الإرهاب صار حجة أمريكا للتضييق على الحريات و ممارسة القمع
نشرت مجلة «ذي أنترسبت» مقالا حول نشاط نجل المفكر الأكاديمي إدوارد سعيد في مجال الحقوق المدنية و السياسية في مرحلة ما بعد 11 سبتمبر، بقلم الكاتب مرتضى حسين. و نترجمه لقراء العربية هنا كاملا.

بقلم مرتضى حسين- ترجمة عمر شابي

في سنة 1999 كان وديع سعيد بصدد إنهاء دراسته الجامعية في كلية الحقوق في جامعة كولومبيا، لا يدري أين يتجه بمساره المهني.
قبل سنة كانت السفارتان الأمريكيتان في كينيا و تنزانيا قد تعرضتا للتفجير من قبل مجموعة إرهابية صغيرة غير معروفة تسمى القاعدة. محامي محمد الأوحلي المتهم بتدبير التفجيرين، اتصل بالأكاديمي الفلسطيني الأمريكي إدوارد سعيد لمساعدته على الاتصال مع موكله الذي يتكلم العربية، كما طلب مساعدته لفهم سياسات المنطقة. و اقترح سعيد أن يقوم ابنه بتقديم المساعدة.
«بالتأكيد، على ما أعتقد» كان هو الرد المضطرب من وديع حينها.
التجربة كانت مفيدة، فقد جعلت من وديع و هو الآن أستاذ قانون في جامعة كارولينا الجنوبية يسير في طريق القانون و تطبيقاته و النشاط السياسي الحقوقي في الميدان لقضايا الإرهاب في مرحلة ما بعد 11 سبتمبر.
«أخذت فعلا من والدي فكرة الوقوف مع الناس المقهورين، أو الذين بطريقة ما يجدون أنفسهم في الحضيض و خارج المجتمع، أردت تطبيق هذا الدرس من أبي بطرق مختلفة، و منه قراري الأساسي بأن أصبح مدافعا عن العامة» قال وديع سعيد في مقابلة معه، ثم واصل « كنت محظوظا أن أبدأ مساري المهني بقضايا مثيرة للاهتمام و كبيرة، و ذات نبرة سياسية. ثم وصلت إلى اعتقاد أنه من المهم أن تحاول في كل مرة أن تصل إلى تبليغ رسالة المتهم، خاصة في ظل العداء الرسمي الطاغي تجاه كل واحد متهم بالإرهاب، و هو ما قد يقلب الإجراءات القانونية رأسا على عقب».
انتشار الرعب القانوني يلخصه الحكم الصادر عن محكمة الاستئناف سنة 2013 في قضية طارق مهنا، من منطقة بوسطن المتهم بالدعم المادي للإرهاب. مهنا ليس الآن متهما بالتخطيط لأي فعل عنيف. و الاتهامات الموجهة له  بالإرهاب تقوم بالأساس على اتهامه بترجمة مواد إيديولوجية من العربية للإنكليزية و نشرها على الأنترنت.
في حيثيات الحكم الصادر على مهنا بالسجن لمدة 17 سنة كتب القاضي بروس سيليا، مع شيء واضح من الإفراط في الخطاب، «الإرهاب هو الشكل المعاصر من الطاعون، إنه تهديد وجودي»، ثم يضيف أن المتهمين بالإرهاب، حتى و لو أنهم مرة لم يكونوا عنيفين مثل مهنا، ينبغي أن ينتظروا لكي يواجهوا «غلظة» من العدالة.

كتب والدي أثرت كثيرا  في نظرتي للعالم و تضامني مع المقهورين

نظرة وديع سعيد النقدية لهذا النوع من القضايا، موسومة بأكاديمية والده، و بدراساته القانونية. يقول: «لكتب والدي بالطبع تأثير كبير علي، و منها تعلمت كيف أن الصور النمطية السلبية التي تغطي مناطق بأكملها، و ثقافات و لغات و ممارسات دينية لكل واحد يمكن اعتباره جزءا من العالم الإسلامي يمكن أن تكون ساحقة و مؤثرة بشكل كبير». و يواصل أنه «حين تنزاح تلك الصور النمطية لتدخل ميدان المتابعة القضائية للمجرمين، أشعر أنه من المحتم علي أن أبذل قصارى جهدي لأقوم برد الفعل و تبديد أثر تلك الصور في المجال القانوني، خصوصا في القضايا التي تسعى فيها الحكومة لوضع أشخاص في السجن بسبب نشاطات سياسية غير عنيفة، و نشاطات خيرية و أشكال أخرى من التضامن مع الشعوب المقهورة عبر العالم.»
ألف وديع سعيد كتابا جديدا «جرائم الإرهاب/ الآثار القانونية و السياسية للمتابعات الفيدرالية للإرهاب» و فيه يقول أن « الذهنية التي تجعلنا نرى أنفسنا داخل سديم متواصل من الحرب على الإرهاب» قادتنا إلى متابعات قضائية زائدة الحماسة و غير حذرة فيما يتعلق بالإرهاب، بينما تتآكل الوجوه الأساسية لفكرة سيادة القانون.و يقول سعيد للانترسبت «تجاوزات الماضي و من بينها استخدام العنصر المحرض، و الصورة العرقية و التغلغل في الأوساط الجماهيرية من خلال مخبرين كلها طرق عادت إلى الحياة تحت راية محاربة الخطر الذي لم نحدده بدقة».
منذ 11 سبتمبر قامت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية ببذل جهود كبيرة قانونية و غير قانونية لمحاربة الإرهاب، و في ذلك المسعى وسعت صفة «الإرهابي» التي تمددت لتشمل مفاهيم لم تكن تحملها من قبل، و يقول وديع أن الإجراءات التي اتخذت من قبل المحاكم خلقت بالفعل «الاستثناء الإرهابي» بالنظر لما سبق من معايير قانونية. و يتطرق في كتابه جرائم الإرهاب إلى الطريقة التي أثر بها هذا الاستثناء في إنفاذ القانون العادي و الممارسات القضائية في كل مرتبة من الدائرة القانونية. من التحري الأولي و جمع الدلائل إلى المحاكمة و أخيرا النطق بالحكم و التنفيذ.

