يعتبر ريان آيت نوري من أبرز المواهب الجزائرية الناشطة في أوروبا، وتألق المنتقل حديثا لنادي مانشستر سيتي لم يكن وليد الموسم الماضي، وإنما راجع لأزيد من 6 سنوات، حينما واجه نجوم باريس سان جيرمان في أول لقاء له كلاعب محترف في الدوري الفرنسي، إبداع تواصل بمرور السنوات، ليتطور أكثر بعد صقله بعاملي الخبرة والتجربة، ليتحول أصيل مدينة بجاية لأحد أفضل الأظهرة على مستوى العالم بفضل سرعته الفائقة وتمريراته الدقيقة ومراوغاته الساحرة، التي أمتع بها الجماهير في أوروبا ومعها الجزائرية في مباريات المنتخب.
حاتم بن كحــــول
وولد ريان آيت نوري، لأبوين من تازمالت بولاية بجاية في الجزائر، يوم 6 جوان سنة 2001 في مدينة «مونتروي»، وهي بلدية فرنسية تقع في مقاطعة سين سان دوني ضمن منطقة باريس الكبرى، في منطقة «إيل دو فرانس»، وهي ثاني أكبر مدينة من حيث عدد السكان في مقاطعة سين سان دوني، بعد سان دوني، كما أنها رابع أكبر مدينة من حيث عدد السكان في منطقة «إيل دو فرانس».
وتحوّل ذلك الطفل الصغير الناشئ في مدينة لم تنجب الكثير من لاعبي كرة القدم، رغم أنها تحتضن العديد من عائلات الجالية الجزائرية، إلى أحد نجوم الساحرة المستديرة، ليكون نسخة شبيهة بالمدينة التي نشأ وترعرع بها، لاعب فريد من نوعه بفضل مراوغاته وتقنياته العالية وكذا بأخطائه الدفاعية الغريبة، ليكون مزيجا بين الجمال الطبيعي لمدينته والكوارث الطبيعية التي تهددها في كل فترة، بما أن مدينة مونتروي تتعرض لنوعين من المخاطر الطبيعية، الأولى عبارة عن الفيضانات، نظرًا لموقعها قرب مجمعات مائية واسعة، ما يحدث فيضانات غالبا تكون كبيرة، إضافة إلى هزات أرضية تحدث انزلاقات، وهي كوارث ناتجة بسبب طبيعة تربتها الطينية، كما تسبب جفاف ضرب المدينة سنة 2003 في أضرار كبيرة للسكان، ما جعل الإعلام المحلي هناك يصفها «المدينة الطبيعية المهددة بالكوارث الطبيعية».
تألق كصانع ألعاب وسرعته قادته لمركز الظهير الأيسر
انضم ريان إلى أكاديمية الشباب في نادي «فال دي فونتان» في سن الثامنة، وبقي هناك لمدة ثلاث سنوات قبل أن ينتقل إلى نادي «لو بيرو 94» عام 2012 في سن الـ11، وحتى سن الـ12 لعب ريان في مركز رقم 10، وهو ما يفسر تألقه عند إشراكه في وسط الميدان، إضافة إلى أن السر خلف تميزه بتقنيات عالية تمكّنه من القيام بمراوغات فريدة من نوعها، ولكن عندما طلب منه الانتقال إلى مركز الظهير الأيسر، وجد مساحة أكثر على الأطراف، وتمكن من استغلال مهاراته الهجومية الفطرية، وسرعته، ومراوغاته بشكل أفضل، ليكون اليوم من أفضل الأظهرة على مستوى العالم.
وبعمر الـ14 انضم آيت نوري إلى نادي أفسي باريس، حيث أمضى عامين لينتقل بعدها إلى أنجي وواصل تعليمه في أكاديمية الشباب، وانضم إلى الفريق الأول في سن الـ17، لتكون الانطلاقة الأولى، شهر أوت من سنة 2018، عندما ظهر لأول مرة مع الفريق الأول لنادي آنجي ضد باريس سان جيرمان في ملعب «بارك دي برانس»، حيث واجه الشاب صاحب الـ17 عاما حينها نيمار وكيليان مبابي، وبالتالي واجه أبرز نجوم الكرة الأوروبية في أول لقاء له مع الأكابر.
