السبت 3 ماي 2025 الموافق لـ 5 ذو القعدة 1446
Accueil Top Pub

فضيلة

لم يكن الصّديق الذي تسلّم منها أوراقَ حصّتها الأخيرة بإذاعة قسنطينة يتوقّع صمودها في الغُربة، لذلك كان الوداع مُعفى من مخاوف الفقدان وآلامه، حين بلغا حيّ فيلالي بعد مشوار صباحيّ، فتحت حقيبتها وأخرجت الأوراق: سلّمها لمراد، سيقدّمها هو!
ثم مضت نحو الحافلة التي حملتها لوداعٍ آخر، كان ذلك يومها الأخير في سيرتا، بعد مرحلة عملٍ في الصّحافة التي "ازدهرت" وقتها تماماً كما ازدهر العنفُ والموتُ المجانيّ، وكانت وجهةً للمبدعين الذين تفرّقوا بين صحفٍ، سيُحوّل أصحابها عائداتها إلى عقارات وحوانيت، وقد تجد بينهم من لم يتعب إلى يوم الله هذا من ارتداءِ لقب الإعلاميّ ، ولا يتردّد في تقديم المواعظِ وإطلاقِ الشّتائم في الفايسبوك، بعد أن يفرغ من بيع الأواني!
 مضى زمنٌ على ذلك التاريخ، لكنّها صمدت في غُربتها البيروتيّة حيث مدّت جذورها في جبل لبنان من دون أنّ تغفل لحظة عن أوراسها أو عن قسنطينتها، مثلما ظلّت وفيّة لخطّ سيرها الأوّل الذي جعلها تهجرُ الطّب وتتخذّ من الأدب وسيلة  لإدانةِ الإيديولوجية الذكوريّة التي يفرضها مجتمعٌ أبويٌّ، خطُّ رسمته وهي طالبة في جامعة قسنطينة ، ولا يزال صالحاً للسير، لأنّ وضع المرأة وإن تغيّر بفضل التشريعات واكتساحها سوق العمل الذي يمنحها حصانةً اقتصاديّة، إلا أنّه لا يزال يعاني من تأثيرات المخزون الاجتماعيّ الذي يفرز "التّحقير" ويُسوّقه بتعليبٍ عصريٍّ.
 ومثلما عانت فضيلة الفاروق من سوءِ الفهم وسوء التقبّل في بدايتها، فإنّها مازالت تواجه "السّوء" ذاته مع اختلافٍ في الأساليب و في أدوات الرد.
وربما تتلخّصُ "مشكلتها"، إن جاز أن نُسميّ ذلك مشكلة، في صراحتها التي تجعلها تسميّ الأشياء بمسمّياتها، في الأدب كما في الحياة، أي أنها ظلّت على عفويّتها طفلةً شاويّة لم تشرب من نفاق المُدن ورفضت التمرّن على الحيّل الذي تُتيحه الحياة المدينيّة.
وتتقاسم هذا الوضع مع كتاّبٍ يواجهون "مشكلات التلقي" بسبب الجُرأة في الكتابة والصّراحة في التّصريح، كما هو شأن رشيد بوجدرة، مثلاً، الذي قُوبل منذ ظهوره في السّاحة الأدبيّة بعدوانٍ لا يتوقّف.
تقول إنّها لا تنتظر التّقدير في مجتمعات لا تقرأ الأدب أصلاً، وتعتبر الكتابة أسلوب عيش ونضالٍ، لذلك تستحقّ فضيلة اسمها، وتستحقّه أيضاً لأنّها أمٌّ شرسة لأصدقائها وأفكارها.
سليم بوفنداسة

المزيد من الأعمدة

حقدٌ مُزمن

تُظهر فئة من الكتّاب الفرنسيين حقدًا أسودَ على الجزائر، لخّصه الكاتب جون بول انتوفان بالقول إنّه...

  • 28 أفريل 2025
حرجُُ المُنافح

حاولت فرنسا في حملتها المتواصلة على الجزائر تجنيد كتّاب جزائريين تحت عناوين حريّة الإبداع والدفاع...

