موسم “الاحترازات” يكشف حاجة البطولة لثورة في النصوص والتنظيم
كشفت أطوار الموسم الكروي الجاري عن وجود الكثير من الفراغات في النصوص القانونية التي تعتمدها الإتحادية الجزائرية لكرة القدم في تنظيم وتسيير مختلف البطولات، خاصة في الشق المتعلق بالجانب الإنضباطي، ومدى انعكاس القرارات المتخذة على نتائج المباريات، في حال طفو إشكال قانوني على السطح، ولو أن حقيقة الميدان أثبتت بالموازاة مع ذلك بأن "الاحتراف" في البطولة الوطنية يبقى مجرد إجراء إداري تم اتخاذه قبل نحو عشرية من الزمن، لأن الأندية مازالت بعيدة عن هذه الخطوة، على اعتبار أن الهيكلة الإدارية تبقى بمثابة الأساس الذي يرتكز عليه هذا المشروع.
وكانت قضية مقابلة سريع غليزان ووفاق سطيف، في إطار الجولة 21 لبطولة الرابطة المحترفة الأولى القطرة التي أفاضت الكأس، و"عرّت" الوضعية الحقيقية التي تعيش على وقعها المنظومة الكروية الوطنية، لأن هذه المباراة وضعت الهيئات الكروية على اختلاف درجاتها أمام الأمر الواقع، في غياب نصوص قانونية تسمح للجنة المكلفة بدراسة القضايا المطروحة على طاولتها وفق لوائح محددة، ليكون فتح باب الاجتهاد فرصة للذهاب بعيدا في هذه القضية، والوصول بالملف إلى المحكمة الرياضية الدولية بلوزان، كما حدث الموسم الفارط في قضية "الكلاسيكو" العاصمي بين المولودية والاتحاد، والذي كانت نهايته خسارة الفاف للقضية.
ويكمن جوهر الإشكال الذي يبقى قائما في مثل هذه الحالات عدم إقدام الفاف على سن نصوص قانونية "واضحة" تتكيف مع الظروف الاستثنائية التي يشهدها العالم برمته، جراء تفشي فيروس كورونا، لأن قرار اللجنة العلمية بالتنسيق مع وزارة الشباب والرياضة المتخذ خلال الصائفة الماضية، والقاضي بالترخيص باستئناف المنافسات الكروية تدريجيا كان يحتم على المكتب الفيدرالي المنتهية عهدته سن نصوص قانونية تراعي الإجراءات الإستثنائية التي تقرر إتباعها، خاصة بعد ضبط "بروتوكول" صحي، تضمن جملة من الحواجز الوقائية التي يبقى لزاما على النوادي التقيّد بها، لكن هذا الأمر لم يجد طريقه إلى التجسيد، وانطلق الموسم وسط "ضبابية" كبيرة من الناحية القانونية، لأن الإشكاليات المقترنة بها الجانب بالأساس مدى صحة تحاليل "بي ـ سي ـ آر"، لأن الرابطة المحترفة ترسل "مناجير كوفيد" للتكفل بمهمة معاينة النتائج المقدمة له، وكذا السهر على تطبيق "البروتوكول" الصحي، من دون حيازته على أي سلاح قانوني يخول له اتخاذ إجراءات "ردعية"، والقرار الوحيد الذي يحق له اتخاذه يتمثل في عدم السماح بإجراء المقابلة، إذا ما كان متأكدا من عدم صحة الوثائق "الطبية" المقدمة له، أو ثبوت تواجد عناصر من أحد الفريقين مصابة بفيروس كورونا، لأن هذا الأمر منصوص عليه في "البروتوكول" الذي اعتمدته الوزارة.
سقوط إدارة وفاق سطيف في المحظور بغليزان، من خلال تقديم نتائج تحاليل انتهت مدة صلاحيتها، وضع الرابطة المحترفة في مفترق الطرق، لأنها لم تجد أي سند قانوني تلجأ إليه عند دراسة مضمون التقرير الذي كان قد أكده "مناجير كوفيد" المكلف بمهمة الإشراف على تلك المواجهة، لأن الدكتور لولاد لم يطبق القانون في الملعب، رغم تحفظه على نتائج تحاليل بعض عناصر الوفاق، وكان من المفروض أن يمنع اللاعبين الحائزين على نتائج "قديمة" من دخول الملعب والمشاركة في المقابلة، سيما وان عملية المراقبة تتم على مستوى مدخل الملعب عند النزول من الحافلة، وهذه الهفوة كانت وراء تفجير قضية، لم يكن أمام لجنة الانضباط بالتنسيق مع اللجنة الطبية الفيدرالية سوى فتح باب الاجتهاد لدراستها، لأنه لا يوجد أي نص قانوني يتكيف مع معطيات هذا الملف، والعقوبات "الاستثنائية" التي أرفقتها الفاف بالتدابير التنظيمية للموسم الجاري لم تتطرق إطلاقا لمثل هذه الحالات.
