الندرة تدفع إلى شراء الأدوية عبر "الفايسبوك"!

لم تعد أزمة ندرة الأدوية أمرا جديدا على الجزائريين، فقد تعايشوا معها مُضطرين، و صار المغترب و "الكابا" طريقهم للحصول على عقاقير استعصى عليهم إيجادها في صيدليات بلادهم، غير أن التطور التكنولوجي جعل التسويق لدواء أو البحث عنه سهلا و مُتاحا حتى في مجموعات بيع الألبسة و الأحذية المنتشرة بموقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك"، هذا الأخير الذي أصبح يعّج مؤخرا بطلبات "استجداء" للحصول على بعض الأدوية، و هي ظاهرة جديدة وقفت عليها النصر و تُحذّر نقابة الصيادلة من خطورتها، مُتحدثة عن تورط محتمل لشبكات التهريب.

تُظهر دراسة حديثة أجرتها شركة مختصة، أن "فايسبوك" يُعدّ موقع التواصل الاجتماعي الأكثر استعمالا ببلادنا، إذ يتردد عليه أكثر من 9.7 مليون جزائري يوميا، و هو رقم ضخم يعكس مدى الاهتمام الذي أصبح يلقاه هذا الموقع من طرف مختلف شرائح المجتمع، و يظهر ذلك من خلال تضاعف الحسابات و كذلك الصفحات و المجموعات المتخصصة التي صارت فضاء افتراضيا يلجأ إليه الكثيرون لعرض أي شيء للبيع و شراء أي شيء، من السيارة و السلاح، إلى غاية الحذاء و اللباس الداخلي، لكن الخطير في الأمر، هو تحوّل هذه المجموعات في الفترة الأخيرة، إلى منبر لـ "تجار الأدوية" الذين يعرضون عقاقير للبيع، تخص مختلف الأمراض، و العديد منها غير متوفر في الجزائر، حيث يدعون أنه بإمكانهم جلبها عن طريق مغتربين من خارج الجزائر، و خاصة من فرنسا.

 «الأمر مستعجل.. زوجي مريض سرطان» !

و الملفت خلال تصفحّنا للعديد من الصفحات و المجموعات التي توضع فيها هذه الإعلانات، أن المستخدمين يتفاعلون معها بسرعة عن طريق التعليقات، حيث يستفسرون عن السعر بل و يطلبون أدوية أخرى، و الأخطر في الأمر أننا وجدنا إعلانات لـ "الحقن المجاني للأنسولين"، رغم حساسية هذه المادة التي تتطلب شروط حفظ خاصة، و بإشراف من الطبيب، كما أن غالبية من يضعون الإعلانات يستعملون حسابات تحمل أسماء مستعارة، بما يثير الشكوك حول هوية أصحابها الذين يطلبون من الباحثين عن الدواء التواصل معهم على الخاص، و ذلك في تعليق تبدأ معه "الصفقة" عبر الهاتف أو عن طريق تطبيق "مسنجر".
و أمام الندرة المسجلة في الأدوية، لا ينتظر الكثير من المواطنين إعلانات البيع، بل يضعون هم إعلانات لطلب الشراء بموقع "فايسبوك" تُوجه غالبا للمغتربين، و تكون مرفقة بصورة عن الوصفة أو الدواء، و أحيانا برسالة استجداء لمرضى يقولون إنهم صاروا مهددين بالموت و بتعقيدات صحية بسبب عدم توفر بعض العقاقير في الصيدليات، و بسبب الحاجة الملحة لهذه الأدوية، يلجأ بعض المستخدمين إلى إرفاق صورة الدواء برسالة مؤثرة، على غرار سيدة كتبت "أوجه ندائي لذوي القلوب الرحيمة الذي يمكنهم مساعدتي في الحصول على هذه الأدوية لزوجي الذي يشكو من وضع صحي حرج، فهو مصاب بسرطان العظم و لا يمكنه تحمّل الألم، لكن أدويته غير متوفرة في الجزائر، ربي يحفظكم، الأمر مستعجل فعلا".
و بالموازاة مع ذلك، لا تزال الجارة تونس الوجهة الأقرب للراغبين في الحصول على بعض الأدوية، و قد أكد لنا أحد أصحاب المركبات الذي تعوّد على نقل زبائنه من الجزائر إلى تونس، أن هاتفه لا يكاد يتوقف عن الرنين بسبب كثرة الاتصالات به  من أجل شراء عقار معين من صيدليات تونس، لأنه مفقود في الجزائر، مضيفا أنه كثيرا ما يجد الدواء و أحيانا لا يحتاج إلى تقديم وصفة إلى الباعة الذين أصبحوا يعرفونه، و المثير للاستغراب أن عقاقير تخص أمراض بسيطة و حتى مراهم، لا تزال مفقودة ببلادنا، لكن يمكن إيجادها بسهولة في البلد المجاور.

حتى الأدوية الجنيسة مفقودة!

