من كوّته الصغيرة شرع في رشق العالم بالحجارة: ما كان على الحياة أن تكون هكذا. ثمة خلل في سير الأمور يجب أن يُصحّح، لا بد من ثورة.
لم ينصب نفسه قائدا لكنه فعل ما يفعله القيّم على شؤون من يعوزهم تقدير ما هم عليه. شخّص الأمراض واقترح العلاج وحين لم يتم الانتباه إلى جهده اقتنع أن المصيبة أكبر مما توقع فغيّر النهج. لا بدّ من تنبيه الناس خطوة خطوة. من كوّته الصغيرة شرع في رصد المظاهر والظواهر وتسمية أخطاء العالم بأسمائها الحقيقية نازعا عنها الصفات التي أطلقها منتفعون مخادعون يضلّلون الحمقى ببلاغتهم الكاذبة. من كوّته أعاد تعريف الأشياء وأشار إلى مصادر الداء وأطلق «تغريدات» مدمرة كان يمكن أن تعيد الأمور إلى نصابها لو حق الحق وكان في العالم من يصغي إلى رجاحة الجمل.
كنبيّ صبر على الإعراض والأذى وثابر في مواعظه التي لا تتوقف مسابقة الزمن والأحداث، لم يعد ليله ولا نهاره يكفيان للرصد والتعليق، تمنى لو كانت له عيون وأيد كثيرة ليلحق، ونسي في “رسالته” كل شيء: نسي الأكل والنوم. نسي تشخيص أعطاب الجسد وعلاجها. نسي مسح الصدأ عن روحه. نسي الانتباه إلى هموم صغيرة تنمو حوله. نسي الشمس والهواء والبحر والفلك التي تجري في البحر.نسي أن يدرّب نفسه على ما يقوله تغريدا. نسي أخذ الدواء المناسب لدائه. نسي الحياة التي تجري في نفسها ولا تنتظره. نسي أن جسده سيخونه في نهاية الأمر كلّه وأن الكلمات ستخون وتصير بلا معنى.
لم ينتبه إلى ما يفعله الزمن في نفسه وفي الأشياء. لم ينتبه إلى أنه تحوّل إلى آلة تعيسة مهملة.
كان الناس في الخارج يركضون حاملين أيامهم القليلة متخففين من الخيبات يلاحقون الأمجاد الصغيرة واللذات.كان الناس في الخارج يتكاثرون ويموتون ويتزاحمون دونما حاجة إلى دليل، يحصّلون ما أمكن  تحصيله من الحياة دون حاجة إلى أسئلة أو إجابات. لم ينتبهوا إلى أن أحدهم يلوّح لهم من كوّته الصغيرة. لم ينتبهوا إلى رسائله و تغريداته ولم يسمعوا صراخه الحاد على الجدار.

سليم بوفنداسة

الرجوع إلى الأعلى