21 فلكيا جزائريا ينهون الجدل حول مواقيت الإمساك
أصدر، أمس الثلاثاء، 21 فلكيا جزائريا، بيانا مشتركا للرد على تصريحات الباحث المثير للجدل لوط بوناطيرو، حول مواقيت الصيام و الإمساك المعتمدة من طرف وزارة الشؤون الدينية، حيث أكدوا أنها غير صحيحة علميا و لا تعدو عن كونها مجرد «ثرثرة» الهدف منها تحقيق «الشهرة»، كما دعوا وسائل الإعلام إلى «الحذر» في التعاطي مع القضايا التي تمسّ الجانب الديني و عدم الانسياق خلف الإثارة.
و جاء في البيان الذي تلقت النصر نسخة منه، أن تصريحات بوناطيرو، الذي يُفترَض،  حسب نص الوثيقة، أنه خبير في علم الفلك،  «غير صحيحة علميا و غير مسؤولة»، إذ يتم خلالها عرض وجهات نظر «شاذة» حول مواضيع حسّاسة ينبغي الحذر فيها، و ذلك «دون تقديم مرجع علمي أو دراسة موثوقة، ما يحتّم الرد عليها أمام حجم الجدل العام والتضليل الذي أحدثته على نطاق واسع»، لكونها «لا تستند إلى أي دليل علمي وليست مدعومة من قبل أية هيئة علمية في العالم».
و أوضح موقعو البيان أن جدول مواقيت الصلاة والإمساك والتقويم الهجري المعتمد من طرف وزارة الشؤون الدينية  و الأوقاف، يوضع كل سنة من طرف مجموعة من خبراء علم الفلك المنتسبين إلى مركز البحث في الفلك والفيزياء الفلكية والجيوفيزياء «كراغ»، بعد اعتماد قواعد حساب معيارية معمول بها منذ عقود ومتفق عليها من طرف العالم الإسلامي أجمع، كما تحتوي هذه الرزنامة الشاملة على مواقيت الصلاة والإمساك ومناسبات التقويم الهجري، بالإعتماد على معايير فلكية لإمكانية رؤية الهلال و ليس فقط على مواقع القمر.
و في ردهم على تصريحات بوناطيرو التي اتهم فيها وزارة الشؤون الدينية، ومن خلالها «الكراغ» بمحاولة تضليل الجزائريين عمدا، بالاستناد إلى جداول مغلوطة جعلت الجزائريين يصومون، حسبه، لـ 40 دقيقة زائدة بحجة أنهم يصلون الفجر ثم يعودون إلى النوم لأن الظلام ما يزال يملأ الأفق، أكد الخبراء أن هذه التهم «غير مؤسسة وهي مجرد ثرثرة لا تستند إلى أي مرجع علمي، بل لا تكاد تستحق الرد»، مضيفين أن زملاءهم المكلفين بهذه المسائل مشهود لهم بالكفاءة، كما أن القول بأن الجزائر ورثت «أخطاء» منذ الاستقلال بسبب فلكي هاوٍ كان أول من وضع رزنامة المواقيت، مجرد افتراءات لا ترقى الى التخاطب العلمي.
و بيّن الباحثون أن قواعد الحساب الفلكية لديها استمرارية تاريخية، إذ تعود إلى أكثر من ألف سنة واعتمدت رسميا بالجزائر بعد الاستقلال، كما أنها ذاتها المعتمدة من طرف مختلف البلدان الإسلامية، مع بعض الاختلافات الطفيفة، حيث قال البيان بخصوصها «يبدو جليا أن للسيد بوناطيرو مشكلة ليس فقط مع مواقيت صلاة الجزائريين منذ الاستقلال و لكن أيضا مع العالم الاسلامي!”
لهذه الأسباب تبدو مواقيت صلاة الفجر خاطئة للبعض
و أضاف علماء الفلك، أن لبسا أربك البعض و سهل تغليطهم، موضحين في هذا الشأن «يتم تعريف الظلام الدامس، الذي يمثل اختفاء أشعة الشمس كلية، بدقة في علم الفلك بما يسمّى الشفق الفلكي مساء أو الفجر الفلكي صباحا و يحدث هذا عندما تكون الشمس تحت  الأفق بـ 18 درجة، وحينها تختفي أشعة نور الشمس كلها، حتى المنكسرة منها في الغلاف الجوي، وفي تلك اللحظة وفي ظروف جوية مثالية، يمكننا رؤية النجوم الأقل لمعانا، و هذا المعيار هو ذاته المستخدم اليوم في العالم الإسلامي، عدا بعض الاختلافات الطفيفة».