تطوّر رهيب و»الهاوي» يلتحق بعملاق انجليزي
ترسّخت تلك المباراة في ذاكرة الدولي الجزائري، لتكون لحظة خالدة في مسيرته الكروية، وقال بشأنها إنها «لحظة لن ينساها أبدا ومكافأة على كل الجهد الذي بذله ليصبح لاعب كرة قدم محترف»، وأضاف في تصريحات نقلها موقع «مانشستر سيتي»: «كنت سعيدا جدا وفخورا جدا لأن كل تضحية قدمتها في صغري لأكون لاعب كرة قدم محترف، أتت بثمارها»، وشدد آيت نوري: «عندما شاهدتني عائلتي على التلفزيون، كان الأمر مؤثرا للغاية بالنسبة لوالدتي وكنت فخورا جدا».
وبعد سنتين من التألق في الدوري الفرنسي، وتحديدا في سن الـ19، اكتشف ولفرهامبتون موهبة ريان، ليقوم بانتدابه على شكل إعارة لما تبقى من موسم 2020/2021، ليبرهن على علو كعبه خلال المباريات التي شارك بها في دوري جديد ومختلف عن الفرنسي، ليقوم نادي الذئاب بالتعاقد معه لمدة أربعة مواسم أخرى، كان خلالها من أفضل لاعبي الفريق في كل موسم، ما جعل مستواه أكبر من النادي الأصفر والأسود، وبالتالي اقتنع بضرورة تغيير الأجواء وتحويل الهدف من ضمان البقاء إلى التتويج بالألقاب، ليقرر الانتقال لأفضل نادي يمكن أن يضمن له الألقاب وهو نادي مانشستر سيتي، الذي انتدبه للتألق بملعب «الاتحاد» بطلب من المدرب بيب غوارديولا.
وأدلى آيت نوري بتصريحات على الساخن، لموقع ناديه الجديد «مانشستر سيتي» فور إمضائه، أكد خلالها أن قدوته في كرة القدم، هو لاعب ريال مدريد، البرازيلي مارسيلو، والذي ينشط في نفس منصبه، بل أن قصة شعره كانت شبيهة به، وعن ذلك قال الظهير الأيسر الجزائري: «عندما كنت صغيرا، شاهدت مارسيلو كثيرا في ريال مدريد»، وأضاف: «بالنسبة لي، هو أفضل ظهير أيسر في عصرنا، إنه جيد جدا وذو مهارات فنية عالية ويمتلك مهارات عالية مع الكرة، لقد أحببته».
فضّل الجزائر بعد مشاركات متتالية مع ناشئي الديوك
اختار آيت نوري تمثيل منتخب الجزائر على المستوى الدولي على حساب فرنسا، في جانفي 2023، ليخوض مباراته الدولية الأولى ضد النيجر بعد ثلاثة أشهر، قبل أن ينضم إلى تشكيلة كأس الأمم الإفريقية 2023، وكان حينها اللاعب متواجدا ضمن قائمة المنتخب الفرنسي للآمال، ولكنه لم ينتظر على غرار الكثير من اللاعبين فرصة الاستدعاء لصنف الأكابر بل فضل الالتحاق بالخضر مبكرا، ما يؤكد أن اختياره كان محسوما قبل حدوث أي تطور مستقبلا، وأوضح في هذا الصدد قائلا: «الجزائر هي جذوري منذ صغري، كنت أزور بلدي دائما، وكنا نتحدث اللغة العربية فقط».ويعد تمثيل الخضر مصدر فخر كبير لريان آيت نوري، الذي يسير على خطى مواطنيه ونجمي السيتي السابقين علي بن عربية ورياض محرز، اللذين ولِدا في فرنسا ولعبا مع السيتي ومنتخب الجزائر، وقال آيت نوري: «قبل الانضمام إلى المنتخب الجزائري، كنت أعرف جيدا كيف ستكون الأمور، نشأ الكثير منا في منطقة إيل دو فرانس وجميعنا تقريبا لدينا نفس القصة، وقد بدأ كل شيء في أحيائنا»، وأشار: «المنتخب الوطني يتميز بروح عائلية، الجميع يتحدثون معا وهناك احترام كبير بيننا ولا بد من تجربة ذلك، إنه شعور لا يوصف».
