"ظافر" و "القرش" و "قلعة بني عباس" سفن ضخمة  تشكل أهم  ركائز الأسطول  البحري الجزائري في  قاعدته  الشرقية  بجيجل، هي وحدات عائمة مجهزة   بوسائل قتالية متطورة   فائقة الدقة تتوزع مهامها بين القتال والإمداد والإجلاء .
روبورتاج: كـ طويل
 ترسانة بحرية مزودة بتكنولوجيا متطورة و طواقم بشرية تسهر على سلامة الإقليم الجزائري كما تحرص على  التفتح على المجتمع باستقبال زوار من مختلف الفئات، منهم 31 طفلا يتيما من بلدية قصر الأبطال بولاية سطيف، خاضوا بداية الأسبوع الماضي مغامرة فريدة من نوعها جعلت منهم حماة للوطن ليوم واحد، غاصوا خلاله في خبايا البحرية ودخلوا عالمها المتشعب والمتطور في رحلة شيقة ومليئة بالمغامرات.          
  النصر  رافقت الزيارة الاستكشافية و التربوية منذ انطلاقتها، حيث كان   في استقبال الأطفال في حدود الساعة التاسعة صباحا عناصر من البحرية، و فور نزولهم من الحافلة، قاموا بتشكيل صفين، الأول يجمع الأطفال الذكور، و الآخر مخصص للبنات، و كانت علامات الفرح بارزة في وجوههم، و توجه الزوار الصغار إلى القاعة الشرفية للقاعدة، أين كان في استقبالهم العميد معلاوي صالح، قائد الواجهة البحرية الشرقية رفقة إطارات سلاح البحرية، و بعد أن حياهم أوضح في كلمته بأن هذه الزيارة تجسد السياسة الاتصالية الرامية إلى تعزيز العلاقة "جيش ـ أمة "، و كذا سياسة الاتصال التضامني الذي تنتهجه القيادة العليا للجيش الوطني الشعبي، و في هذا الإطار لبت طلب مجموعة من الأطفال اليتامى من ولاية سطيف، و حققت حلمهم في زيارة القاعدة البحرية، و الاطلاع على مختلف مهام الوحدات الموجودة.
و قدم المسؤول رفقة الضباط هدايا رمزية للأطفال الحاضرين و مرافقيهم، تمثلت في قبعة و قميص للبحرية، و ألقت برعمة بدورها كلمة شكر و عرفان للقوات البحرية على كرم الضيافة و المساهمة في تحقيق حلم أغلبية اليتامى الحاضرين، و بعد تناول الحلويات و المشروبات ، قام الحاضرون بالتقاط صورة تذكارية أمام القاعة الشرفية.
و طلب الضابط المشرف على الزيارة منا بعد ذلك أن نشكل فوجين لزيارة عدة نقاط داخل القاعدة العسكرية، و في الطريق إلى أول نقطة في برنامج الزيارة ، أخبرنا المشرف بأنها تعد الثالثة مند بداية العام، ففي كل مرة تخصص القيادة زيارة لفائدة جمعية أو جهة معينة، خصوصا التي ترعى الأطفال.
سرية الغوص.. ورشة تحت الماء
النقطة الأولى كانت نحو سرية الغوص وعمل الغاطس، فبعد نزول الأطفال من الحافلات المخصصة، التقوا بالنقيب المسؤول عن السرية، ليقوم بتقديم شروحات حول مهامها المتعددة، كعملية الإنقاذ البحري و الأشغال تحت المائية كتلحيم السفن، بالإضافة إلى العمليات القتالية، و عرف الزوار بوسائل الغطس الموجودة، مثل لباس الغطس و مكوناته.
بعد ذلك تم تقديم عرض حول عملية غطس، حيث كلفت  طفلة بإصدار أوامر للجنود بالغطس ، فكانت المتعة لا توصف بالنسبة للبراءة التي شاهدت لأول مرة الغطاسين و الزوارق المستعملة، و بعد إلقاء التحية و  التقاط صورة تذكارية، تم التوجه مباشرة نحو الحافلة.
كانت الوجهة هذه المرة نحو الوحدة العائمة "قلعة بني راشد 473"، و التي تعتبر سفينة للإنزال و الإمداد اللوجستيكي، ليصطف الزوار الصغار و مرافقيهم أمام مدخل السفينة الحربية، و بعد إلقاء التحية على قائد السفينة، استقبلهم طاقمها بالحلويات، ثم دعوهم لجولة داخل السفينة الحربية، التي تحتوي على عدة طوابق، و في برج القيادة، أوضح القائد بأن السفينة تحمل اسم قلعة بني راشد التاريخية، بجبال الونشريس، و بعد سقوط قبيلة بني زيان على يد الإسبان، استخدمت كقاعدة للدفاع الشعبي إلى غاية سنة 1792، مما يدل على اهتمام و تمسك الجيش الوطني الشعبي بالرموز التاريخية التي تدل على الشموخ و الاعتزاز.