كما بيّن الفلكيون فيما يخص «دليل» السيد بوناطيرو، بأن السماء تكون نيّرة عند الخروج من صلاة الفجر في مكة، بينما يكون الظلام لا يزال دامسا في الجزائر، أنه إدعاء و كلام غير علمي، كما أنه غير صحيح بشهادة زوار بيت الله  الحرام و يناقض حتى بعض الأحاديث النبوية، مؤكدين أن السبب الحقيقي وراء عدم ملاحظة ظهور الشفق بعد الفجر، هو عدم حدوث الظروف المثلى للمشاهدة، عندما يكون الأفق الشرقي مفتوحا و بعيدا عن التكتلات السكانية بتلوثها الضوئي، كما يجب أن يكون الليل بلا قمر وبأحوال طقس مثالية، أي بدون رطوبة أو غبار في الجو.
موقعو البيان قالوا إنهم يفرقون جيدا بين الفجر الكاذب والصادق، و لا يخلطون بينهما، كما صرح به بوناطيرو، موضحين أن الفجر الكاذب مصدره تشتت ضوء الشمس على الغبار البيْن- كوكبي، ولا يحدث إلا في فترات محددة من السنة وبطرق مدوّنة لدى كل الفلكيين، و أبرز الباحثون أن رزنامة مواقيت الصلاة والإمساك والإفطار المعتمدة من وزارة الشؤون الدينية والتي يعدّها مركز «الكراغ»، تضع أسسا علمية رصينة معتمدة في البلدان الإسلامية الأخرى، لذلك فهي موثوقة تماما ولا تحتاج أي تصحيح.
و أضاف الفلكيون أن بوناطيرو يحاول خلق جدل من العدم ليس الأول من نوعه، و ذلك بالاعتماد دائما على عبارات خيالية وخاطئة حول قضية علمية وأحيانا دينية حسّاسة، بالاكتفاء غالباً بـ «تزيين كلامه بآيات قرآنية غير ذات صلة، أو بأساليب ديماغوجية فظة دون الاستناد الى مراجع علمية موثوقة».
و ختم العلماء بيانهم بالقول «نأمل أن يترفّع الجزائريون فوق هذه الخلافات المصطنعة وغير الحكيمة التي تلهينا عن التحديات الكبيرة التي تواجه بلادنا، وما تقوم به سوى الاستفزاز والإثارة من طرف أشخاص يدمنون الشهرة الإعلامية»، كما دعوا الإعلامين إلى المزيد من «الحذر» و «الاحتراف» عند التعامل مع القضايا ذات الأثر الاجتماعي العالي، وخاصة تلك المتعلقة بالحياة الدينية، معلقين في هذا الخصوص بأن الجدل الدائر سببته وسائل إعلام مجامِلة تسعى وراء الإثارة، و لم تقدم، حسبهم، إلا وجهة نظر واحدة دون أخذ رأي المجتمع الفلكي الجزائري.
البيان يأتي أياما بعد ردّ وزير الشؤون الدينية محمد بن عيسى على الخرجات الإعلامية لبوناطيرو و التي قال إن من شأنها «إثارة الفتنة»، و قد وقعت عليه أسماء ثقيلة في مجال علم الفلك، منها البروفيسور جمال ميموني نائب رئيس الاتحاد العربي للفلك و علوم الفضاء و رئيس جمعية الشعرى لعلم الفلك، إضافة إلى 7 فلكيين من مركز «الكراغ» بينهم مديرا بحث، و العالم المعروف البروفيسور نضال قسوم، إلى جانب باحثين و باحثات من جامعات بداخل الوطن و خارجه، منهم عمداء كليات و معاهد و مدراء مخابر بحث.
ياسمين بوالجدري

الرجوع إلى الأعلى