يستعد المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها مع نهاية شهر الصيام لإغناء إخوانهم الفقراء عن السؤال يوم العيد بزكاة الفطر، استجابة لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي فرض هذه الزكاة طهرة للصائم وطعمة للمساكين مبلغا عن ربه سبحانه وتعالى؛ ولئن أقدم المسلمون على أدائها طوعا ومحبة فإن البعض لما يزل كعادته كل عام يحاول التشويش  على هذه العبادة بدعوى أن إخراجها نقدا لا يصح ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، تمشيا وما تسير عليه بعض بلدان الخليج العربي التي تتبنى المذهب الحنبلي رغم اختلاف آراء فقهاء هذا المذهب في ذلك؛ ومتجاهلا أقوال عشرات الصحابة والتابعين والفقهاء القدامى ومئات الفقهاء المحدثين الذين رأوا في ذلك موافقة للشريعة وتحقيقا لمقاصدها ولمصلحة الفقير، الذي يفضل النقد ليستغني به عن السؤال ويقدر ضرورياته وحاجياته في ذلك اليوم، لاسيما وأن حاجات الناس تشعبت في ظل العصر الحديث ولم تعد فقط حاجة الطعام وإشباع البطن،
إعداد: د .عبد الرحمان خلفة
فالمدينة والمدنية ألقت بظلالها على حياة الناس، ولم يعد ثمة مفر من توفير النقود للفقير والمسكين للاستجابة لمتطلباتها والعيش في أمن في كنفها، في هذه الصفحة سنعرض مواقف جلية لفقهاء ومراكز فتوى وبحث تؤكد شرعية زكاة الفطر بالنقود؛ بل تراها ضرورية.

وزارة الشؤون الدينية الجزائرية تتبنى مشروعية إخراج زكاة الفطر نقدا
على غرار مئات المؤسسات الإسلامية والمراجع الفقيه سنت وزارة الشؤون الدينية والأوقاف الجزائرية لنفسها منذ الاستقلال سنة إخراج زكاة الفطر نقدا تحقيقا لمصلحة الفقير وقد بررت أكثر من مرة شرعية هذا الإجراء، ومما قالت: امتثالا لقول الله تعالى في كتابه العزيز: ((وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُوم (25) )) سورة المعارج: 24 ـ 25]،  وتحقيقا للرعاية الاجتماعية التي أرشد إليها المصطفى صلى الله عليه وسلم بالدَّعوة إلى إغناء الفقراء عن السؤال يوم العيد، حيث قال: : (أَغْنُوهُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ). فإن وزارة الشؤون الدينية والأوقاف تدعو إلى المبادرة بإخراج زكاة الفطر عن شهر رمضان الفضيل، وتُذَكِّر أنَّها قدِّرت هذه السنة بمائة (120) دينار جزائري، وهي قيمة صاع 2كلغ من غالب قوت بلدنا. وإنها كلَّفت أئمةَ المساجد بالتَّعاون مع رؤساء اللّجان الدِّينية المسجديّة عبر الوطن بالشروع في جمع زكاة الفطر ابتداء من منتصف شهر رمضان، على أن لا توزّع على مستحقيها الذين أحصتهم لجانُ صندوق الزكاة إلاّ يوما أو يومين قبل عيد الفطر المبارك، فلا تشرق شمسُه حتى يصل للمستحقين حقُّهم، فيشعرون بفرحة العيد وبهجته كما يشعر سائر الناس.
وإنها تذكِّر أن زكاة الفطر تجب على كل مسلم ومسلمة، صغير أو كبير غنيّ أو فقير، إن كان يملك ما يزيد عن قوت يومه، يخرجه المكلَّف عن نفسه وعن كل من تجب عليه كفالته. وذهب إلى جواز إخراجها نقدا عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما منَ الصحابة، وعمر بن عبد العزيز وطاووس من التابعين، وهو مذهب أبي حنيفة وسفيان الثوري والبخاري، وقول أشهب وابن القاسم، واختيار اللخمي وابن تيمية، وبهذا أفتى علماء الجزائر. ورأى هؤلاء وغيرهم أن إخراجها نقدا أنسب للفقراء، لأنها شرعت لإغنائهم عن السؤال يومَ العيدِ، وذلك يتحقَّق بدفع القيمة.

 

الشيخ عبد الله بن بية
في بلاد الغرب قد تكون النقود أفضل لملاءمتها للفقراء
‏إخراج زكاة الفطر‬ نقدا مسألة اختلف فيها العلماء، ومذهب الجمهور أنها تخرج من الأقوات الزكوية مع تفاصيل اختلف فيها تتعلق بالأصناف.‏ وفي بلاد الغرب قد تكون النقود أفضل لملاءمتها للفقراء. وهو قول أبي حنيفة وقول لدى المالكية رواه عيسى بن دينار.

