، لكن الصعوبة تكمن، حسبه، في أن القانون المذكور تتخلله تغيرات كثيرة، تتطلب مواكبة من المسؤولين المحليين و المراقبين الماليين أنفسهم، كما يعتبر رئيس البلدية أن التدقيق الذي يقوم به المراقب المالي في الميزانيات و النفقات، هو حماية للمسؤول المحلي من المُساءلة في حال حدوث نقائص أو اختلالات. ي.ب

وزير المالية حاجي بابا عمي


المراقب المالي يُضفي الشرعية على النفقات المحلية
وزير المالية حاجي بابا عمي، و في إحدى جلسات المجلس الشعبي الوطني الأخيرة، أكد أن المراقب المالي يمارس رقابة مسبقة على النفقات تُعد «ضرورية لإضفاء الشرعية على النفقات المحلية»، لتشمل ميزانيات الولايات و البلديات و المؤسسات و الإدارات العمومية التابعة للدولة و كذا الميزانيات الملحقة و الحسابات الخاصة للخزينة، إلى جانب مراقبة ميزانيات المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري المماثلة، و ذلك لضمان الرقابة و المتابعة و التقييم لإجراءات تنفيذ النفقات العمومية و اتخاذ التدابير اللازمة في إطار ترشيدها و تعزيز و تحديد المسؤولية في تسيير المالية العامة.و أضاف الوزير في رده على سؤال شفوي للنائب إلياس سعدي حول «عرقلة» التنمية المحلية بسبب الرقابة القبلية على النفقات العمومية التي يمارسها المراقب المالي، أن هذا الأخير يتدخل في المرحلة الأولى من عملية تنفيذ النفقات، فيقوم بالتدقيق في مدى قانونيتها، مما يسمح بتنفيذها وفقا للتشريع و التنظيم المتعلقين بالنفقة العمومية، كما يعتبر مستشارا لدى الآمر بالصرف ممثلا للوزير المكلف بالميزانية ماسكا للمحاسبة، و خلال ممارسته مهامه، لا يأخذ بعين الاعتبار في تقييمه مدى مُلاءمة النفقات التي يعرضها على الآمر بالصرف وفقا للمادة 33 مكررة من المرسوم 414/ 92، يوضح الوزير.

عقوبات في حالة الرفض غير المؤسس للنفقة

و تطرق حاجي بابا عمي إلى مسؤولية المراقب المالي في تسيير المالية العمومية و المراقبة، حيث يعتبر عند ممارسة مهامه، مسؤولا عن سير مجموع المصالح الموضوعة تحت سلطته و عن التأشيرات التي يمنحها و مذكرات الفرض التي يبلغها بناء على المادة 31 من المرسوم 414/ 92، مضيفا أن مصلحة الرقابة المالية هي هيئة خاصة للمراقبة اللاحقة التي تمارسها المفتشية العامة للمالية و مجلس المحاسبة.
و أكد الوزير أن بإمكان المراقب المالي رفض النفقات غير المطابقة للتنظيم بصفة مؤقتة، في حال كانت الأخطاء المسجلة قابلة للتدارك، كما يُخول له التشريع رفضها نهائيا إذا تعلق الأمر بالتزامات مخالفة للقوانين، أما الرفض غير المؤسس لأية نفقة عمومية أو أي عرقلة صريحة تتسبب فيها هيئة الرقابة المسبقة، فيُعد، يضيف بابا عمي، مخالفا لقواعد الانضباط  في مجال تسيير الميزانية و المالية، و يعاقب عليه وفقا لأحكام المادة 88 من قانون مجلس المحاسبة المعدل و المتمم.          ي.ب

رئيس الاتحادية الوطنية لمستخدمي قطاع المالية لصلع الناصر


الخوف من المُساءلة القانونية يؤخر عمل المراقب المالي
يرى رئيس الاتحادية الوطنية لمستخدمي قطاع المالية لصلع الناصر، أن للمراقب المالي مسؤولية كبيرة في مراقبة المال العام، لكن الراتب الذي يُقدّم له يبقى، حسبه، «غير مقبول» مقارنة بقطاعات أخرى «أقل أهمية»، مضيفا أنه تم مراسلة وزارة المالية في هذا الشأن، و هي نقطة كانت من ضمن المطالب التي رفعتها النقابة العام الماضي خلال الإضرابات التي شنتها.و أضاف السيد لصلع أن نقابته تدعو إلى مراجعة القوانين الأساسية الخاصة بالمراقب المالي، و التي تضمنت، حسبه، مواد مجحفة في حقه، إلى جانب مراجعة بنود الأنظمة التعويضية و ضمان الحماية القانونية و كذا توفير مقرات عمل و وسائل مناسبة، حيث تحدث عن مقرات عمل “يُرثى لها” يُنشط فيها عدد من المراقبين الماليين، خاصة العاملين بالبلديات، و هو وضع يقول محدثنا إنه يعيق قيام هذا الموظف بالمهام المنوطة به.إلى جانب ذلك، قال رئيس الاتحادية الوطنية لمستخدمي قطاع المالية، إن المراقب المالي «غير محمي قانونا»، و هو ما يجعله «يخشى» أن يكون محل مساءلة و أثّر، برأيه، على سرعة التنفيذ، مؤكدا أن عددا من المراقبين الماليين كانوا محل متابعة قضائية.   

تحقيق: ياسمين بوالجدري

الرجوع إلى الأعلى