مستهلكو اللحوم البيضاء مهددون بضعف المناعة و مضاعفات  خطيرة  على الجهاز العصبي و العضلات

تحوّلت أدوية تسمين الدواجن إلى خطر داهم، يهدد صحة المواطن الجزائري في ظل تزايد عدد مربي الدواجن غير المعتمدين، و الذين تفوق نسبتهم بقسنطينة  66 بالمائة، وسط تحذيرات البياطرة من خطر تأثيرات بقايا المضادات الحيوية باللحوم، و تأكيد الأطباء المختصين، لعدم استجابة الكثير من المرضى للعلاج بالمضادات الحيوية من جهة، و الكورتيكويد من جهة أخرى، و تضاعف حالات الحساسية الناجمة عن الإفراط  في استعمال مثل هذه الأدوية، رغم تأكيد المرضى لعدم استهلاكهم لها، و يفرض السؤال نفسه، كيف جاءت هذه المكونات إلى أجسامهم؟ .

تحقيق مريم بحشاشي


البروفيسور بلماحي رئيس مخبر علم السموم بالمستشفى الجامعي بقسنطينة، حذر من خطر الاستعمال العشوائي للمضادات الحيوية و كذا الكورتيكويد و أيضا فيتامينات خطيرة كفيتامين (أ) الذي يشكل الإفراط في تناوله ،خطورة على الجهاز العصبي و العضلات، مشيرا إلى عدم احترام المربيين لتعليمات وزارة الفلاحة و طب البيطرة ،المؤكدة على ضرورة توقيف علاج الدواجن لمدة محددة تتراوح بين أسبوع و عشرة أيام، قبل الذبح، و ذلك لتطهير الدجاج و الديك الرومي من بقايا الأدوية.
و انتقد البروفيسور غياب الرقابة و التحاليل الخاصة بتحديد بقايا الأدوية باللحوم، بالإضافة إلى انعدام التحاليل الخاصة بكمية العلاج المقدم للدواجن و الفترة التي توقف فيها العلاج قبل دخولها المذابح، و هو ما يهدد صحة المستهلك، و إن كانت النتائج لا تظهر على المدى القصير، حسبه ،و إنما على المدى الطويل، حيث يطوّر جسم الإنسان مقاومة للمضادات الحيوية التي لم يستهلكها المواطن بمحض إرادته، و إنما تلقاها عن طريق كميات صغيرة في مختلف أنواع اللحوم سواء الحمراء أو البيضاء، و عليه فإن الجسم يعجز عن تحمل أبسط مضاعفات أو أي عدوى أي مرض يحتاج فيها إلى علاج مكثف بالمضادات الحيوية أو الكورتيكويد.
كما تحدث عن تضاعف حالات الحساسية لمكونات صيدلانية، يجهل المريض كيف وصلت إلى جسمه، لأنه لم يتابع أي علاج بمثل هاته المضادات، غير أن أغلب أسئلة الأطباء المعالجين تتوّقف عند نوعية الأطعمة أو الأدوية المسببة للحساسية، دون التفطن لظاهرة بقايا الأدوية باللحوم و تأثيرها على المستهلكين و بشكل خاص الأطفال و المسنين. 

انعدام الدراسات و الأبحاث الميدانية يحول دون تحديد المضاعفات الخطيرة

و رغم تحذير الأطباء من خطر الإفراط في استعمال هاته المضادات التي قد تؤدي إلى ظهور سلالات من البكتيريا المقاومة للمضادات الموجودة محليا ، و بالتالي يصعب مكافحتها و القضاء عليها، فقد أكد الأطباء الذين تحدثنا إليهم في مختلف التخصصات كالطب الداخلي و العام و أمراض الهضم و الحساسية، بأن نتائجهم تبقى مجرّد آراء و احتمالات غير مؤكدة لعدم وجود دراسات طبية في هذا الإطار، بالإضافة إلى عدم توّفرهم على الإمكانيات اللازمة لتأكيد ما إذا كانت بعض الأعراض الناجمة عن سوء استعمال المضادات الحيوية، ناجمة عن التداوي الذاتي للمرضى أو من استهلاك لحوم تحمل بقايا هذه الأدوية.