الدكتور علي القرة داغي الأمين العام للاتحاد العالمي للعلماء المسلمين
84 صحابياً وتابعياً أجازوا دفع زكاة الفطر نقداً
أكد فضيلة الشيخ الدكتور علي محيي الدين القرة داغي، الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، نقلا عن وكالات أنباء أن السؤال حول زكاة الفطر هو من أكثر الأسئلة المتداولة خلال الأيام الأخيرة من شهر رمضان الفضيل، حول ما إذا كان يجوز دفعها نقداً من عدمه، موضحاً أنه وقف على أحد الكتب ألفه أحد علماء اليمن الأجلاء، وذكر فيه أسماء 84 صحابيا وتابعيا يجيزون دفع الزكاة نقداً، مشيداً بالتحقيق الذي وصل إليه العالم اليمني. وقال القرة داغي: الغرض من زكاة الفطر هو إغناء الفقراء، وهذا يتحقق بالطعام إن كان الطعام خيرا لهم، وبالمال والنقد إذا كان في ذلك خير لهم، وحتى شيخ الإسلام ابن تيمية يرى بنفس الرأي، وكذلك رأي فقهاء المذاهب. 

المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث يجيز إخراجها نقدا
ناقش المجلس موضوع (تقدير قيمة زكاة الفطر نقداً في البلدان الأوروبية)، وقرر بخصوصها ما يلي: بما أنه يجوز إخراج القيمة النقدية في زكاة الفطر، فذلك يستلزم مراعاة تغيّر الأسعار حسب اختلاف الزمان والمكان

عُلماء المغرب يُجيزون إخراج زكاة الفطر نقدًا
أجاز المجلس العلمي الأعلى إخراج زكاة الفطر نقدا، وذلك لمن "رأى ذلك أسهل عليه وأيسر له في أدائها، وأفيد وأنفع للآخذ المنتفع بها من فقير ومسكين"، حسب نص الفتوى، التي أصدرها المجلس نقلا عن وكالات أنباء؛ كما أوضحت فتوى المجلس العلمي، أَن هذا الرأي القائل بجواز إخراج زكاة الفطر بقيمتها النقدية، استنادا إلى حكمة مشروعيتها من إغناء الفقير والمسكين، واستنباطا من نصوص بعض الأحاديث الواردة في زكاة الأموال بصفة عامة، يدخل في باب الأخذ بمبدأ اليسر ورفع الحرج عن الناس في بعض الأمور والأحوال التي تقتضيه، باعتباره أصلا متأصلا في دين الإسلام وشريعته السمحة، بنص القرآن الكريم والسنة النبوية، وفيه يقول الله تعالى: "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر"›، ويقول سبحانه: "وما جعل عليكم في الدين من حرج"، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " يسروا ولا تعسروا".

فتاوى
ما حكم زكاة الفطر و وقتها ؟
الجـواب:
زكاة الفطر واجبة بالسُّنَّةِ، فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من غالب قوت أهل البلد عن كل نفس، فتجب على الرجل وعن أولاده إلى البلوغ وبناته إلى الزواج، وعن زوجته، وأبويه الفقيرين. ووقت وجوبها من غروب شمس ليلة العيد، ويجوز إخراجها قبله بيومين أو ثلاثة، ولا تسقط بِمُضِيِّ زمنها لمن وجبت عليه، وزمنها الذي تؤدى فيه من غروب شمس ليلة العيد إلى غروب شمس يوم العيد، فمن لم يجدها في اليوم المذكور حتى غربت الشمس سقطت عنه، بخلاف واجدها فلا تسقط عنه، ويأثم بتأخيرها لفوات الحكمة منها، وهي إغناء الفقير في يوم العيد، حتى لا يلجأ للسؤال لقوله عليه الصلاة والسلام: «أغنوهم عن سؤال هذا اليوم»، وجاء في سنن ابن ماجه رحمه الله وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم وطعمة للمساكين.
هل يجب أن أخرج زكاة الفطر لرمضان الماضي بعد أن نسيت إخراجها في وقتها ؟ وهل يجوز أن أخرجها عن والدتي؟
الجـواب:
إن زكاة الفطر واجبة بالسنة، فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل مسلم يملك قوته وقوت من تلزمه نفقتهم يوم العيد وإن استدان لها راجيا وفاء هذا الدين، ولا تسقط عمّن وجبت عليه بمضي زمن إخراجها، فإن غفلت عنها أيها الأخ الكريم وقت وجوبها وكنت ممّن وجبت عليهم، بقيت في ذمتك ووجب عليك إخراجها عنك وعمن تلزمك نفقته ومن بينهم والدتك إن كانت محتاجة إلى نفقتك، ولو مضت سنوات على وقت وجوبها.                      وزارة الشؤون الدينية