الطفلة آية قائدة سفينة حربية
و قام المتحدث بتنصيب الطفلة آية  قائدة جديدة للسفينة، و وزع المهام على باقي الأطفال الحاضرين بالتناوب، مقدما شروحات لهم حول طبيعة عمل السفينة الحربية و أهم التجهيزات الموجودة بها، على غرار جهاز الرادار الذي يستعمل لاكتشاف الأهداف السطحية التي تتواجد بالقرب من الوحدة البحرية، و أوضح المقدم بأن طبيعة عمل الوحدة جد مهم، و تعتبر من بين السفن الحربية الوحيدة التي ترسو في اليابسة، لتسمح بنزول الأفراد و تفريغ حمولة تصل إلى حدود 580 طنا توصلها من ميناء مجهز إلى اليابسة، وفي حالة رفعها لحمولة من ميناء غير مجهز، تستطيع أن تحمل ما يقارب 380 طنا، كما أنها تستطيع القيام بعدة مهام، حسب المقدم، إذ تحتوي على مكان مخصص لهبوط المروحيات، و ذلك للقيام بمهمة إسعاف و نقل المرضى و المصابين.
السفينة مجهزة بعيادة طبية متطورة، و تقدر سرعة السفينة الحربية بحوالي 20 كلم في الساعة و تحتوي على محركين بقوة 4000 حصان بخاري، و تستطيع البقاء في البحر لمدة شهر دون توقف،  و ردا على سؤال طفل حول كيفية حصول الطاقم على مياه الشرب، أوضح المشرف بأن الوحدة تحتوي على محطة لتحلية المياه تصل قدرتها إلى حوالي 20 طنا يوميا.
و أضاف المتحدث بأن السفينة تم صنعها سنة 1984 بإنجلترا، و قد حافظت على خصوصيتها بسبب ورشات الإصلاح و الكفاءات العسكرية التي يملكها الجيش الشعبي الوطني، أما في ما يخص طاقم السفينة، فيشرف على تسييرها قرابة 84 شخصا، من بينهم 11 ضابطا، و تستطيع أن تحمل حوالي 200 شخص من القوات البحرية،  و أضاف المسؤول بأن طبيعة الإبحار، تتماشى مع قانون الملاحة، و يرتكز أساسا على الأضواء الكثيرة و الهامة التي تحتويها السفن مهما كانت طبيعتها، و كل لون يؤدي مهمة خاصة.
و أوضح مسؤول السفينة للنصر، بأن الطاقم يتغير كل سنة بمعدل 5 بالمئة،  لعدة اعتبارات، منها التكوين أو الترقية في الرتب، و أضاف المتحدث بأن أعضاء الطاقم أثناء تواجدهم داخل السفينة، يعتبرون كأسرة واحدة، تسير و فق مبدأ الاحترام المتبادل و في إطار المهام الموكلة لكل فرد، بعد ذلك توجه الحاضرون إلى مؤخرة السفينة لالتقاط صور تذكارية.
" ظافر" من أحدث السفن القتالية متعددة المهام
الوجهة التالية سفينة "ظافر" متعددة المهام، و تعتبر من بين السفن الحربية الجديدة التي اقتنتها البحرية منذ عام و نصف تقريبا من الصين، و تحتوي على تقنيات و تجهيزات متعددة، مثلما أوضح مسؤولو السفينة،  لكونها مركز قتال، و تعتبر من أحدث السفن التي تملكها البحرية الجزائرية، حيث أقلعت السفينة من شنغهاي الصينية لتصل إلى الجزائر في الفاتح من نوفمبر سنة 2015.
الأطفال صنعوا داخل السفينة الحربية، أجواء حماسية جميلة رفقة طاقمها،  حيث تداولوا على قيادة الوحدة البحرية، و تعرفوا على نظامها الدفاعي، و قد أخبرتنا الطفلة الصغيرة اليتيمة ملاك، بأن السفينة تشبه سفينة شاهدتها في برنامج تليفزيوني للرسوم المتحركة، و أضافت بكل براءة بأنها تتمنى أن تقودها إلى ولاية سطيف، و أكدت " لقد سألت المسؤول عن كيفية نقلها إلى مدينتي، حتى يستطيع باقي أفراد عائلتي مشاهدتها، عندما يرجع والدي من رحلته، سأخبره بأنها أعجبتني ليقتنيها لي".
 بعد دقائق من التجول و التقاط صور تذكارية، ودع الأطفال طاقم السفينة الحربية، وتوجهوا إلى الحافلة و هم يفكرون في ما تخبئه المحطة القادمة من الزيارة.
أخبرنا المشرف بأنه خلال الزيارة سنقوم بالتعرف على مختلف الوحدات القتالية الموجودة، مشيرا إلى أن الوجهة المقبلة ستكون باتجاه  سفينة " القرش" و هي من صنع جزائري، و لدى وصولنا، و التعرف على قائدها ، قال لنا بأن " القرش" تعتبر قاذفة للصواريخ، و لها عدة مهام من أبرزها حماية المياه الإقليمية، و تم دخولها حيز الخدمة سنة 2002، بعد صنعها  في ورشات جزائرية.