أفضل موسم لريان يقوده إلى كتيبة غوارديولا
ومكّن الموسم المنقضي حديثا، والذي يعتبر أفضل مواسم الدولي الجزائري «بالمريميرليغ»، من الانتقال لأحد أفضل النوادي الانجليزية والأوروبية حاليا، بعد أن كان أحد أفضل لاعبي فريقه على غرار الموسم الماضية، بعد أن شارك في أكبر عدد من المباريات مع ولفرهامبتون والبالغ عددها 37 مباراة، وغاب عن مباراة واحدة فقط في الدوري الإنجليزي الممتاز، كما سجل خمسة أهداف وقدم سبع تمريرات حاسمة، وهو أعلى معدل هجومي في مسيرته حتى الآن، أرقام مكنت ذلك الشاب اليافع قبل 6 سنوات، من اللعب تحت قيادة احد أفضل المدربين في العالم.على الرغم من هذه الإنجازات الشخصية الرائعة، كان آيت نوري أكثر اهتمامًا بمساهمتهم في النجاح الجماعي، وقال: «بالنسبة لي، لا أنظر إلى المساهمة الفردية، فالأهم هو الفريق، سأعمل دائمًا من أجل الفريق، وسأبذل قصارى جهدي من أجله، لأن هذا هو الأهم»، وأضاف: «عندما تبذل قصارى جهدك من أجل الفريق، من أجل المدرب، من أجل الجماهير، عندها يمكنك الاستمتاع بلحظاتك الرائعة».ويعتبر آيت نوري، من اللاعبين الهادئين داخل الملعب أو خارجه، رغم ما تشهده كرة القدم من تقلبات كثيرة، وقال: «سواء ألعب مباراة جيدة أو سيئة، فأنا أبقى على نفس المنوال»، وأضاف: «إذا لعبت مباراة جيدة، أفكر في أشياء أخرى، لكن بعد مباراة سيئة أرغب في صرف انتباهي عنها، حيث عندما أستحم وأغادر الملعب، أنعزل عن العالم»، وشدد: «أتحدث مع عائلتي وهم يساعدونني كثيرا، أحيانا يكون من المفيد لعقلك أن تكون قريبا من عائلتك، كما يمكنهم التحدث عن أشياء أخرى غير كرة القدم لإبعادي عن التفكير فيها».وأكد أن مساندة والده وشقيقه كانت لها مفعول إيجابي في مسيرته، قائلا: «أبي أو أخي، كانا معي دائمًا، يرافقانني أينما كنت في صغري، عندما كنا نلعب خارج أرضنا، كانا يتنقلان دائمًا معي، لقد شجعاني لأصبح محترفًا وقدمّا لي النصائح»، وفي أسئلة شخصية طرحت على اللاعب الشاب عند تقديمه، حول أفضل 3 صفات يحبها في كرة القدم، ردّ: «أحب اللعب الجماعي والتمرير والمراوغة»، كما أكد تفضيله للحرف الذي يبدأ به اسمه وهو حرف «ر»، أما عن أكلته المفضلة فأوضح أنها «الكباب»، فيما صرح أنه يفضل مشاهدة الأفلام عندما يكون خارج ميدان كرة القدم، واختار فيلم «تايكن» كأفضل فيلم بالنسبة له، فيما فضّل الفنان جول، كأفضل موسيقي بالنسبة له، أما عن لاعبه المفضل في مانشستر سيتي فاختار إبن بلده رياض محرز.