  • 21 أفريل 2025
ظُلمات

تعرفُ العلاقات الدوليّة مقدّمات أزمة أشبه ما تكون بحربٍ كونيّة جديدة تعيدُ توزيع الأدوار بين سكّان غابتنا،...

  • 14 أفريل 2025
اسمي حمزة

اسمي حمزة، كان لي رأسٌ. كانت لي عينان و أحلامٌ صغيرة لا أعلنها. ربما أشبه أحمد الذي لم يعثـروا على رأسه،...

  • 07 أفريل 2025
هوس فرنسي

تحوّلت الجزائر، هذه الأيام، إلى «لازمة» على ألسنة السّاسة والنّخب في فرنسا، وإلى موضوع أثيرٍ على...

  • 24 فبراير 2025
«واقعيّة قذرة»

لن تهنأ الإنسانيّة بعائدات التطوّر العلمي الذي يفترض أن يساعد في حلّ المشكلات ويجعل الحياة أيسر...

  • 17 فبراير 2025
العالمُ برواية «ماسك»!

تحوّل الملياردير الأمريكي إيلون ماسك إلى كابوسٍ حقيقيٍّ يُؤرّق ساسةً وصنّاعَ قرارٍ في أوروبا، وفق...

  • 20 جانفي 2025
سوارٌ إلكتروني

ظلّت الثقافة على الدوام من أدوات الهيمنة التي تستخدمها قوى استعمارية، في آلية فكّكها إدوارد سعيد...

  • 13 جانفي 2025
حياة في الثقافة

غادر بوداود عميّر فجأة، بعد أن لمّح إلى غيّابٍ مُؤقّت اتقاء شرّ مُنتحلٍ سرق هويّته، قبل أن ينجح...

  • 23 ديسمبر 2024
أبوابٌ ونوافذٌ

بيّنت الأحداث الأخيرة، التي استخدم فيها طرفٌ أجنبيٌّ، كاتبين جزائريين ضدّ بلدهم الأم، في حرب...

  • 09 ديسمبر 2024
صوتُ الحياة

شاخ الوقتُ حولها لكنّها ظلّت في مقتبل الصّبا تسقي الدهشة وتشيعها، لأنّ المنادي الذي نادى النّاس...

  • 25 نوفمبر 2024
المُنمركون !

يصعبُ توقّع ما ستكون عليه الحياة بعد سنوات قليلة، نتيجة التدخّل المفرط للتكنولوجيا فيها، الذي لا...

  • 18 نوفمبر 2024
لا تلوموا أسامة!

يطرحُ الإقبال "غير المتوقّع" على الكاتب السعودي أسامة المسلم في صالون الجزائر الدولي للكتاب،...

  • 11 نوفمبر 2024
«لأسبابٍ سياسيّة» !

قبل سويعات من الكشف عن الفائز بجائزة الغونكور، أمس، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن ناشرٍ قوله، إن...

  • 04 نوفمبر 2024
الصّورة و النّص

عاش كاتب ياسين حياةً قليلة وبسيطة، عانى فيها من "سوء الفهم" و الأسطرة، فضلا عن الجدل الذي لم يفتر...

  • 28 أكتوير 2024
المُستريحون

تُخفي الفرحةُ بموت أحدٍ، حالة قهرٍ عاشها الفَرِحُ في وجود الرّاحل الذي حقّقت ميتتُه زوال غمٍّ،...

  • 21 أكتوير 2024
طفولــة

سليم بوفنداسة ينشغلُ عددٌ غير قليل من الجزائريين بنظرة الآخر التي تتحوّل إلى مصدر فخرٍ أو سبب...

  • 15 أكتوير 2024
ضرورة الفرز

سليم بوفنداسة لا يواجه الأدب الجزائري مشاكل في التلقي فحسب بل يواجه أيضًا مشاكل في الكتابة...

  • 01 أكتوير 2024
سُقــــوط

سليم بوفنداسة فرضت ثقافة السّوق التي تهيمن على عالمنا المعاصر نمطًا جديدًا من النّخب، تنتجه...

  • 24 سبتمبر 2024
حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com