و أضاف المسؤول بأنها تحتوي على نظام دفاعي جد متطور، و تستطيع إصابة الهدف على بعد 120 كلم بواسطة الصواريخ، أما المدفعيات فتستطيع إصابة الهدف القريب على بعد 20 كلم، و خلال التنقل داخل الوحدة القتالية، تم  اكتشاف مركز العمليات، الذي يحتوي على أجهزة تحكم، و أكد المتحدث قوة الأنظمة الدفاعية في السفينة من خلال أجهزة التشويش للتأثير على صواريخ العدو.

   قلعة بني عباس  "حي عائم" للإمداد والإنزال
و الوجهة التالية كانت سفينة ضخمة تسمى" قلعة بني عباس"، و تقتصر مهمتها الأساسية في الإمداد و الإنزال، فهي تحتوي على فضاء واسع في الطابق السفلي، و قد وصفه أحد الأطفال بحي متنقل في البحر، ليخبره أحد الضباط، بأن السفن الحربية مهما كانت طبيعتها، تعتبر قطعة من التراب الجزائري، و توجه الحضور بعد ذلك  إلى مصعد أوتوماتيكي ضخم، يستطيع أن يحمل قرابة 30 طنا ، و يستعمل لإنزال الحوامات إلى الطابق السفلي، و لدى وصولنا إلى الطابق العلوي، الذي يتربع على مساحة شاسعة، أكد مسؤول الوحدة الحربية، بأنها تمتاز بقدرة استيعاب كبيرة، و تستطيع أن تحمل قرابة 600 شخص ، و إيوائهم لمدة 30 يوما داخل البحر، كما أنها مجهزة بمستشفى يتسع لـ 60 مريضا، و يحتوي على فريق طبي في كافة التخصصات.
وأضاف المتحدث بأن السفينة  يمكن أن تحمل معها حمولة تفوق 7 الف طن، و تحتوي على مكان مخصصة لطائرات الهليكوبتر، و تتمثل مهامها في نقل القوات البرية، و إجلاء و إسعاف الجرحى من العسكريين و المدنيين في حالة الحروب، و يتم ذلك بواسطة الوسائل المخصصة للنقل و المتمثلة في قوارب و زوارق لنقل العربات و الأفراد، و أشار إلى أن السفينة دخلت حيز الخدمة في شهر مارس 2015 ، و هي إيطالية الصنع، و في ما يخص سرعتها، فتقدر بـ 20 عقدة.
توجه بعد ذلك الأطفال إلى برج القيادة الذي يتواجد على علو 43 مترا، وقد انبهروا بروعة المناظر، فمن خلال برج القيادة، يمكن لك أن يشاهد المرء جزءا كبير من مدينة جيجل، و قد اجتمع الأطفال حول لوحة القيادة، يلاحظون عن كثب عمل الرادار و باقي الأجهزة الموجودة، أما من خلال شرفات الغرفة، فتشاهد تنقل رجال البحرية و المؤطرين لالتقاط صور تذكارية عبر مختلف الجهات.
  بعد التعرف على مختلف الوحدات القتالية، توجهنا إلى متحف الواجهة البحرية، الذي يحتوي على مدافع قديمة الصنع، كما أنه يعتبر فضاء مفتوحا، يشبه الحصن القديم.
الزيارة كانت لها نكهة خاصة لدى الأطفال، تعرفوا من خلالها على مختلف الوحدات العسكرية الموجودة بالقاعدة، كما احتكوا مباشر بأفراد البحرية من مختلف الرتب، و أكد ممثل جمعية كافل اليتيم لبلدية قصر الأبطال، بأن الزيارة كانت جد ممتعة، خصوصا للأطفال اليتامى، الذين فقدوا حنان الأب أو الوالدين معا، مشيرا إلى أنهم فور سماعهم بموافقة قيادة الواجهة البحرية على طلبهم بزيارة القاعدة، ظلوا يستعدون لها لفترة، و كل طفل يرسم في مخيلته شكل السفن الحربية، وقد ثمن المتحدث المجهودات المبذولة من قبل القوات البحرية، و قال بأنه لم يكن يتوقع أن يحظى الأطفال بكل ذلك الاستقبال الجيد و المعاملة الطيبة ، و على حد تعبير أحد الحاضرين، فإن جل الضباط و رغم مراتبهم العالية، إلا أنهم انحنوا أمام الطفولة، و داعبوا البراءة الموجودة.
و كم كانت لحظة الوداع جد صعبة بالنسبة لبعض الأطفال، فبعد تناول وجبة الغداء التي أقيمت على شرفهم هم و مؤطريهم، لاحظنا الدموع تنهمر من عيون الصغار، فهناك من رفض أن يغادر القاعدة البحرية، بسبب تعلقه بما شاهده و لقيه من حسن الاستقبال.                                           
كـ. ط

الرجوع إلى الأعلى