و أكد أطباء و صيادلة في اتصال بالنصر، أن المرضى لجأوا لهذه الحلول غير المضمونة و الخطيرة، بعد أن ضاقت بهم السبل، خصوصا أن الندرة شملت أدوية ضرورية جدا، على غرار "التينورمين" الموجه لمرضى ضغط الدم الشرياني و "الآلفوكارديل" الخاص بمرضى القلب، و كذلك حقن "الغاردينال" التي يحتاجها مصابو الصرع، و دواء "كاربيمازول" الموجه لمرضى الغدة الدرقية، بينما يعاني مرضى الكبد من ندرة دوائي "كيستران" و "إيرسيلفان"، و لا تزال حالة الطوارئ تلازم النساء الحوامل بالجزائر، بسبب الندرة التي تسجل من حين إلى آخر في حقن "سانتوسينون" التي تلجأ العائلات إلى التوصية عليها من الجارة تونس.
و تضيف مصادرنا أن القائمة لا تزال طويلة و تشمل أدوية خاصة بأمراض عديدة أخرى، و منها حتى مسكنات آلام و مضادات حيوية و كذلك عقاقير يُفترض أنها تُصنع محليا على غرار "السيبوتريكس" و "الأمبيسيلين" و "الكوزار" و "الباريغ" و أحد اصناف دواء "نوفونورم" الخاص بمرضى السكري، و غيرها من الأدوية التي قررت الدولة وقف استيرادها على أساس أنها ستصنع في مخابر الجزائر في شكل أدوية جنيسة اختفت من الصيدليات بطريقة مريبة، ما جعل العديد من المرضى يعانون و يموتون في صمت بسبب تأزم وضعهم الصحي.

مسعود بلعمبري رئيس النقابة الوطنية للصيادلة


  انتهازيون يستغلون حاجة المريض و على وزارة الصحة التدخل
النصر تواصلت مع الدكتور مسعود بلعمبري رئيس النقابة الوطنية للصيادلة، لمعرفة رأيه في الظاهرة، فأكد لنا أن هيئته لاحظتها أيضا، محذرا من أنها بدأت تنتشر و صارت تشكل خطرا فعليا على الصحة العمومية، خاصة مع تورط شبكات التهريب و الأضرار التي يمكن أن تسببها للمرضى، الذين يتم استغلال حاجتهم لتحقيق عائدات مالية عن طريق موقع "فايسبوك".
و يضيف بلعمبري أن بعض الأشخاص يعمدون إلى الادعاء بأنهم يستطيعون جلب أدوية من فرنسا عن طريق ما يُعرف بـ "الكابا"، و هو فعل يعاقب عليه القانون، بالسجن من 5 إلى 15 سنة، بسبب الممارسة غير القانونية لمهنة الصيدلة و التسويق غير القانوني للأدوية.
و أكد رئيس نقابة الصيادلة، أن الخطير في الأمر هو أن مسار هذه الأدوية المسوقة عبر "الفايسبوك" غير معروف، كما أن مصدرها قد يكون مجهولا، و يمكن أن تكون قد تعرّضت إلى التلف و ربما مقلدة أو خطيرة على صحة الشخص المريض في الأصل، مضيفا أن شبكات تهريب السلاح و المخدرات دخلت على الخط، و وجدت في الطلب المتزايد على الأدوية المفقودة في الجزائر، فرصة لتكثيف نشاطها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
و مما يستدعي القلق، حسب الدكتور بلعمبري، أن بعض الأدوية المعروضة للبيع ممنوعة من الاستيراد بقرار من السلطات الجزائرية، لكونها مصنعة في مخابر تابعة لإسرائيل، و خاصة مخبر "تيفا" الذي ينشط في فرنسا، كما أكد أن نصف الأدوية التي يتم طلبها على "الفايسبوك" كمالية و غير أساسية، على حد قوله. بلعمبري قال إن الجزائر تشهد حاليا ندرة في حوالي 60 صنفا من الأدوية، منها ما يُفترض أن يصنع محليا، مرجعا ذلك إلى تأخر الإجراءات الخاصة ببرامج الاستيراد لشركات الأدوية، و التي ذكر بأنه تم التوقيع عليها شهر مارس الماضي، لكنها تتطلب من 3 إلى 4 أشهر للوصول إلى مرحلة الدخول الفعلي للدواء إلى الصيدليات، بما يعني أن الندرة قد تستمر لشهر آخر و ربما أكثر، إذا تم احتساب الوقت الذي تأخذه إجراءات الجمركة في المطارات و الموانئ، لكنه أشار إلى أن نقابة الصيادلة تلقت، حسبه، معلومات تفيد بأن وزير الصحة أصدر أوامر بالإسراع في العملية و التوقيع على برامج الاستيراد مع حلول شهر أكتوبر.
و في تفسيره لأزمة ندرة الأدوية المسجلة، رغم أن حوالي 60 مستورد و منتج للمواد الصيدلانية ينشطون بالجزائر، أوضح الدكتور بلعمبري أن الأمر راجع إلى أن "بعض" الشركات التي استفادت من برامج الاستيراد، "تتعامل بطريقة غير مسؤولة إطلاقا"، كما أنها "لا تحترم" الآجال و لا حتى الكميات و الحصص، زيادة، حسبه، على تماطلها في احترام بنود البرامج المسندة إليها، و هو وضع يقول إنه دفع بهيئته إلى مطالبة وزارة الصحة بالتدخل، و كذلك وضع حد لما يحصل من طرف من وصفهم بالانتهازيين الذين يستغلون مواقع التواصل الاجتماعي لاستغلال المريض الذي يبقى وحده الضحية. 

تحقيق: ياسمين بوالجدري

الرجوع إلى الأعلى