أخطاء "بدائية" تعري "الإفلاس" الإداري للنوادي
المشهد الثاني من هذه القضية، كشف عن عدم بلوغ النوادي الجزائرية درجة "الاحتراف" الإداري، رغم أن البطولة المحترفة أدركت نسختها الحادية عشرة، لأن إقحام سريع غليزان للاعب معاقب يلقي بكامل المسؤولية على عاتق الأمين العام للنادي، على اعتبار أن النصوص القانونية واضحة، والفقرة 3 من المادة 103 من قانون بطولة الرابطة المحترفة تنص على أن اللاعب الذي يجمع 4 إنذارات يتعرض لعقوبة آلية، والمادة 131 من نفس القانون تؤكد على أن الإنذارات التي تقل عن أربعة في البطاقة التأديبية للاعب قبل انطلاق مرحلة الإياب تلغى بصورة أوتوماتيكية، إلا أن قضية اللاعب يونس كول الخير جاءت لتؤكد على أن إدارة سريع غيليزان لم تتابع إطلاقا الوضعية التأديبية لعناصرها، سيما وان اللاعب المعني كان قد تحصل على إنذار آخر في المباراة التي كان من المفروض أن يستنفد فيها عقوبته.
هذا الخطأ الإداري "الفادح" كلف "الرابيد" خسارة المباراة، مع التعرض لعقوبة أخرى تتمثل في خصم 3 نقاط أخرى من الرصيد، لأن إدارة وفاق سطيف، وموازاة مع تقصيرها في قضية نتائج تحاليل اللاعبين، احترمت الاجراءات المنصوص عليها في المادتين 92 و 93 من قانون الرابطة المحترفة، والمحددة للخطوات الواجب مراعاتها عند التقدم باحترازات، لأن هذا الشق كان قد تسبب في الزوبعة التي أثيرت حول تحفظات إدارة نادي بارادو على لاعب شبيبة الساورة أسامة مداحي.
وإذا كان الجميع يتساءل عن سبب طفو قضايا الاحترازات على السطح في الموسم الجاري من بطولة الرابطة المحترفة الأولى، فإن المؤكد أن السبب هو "إفلاس" النوادي من الناحية الإدارية، وعدم بلوغها درجة الاحتراف، لأن متابعة الوضعية التأديبية للاعبين تبقى من الأمور "البدائية" في التسيير الكروي، ومن ابسط المهام الموكلة للأمين العام، لكن الأمور وصلت حد الاستفسار مع اللاعب حول ما إذا قد تحصل على إنذار في مقابلة معينة، وهذا ما حدث لشبيبة الساورة.
قضية مداحي كشفت حقيقة الضعف الإداري الذي تعاني منه أغلب النوادي الجزائرية من حيث التنظيم والهيكلة، على اعتبار أن اللاعب شارك في 6 مباريات وهو تحت طائلة العقوبة، من دون أن يتفطن أي منافس لوضعيته غير القانونية، رغم أن لجنة الانضباط التابعة للرابطة تنشر محاضر جلساتها بعد 48 ساعة من كل جولة، مما يتيح فرصة ضمان المتابعة الدورية المنتظمة.
سقوط مداحي وشبيبة الساورة في "المحظور"، تسبب من جهة أخرى في كشف عدم مسايرة الأمانة العامة لنادي بارادو لمستوى "الاحترافية" الذي بلغه فريق "الأكاديمية"، لأن جهل القوانين المتعلقة بكيفية تقديم احترازات حرم "الباك" من فوز بثلاث نقاط على البساط، بعد إعادة لجنة الطعون النظر في القضية، إذ تبيّن بأن الكاتب العام للفريق هو من تكفل بتدوين الاحترازات على ورقة المقابلة، مخلا بذلك بالتدابير التي تلزم الحكم الرئيسي بتسجيل أي نوع من التحفظات، والتي تم الشروع في العمل بها منذ سنة 2015.
بين هذا وذاك، يبقى الضعف الإداري من بين أكبر المشاكل التي تعاني منها النوادي الجزائرية، الأمر الذي يتسبب دوما في ظهور إشكاليات تنظيمية بين الأندية والرابطة المحترفة، سيما وان القوانين المعمول بها مازالت بحاجة ماسة إلى إعادة تكييف، لتغطية الفراغات التي تكشفها بعض الحالات الاستثنائية التي يتم تسجيلها.
صالح فرطاس