دار الإفتاء المصرية
نرجح جواز إخراج زكاة الفطر نقدا
إخراج زكاة الفطر طعامًا هو الأصل المنصوص عليه في السنة النبوية المطهرة، وعليه جمهور فقهاء المذاهب المتبعة، إلا أن إخراجها بالقيمة أمر جائز ومُجْزِئ، وهو مذهب طائفة من العلماء يُعْتَدُّ بهم، كما أنه مذهب جماعة من التابعين، منهم: الحسن البصري فروي عنه أنه قال: «لا بأس أن تعطى الدراهم في صدقة الفطروأبو إسحاق السبيعي فعن زهير قال: «سمعت أبا إسحاق يقول: أدركتهم وهم يعطون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام وعمر بن عبد العزيز؛ فعن وكيع،  عن قرة قال: «جاءنا كتاب عمر بن عبد العزيز في صدقة الفطر: نصف صاع عن كل إنسان أو قيمته: نصف درهم» وهو مذهب الثوري، وأبي حنيفة، وأبي يوسف.
وهو مذهب الحنفية، وبه العمل والفتوى عندهم في كل زكاة، وفي الكفارات، والنذر، والخراج، وغيرها وهو أيضًا مذهب الإمام الناصر، والمؤيد بالله من أئمة أهل البيت الزيدية وبه قال إسحاق بن راهويه، وأبو ثور، إلا أنهما قيدا ذلك بالضرورة، كما هو مذهب بقية أهل البيت، أعني جواز القيمة عند الضرورة، وجعلوا منها: طلب الإمام المال بدل المنصوص. وهو قول جماعة من المالكية؛ كابن حبيب، وأصبغ، وابن أبي حازم، وابن دينار وابن وهب على ما يقتضيه إطلاق النقل عنهم في تجويز إخراج القيم في الزكاة، الشاملة لزكاة المال وزكاة الرءوس، بخلاف ما نقلوه عن ابن القاسم وأشهب، من كونهما أجازا إخراج القيمة في الزكاة إلا زكاة الفطر وكفارة الأيمان. وعليه، فنرى أن هناك جمعًا لا بأس به من الأئمة والتابعين، وفقهاء الأمة ذهبوا إلى جواز إخراج قيمة زكاة الفطر نقودًا، هذا في عصورهم القديمة وقد كان نظام المقايضة موجودًا، بمعنى أن كل السلع تصلح وسائل للتبادل وخاصة الحبوب، فكان بيع القمح بالشعير، والذرة بالقمح وهكذا، أما في عصرنا وقد انحصرت وسائل التبادل في النقود وحدها، فنرى أن هذا المذهب هو الأوقع والأرجح، بل نزعم أن من خالف من العلماء قديمًا لو أدرك زماننا لقال بقول أبي حنيفة، ويظهر لنا هذا من فقههم وقوة نظرهم. كما أن إخراج زكاة الفطر نقودًا أَولى للتيسير على الفقير أن يشتري أي شيء يريده في يوم العيد؛ لأنه قد لا يكون محتاجًا إلى الحبوب، بل هو محتاج إلى ملابس، أو لحم، أو غير ذلك، فإعطاؤه الحبوب يضطره إلى أن يطوف بالشوارع ليجد من يشتري منه الحبوب، وقد يبيعها بثمن بخس أقل من قيمتها الحقيقية، هذا كله في حالة اليسر، ووجود الحبوب بكثرة في الأسواق، أما في حالة الشدة وقلة الحبوب في الأسواق، فدفع العين أولى من القيمة مراعاة لمصلحة الفقير. فالأصل الذي شرعت له زكاة الفطر مصلحة الفقير وإغناؤه في ذلك اليوم الذي يفرح فيه المسلمون، وقد ألَّف العلامة أحمد بن الصديق الغماري كتابًا ماتعًا في تلك المسألة أسماه «تحقيق الآمال في إخراج زكاة الفطر بالمال»، ورجَّح فيه مذهب الحنفية بأدلة كثيرة، ومن أَوْجه عديدة، وصلت إلى اثنين وثلاثين وجهًا؛ لذا نرى ترجيح قول من ذهب إلى إخراج قيمتها، وهو الأولى في هذا الزمان. وجدير بالذكر أن ننبه أنه من المقرر شرعًا أنه «إنما ينكر المتفق عليه، ولا ينكر المختلف فيه»، وما دام هناك من الفقهاء من أجاز إخراج زكاة الفطر نقودًا -وهؤلاء ممن يعتد بقولهم ويجوز تقليدهم-، فلا يجوز تفريق الأمة بسبب تلك المسائل الخلافية.

الرجوع إلى الأعلى