"ملحمة قسنطينة" تستعيد 3 آلاف سنة  لمدينة الصخر العتيق
قدمت مساء ليلة أمس الخميس “ملحمة قسنطينة” في افتتاح تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية، العمل يسلط الضوء على مختلف الحقب التاريخية لمدينة الصخر العتيق
و تقاطعاتها مع الأحداث الوطنية و العربية.
الملحمة التي شارك في تقديم شخصياتها  أكثر من 400 ممثل، من مختلف ولايات الوطن، و أكثر من 600 تقني و متخصصين في الديكور و الأزياء ، وتم التحضير لها لأكثر من ثلاثة  أشهر،  تروي تاريخ المنطقة لأكثر من 3 آلاف سنة، و هي من إخراج  علي عيساوي، بمساعدة عبد النور يسعد بينما تكفل فوزي بن ابراهيم بإخراجها المسرحي.
 اشترك في كتابتها عديد الكتاب و الشعراء الجزائريين الدكتور عبد الله حمادي والشعراء نبيل طيار و ليلى لعوير و ناصر لوحيشي و نور الدين درويش و رصعت بأشعار الراحلين محمد العيد آل خليفة و عمر البرناوي.
ويلاحظ أن الملحمة ابتعدت عن الجانب الفني الذي يميز مثل هذه العروض ، حيث وقعت في دائرة التقرير والتأريخ للأحداث و الوقائع، بدل التركيز على الجانب الكوريغرافي المطلوب في الملاحم المسرحية في مشاهد معينة،  وهو ما جعل العرض يوصف بالعادي فنيا من قبل مختصين ومتابعين له ،كما أن  لغة النص كانت لغة مدرسية، إذ  يتحدث الراوي بطريقة مباشرة عن الأحداث التاريخية، الشيء نفسه لاحظناه في اللوحات الاستعراضية المختلفة أين اختفت رمزية الملحمة التي تجسدها الحركات الراقصة و الاستدلالية المعبرة وحل مكانها الكلام المباشر والتقريري، وهو ما تم ملاحظته أثناء العرض إذ أن كل شخصية تعرف عن نفسها بعد أن يقدمها الرواي ، ولا تدع  مجالا للمشاهد، لكي يتعرف عليها و يكتشفها من سياق العرض و تأمل اللوحات الفنية و تفسيرها تلقائيا.
و الملاحظ أيضا بأن الملحمة ركزت على حقب تاريخية و استطردت في وصفها رغم وصول الرسالة إلى المتفرج، في حين  مرت على أخرى مرور الكرام ،رغم أهميتها مثل سقوط قسنطينة و مقاومة أبنائها للاحتلال الفرنسي .
و الملفت أيضا التركيز على شخصيات دون أخرى بشكل ممل و غير فني على غرار “قعدات”و حفلات صالح باي في قصره، و عدم منح أحمد باي ما يستحقه من أهمية ، رغم أنه رمز لمقاومة الغزو الفرنسي و التصدي لسقوط قسنطينة كما لم يحظ قبلهما كل من ماسينيسا و يوغرطة بمساحة كافية من الاهتمام و إبراز بطولاتهما. رغم ذلك، فإن الجمهور الحاضر والذي ملأ القاعة التي تسع 3 آلاف مقعد، تفاعل مع مراحل العرض المختلفة، أين تعالت التصفيقات والصرخات مع عديد  الصور الكوريغرافية، مثلما هو الحال مع صعود شخصية العلامة عبد الحميد بن باديس للمنصة وسعيها من أجل الحفاظ على عروبة الجزائر، كما أن هروب رجال الثورة من سجن الكدية جعل جمهور القاعة يتأثر ويتفاعل بالصراخ الذي يعبر عن فخر بما قدمه الآباء والأجداد من تضحيات ، ولم يغادر الجمهور قاعة العروض الكبرى زينيت إلى غاية نهاية العرض الذي دام لأكثر من ساعتين إلى غاية الساعات الأولى من الفجر.
وقد  بدأ العرض من  مرحلة العصر الحجري الذي تحدث عن الإنسان البدائي الذي استوطن صخرة قسنطينة لعلوها وبعدها عن الحيوانات المفترسة مرورا بالعهد النوميدي وعلاقة المدينة بقرطاجة ومشاركتهما في الحروب البونية، وصولا  للاحتلال الروماني ثم الوندال، كما تطرقت الملحمة للفتوحات الإسلامية وآراء المسلمين حول المدينة  وعلى رأسهم التابعي عقبة بن نافع، وسردت في لوحات غنائية شجاعة الكاهنة، لتأتي بعدها أحداث أخرى أرخت بظلالها على صفحات تاريخ الجزائر الحديث والمعاصر ،كالتواجد العثماني بالجزائر الذي بدأ بدعوة أهالي المدينة للإخوة بربروس وما قدمه صالح باي للمدينة. الملحمة تطرقت للوحشية الاستعمارية الفرنسية في دخول مدينة الصخر العتيق نتيجة استعانتها بالخونة وتحدثت عن مراحل النضال بها في كل سنوات الاحتلال خاصة مرحلة اندلاع الثورة ومشاركة أهلها في اشعال شرارتها الأولى، والتي تكللت فيما بعد بنيل الاستقلال. وقد ثمن العرض ما قام به رئيس الجمهورية من مصالحة ما بين الشعب الواحد أين تم بث خطاباته في مدينة قسنطينة وهو يدعو للسلام والمودة. وقد نقلت الشاشة العملاقة التي كانت بمثابة خلفية سينمائية تبرز الصور المختلفة التي يرويها الراوي ويجسدها الراقصون والممثلون على الخشبة. الملحمة استعانت بالأرشيف الموسيقي لكل مرحلة فارتفعت ألحان و كلمات أغنية “قالوا لعرب قالوا”، في عرض المرحلة العثمانية والتي خصص جزء كبير منها لصالح باي، كما أن  أغنية “الطيارة الصفراء” شكلت خلفية موسيقية لأحداث الثامن من ماي 1945. وجسد فنانون بين ممثل وراقص كوريغرافي كل حسب دوره على خشبة المسرح في هذا العرض الملحمي الذي استغرق ساعتين من الزمن شخصيات تاريخية تركت بصماتها على سجل الذاكرة الجماعية فمن الملك النوميدى ماسينيسا ويوغرطة و تاكفاريناس، الى القديس أوغسطين ثم الكاهنة وطارق ابن زياد إلى ابن باديس و الأمير عبد القادر وزعماء المقاومة الشعبية إلى ديدوش مراد وغيرهم من الأسماء التي تبقى محفورة في الذاكرة.
حمزة.د

الرجوع إلى الأعلى