القسنطينيون أكثر استهلاكا للحوم البيضاء بالوطن

كما حمل المختصون المسؤولية للمواطنين الذين لا زالوا يقتنون اللحوم البيضاء من الأسواق الفوضوية ، رغم الحملات التحسيسية الكثيرة  بخطورة ذلك على صحتهم و صحة عائلاتهم، مرجعين ذلك إلى نقص الثقافة الاستهلاكية.
الدكتورة جنة المكلفة بشبكة مراقبة الأوبئة بمديرية الفلاحة، أكدت من جهتها وجود مشروع وقائي مهم في هذا الإطار، حيث كلف البياطرة الخواص و العموميون بتعبئة استمارات تهتم بثلاث نقاط مهمة ، تهتم الأولى بالتأثير العلاجي للأدوية المرخصة لعلاج الدواجن، و ذلك من خلال محاولة معرفة مدى تحقيق الأدوية المنتجة داخل البلاد أو المستوردة للنتائج المرجوة على الحيوان، أما النقطة الثانية فتعنى بمعرفة التأثيرات العكسية أو السلبية على الحيوان، فيما تبحث الثالثة على التأثير السلبي على الإنسان، سواء ظهر ذلك في شكل حساسيات تنفسية أو جلدية... على المربي أو من يحيطون به من أفراد العائلة و العاملين معه و حتى على البياطرة أنفسهم، غير أن  تلك الاستمارات لم تلق استجابة جدية، مما حتم على السلطات إعادة إطلاق العملية من جديد في 2008، ثم في 2013.
و اعترفت الدكتورة جنة بأن عدم جمع الاستمارات و تجاوب المختصين، حال دون  تمكنهم من التأكد من  مدى تأثر الإنسان بالمواد و الأدوية المستعملة.
كما تحدثت عن البرامج التي وصفتها بالمهمة و المجسدة في إطار التوأمة مع عدد من الدول الأجنبية بما فيها اسبانيا و فرنسا، منها برنامج «باسكرا» و «ديفيكو»التي وقعت مديرية الخدمات البيطرية عليها، و التي استفاد بفضلها بعض إطارات المديرية من تكوين خاص، كما تم اختيار ولايات نموذجية لتجسيد هذه البرامج الخاصة بمراقبة المواد السامة و متبقيات الأدوية باللحوم، بعدد من الولايات من بينها قسنطينة التي تعد من الولايات الأكثر استهلاكا للحوم البيضاء. كما كان هناك إعادة تأهيل المخابر خاصة في مجال علم السموم و تكثيف عمليات التحليل الكيميائي لعينات من الأدوية و الأغذية الممزوجة بالأدوية المستعملة. و دعا المختصون إلى ضرورة تكثيف مراقبة باعة الأدوية و الأعلاف للحد من الاستعمال العشوائي للمضادات الحيوية الخطيرة، مشيرين إلى وجود أدوية غير مرخصة، يتم ترويجها بسوق الخروب و التي أصدر والي الولاية قرارا بمنع بيعها حسب نفس المصدر.
و أكد بعض البياطرة الخواص بأن الخطر سيظل يتهدد صحة المستهلكين، طالما لم تفرض ضوابط على مبيعات المضادات الحيوية البشرية التي يمكن لأي شخص الحصول عليها من أي صيدلية شاء و التي يستغلها البعض في تسمين الدواجن.
و قال البعض بأنهم متأكدين من وجود بقايا المضادات الحيوية في اللحوم المعدة للاستهلاك، غير أن نقص المخابر المتخصصة حال دون تقديم نتائج و أدلة قطعية عن ذلك.

66 بالمائة من مداجن قسنطينة غير معتمدة

و تحدثت الدكتورة البيطرية إيدات أومعمر، عن تخوفات المختصين البيطريين من المربين غير المعتمدين، كاشفة بأن عدد المربين المعتمدين لا يتجاوز نسبة 33.33بالمائة، فيما يعمل أكثر من 50بالمائة منهم في ظروف غير قانونية، كما يعتمد حوالي 25بالمائة منهم على التداوي الذاتي دون استشارة البياطرة، حيث يقوم بعض المربين بتطعيم دواجنهم على طريقتهم حتى و لو بطريقة خاطئة، برغبة تسمين الطيور و ليس علاجها.
و ذكرت بأن ثمة من لا يتقيدون بقائمة الأدوية المسموح بها و التي وضعتها الوزارة منذ سنة 2003 و المقسمة إلى مجموعتين منها سانجوراميسين، سالينوميسين، نرازان و نونوزان دي صوديوم، غير أن هناك من يستعمل مضادات حيوية مثل التيراميسين»و مشتقاتها  باعتبار أن الدواجن التي تتناول أعلاف مخلوطة بالمضادات الحيوية، يتضاعف وزنها في غضون أسابيع قليلة لا تتجاوز 8 أسابيع و هو الفرق الملاحظ بالعين المجرّدة بين الدجاج المربى في بيئة طبيعية و الدجاج المسمن باستعمال هذه الأدوية، غير أن تسمين الدواجن لا يعطي دائما النتائج المرجوة من قبل المربين المتلهفين للبيع ،حيث يلاحظ على بعض الدجاج المسوّق من خلال رائحة كريهة تنبعث من هذا النوع من الدجاج و هو ما أرجعه بعض البياطرة إلى  المضادات الحيوية المستعملة.  و أكدت محدثتنا  بأن عدد المداجن المعتمدة في قسنطينة لا يتجاوز  382مدجنة، فيما يعمل عدد كبير في الظل،  و هو ما يثير قلق المختصين رغم متابعة البياطرة الخواص، لعدد مهم منهم  حسبها.
كما أشارت إلى عمليات البيع و الذبح العشوائي للدجاج، بالكثير من الأسواق الفوضوية، مؤكدة على ضرورة وضع حد لها بتكثيف عمليات المداهمة و المراقبة للأسواق الشعبية و الفوضوية التي تعرف إقبالا كبيرا للزبائن على اللحوم البيضاء المسوّقة في مثل هذه الأماكن.
و بخصوص عمليات الذبح داخل المذابح و المسالخ المعتمدة و التي تقدر ب18مذبحا بقسنطينة ، قال عدد من البياطرة بأنها تزيد عن 5000دجاجة في اليوم بالمذبح الواحد، أي ما يعادل 150000دجاجة في الشهر  بين 500 و 1000دجاجة بالمسلخ الواحد، و هو ما يعادل 30000دجاجة في الشهر.  
و أجمع من تحدثنا إليهم على انعدام وجود دراسات معمقة بخصوص متبقيات الأدوية في اللحوم البيضاء و مدى تأثيرها على صحة المواطنين، داعين إلى ضرورة تشكيل فرق متعددة التخصصات لتجسيد مثل هذه الدراسات الميدانية و الأبحاث الطبية المهمة.
م/ب

الرجوع إلى الأعلى