الطفل وديع لم يكن وديعا في نقد عنصرية النظام القضائي الأمريكي

في المحاكم يتم قبول الدلائل المتحصل عليها من خلال التعذيب، و تجاوز الحقوق المكفولة إجرائيا و حتى الدلائل المتحصل عليها من عناصر دولة أجنبية معروفة بانتهاكاتها لحقوق الإنسان، و تم اعتبار تلك الدلائل مقبولة قانونيا. فأحمد أبوعلي و هو مواطن أمريكي اعترف تحت التعذيب من قبل السلطات السعودية أنه شارك في مؤامرة لقتل الرئيس الأمريكي جورج والكر بوش (الأب)، تم اعتبار اعترافاته بأنها مقبولة من طرف قاضي أمريكي، في محاكمة انتقدتها منظمة العفو الدولية لأنها «من المحتمل أن تشكل سابقة في محاكم الولايات المتحدة تعطي قيمة لمحاضر اعتراف تم الحصول عليها تحت التعذيب و نتيجة المعاملة السيئة». و ابو علي يقضي عقوبة بالسجن المؤبد في سجن أدياكس سوبرماكس في فلورنسا بولاية كولورادو.
و يوضح كتاب وديع سعيد أن انتشار وقف العمل بالإجراءات القانونية العادية كان بارزا في مرحلة غريبة محددة تم وصفها من خلال محاكمة مديري مؤسسة الأرض المقدسة سنة 2007، و التي كانت من أكبر الجمعيات الخيرية العاملة في الولايات المتحدة، و في أثناء المحاكمة تم السماح لعناصر من جهاز المخابرات الإسرائيلي الموساد بتقديم شهادات بهويات مجهولة و بوجوه غير مكشوفة، و تم تقديمهم على أنهم شهود خبراء حول علاقات المؤسسة الخيرية المفترضة مع حركة حماس.  أحد العملاء تم تقديمه للقضاة تحت اسم مستعار «أفي» أخبر المحكمة أنه يستطيع أن يشم رائحة حماس في عمل المتهمين الخيري.
كتاب جرائم الإرهاب يوثق ما يقول عنه مؤلفه أنه رغبة  و إصرار من الحكومة على جعل الحدود الفاصلة بين النشاط السلمي و الإرهاب غير واضحة، و في ظل ذلك يمكن التعامل مع أناس يرفعون شعارات منددة بإجراءات الحكومة غير الشعبية من قبل الجهاز القضائي بنفس الطريقة التي تتم بها معاملة المتهمين بإرتكاب أفعال عنيفة. و خلال محاكمة مؤسسة الأرض المقدسة عرض الإدعاء فيديوهات تحريضية لتظاهرات حركتي حماس و الجهاد الإسلامي، لكي يربط بين المتهمين في أذهان القضاة بالعمل العسكري العنيف، رغم  تسليم الحكومة أن المتهمين أنفسهم كانوا ملتزمين بعمل إنساني بحت.
و بالفعل تم الكشف أثناء المحاكمة أن العديد من المتهمين حاولوا سنة 1996 توضيح قواعد إرسال أموال المساعدات إلى قطاع غزة، دون إثارة شبهة التعرض للاتهام بالدعم المادي وفق التعريف القانوني، لكن طلبهم لم يلق ردا من قبل الحكومة، و تمت إدانة المتهمين في هذه القضية بجرائم الإرهاب و صدر الحكم عليهم بمدد طويلة في السجن على أساس أن تمويلهم للجان خيرية في قطاع غزة سمح بجلب «سمعة» حسنة لحكومة حركة حماس هناك.
و يقول المؤلف أن «واحدا من أهداف الحكومة المرجوة كان بالفعل مساواة السياسات غير الشعبية بكون الشخص إرهابيا، فلا أحد من المتورطين في قضية مؤسسة الأرض المقدسة كانت له علاقة بالعنف و الحكومة أقرت سريعا أنهم كانوا منشغلين بالنشاطات و الأعمال الخيرية، لكن رغم ذلك و لأنهم كانوا يرفعون شعارات حول الوطنية الفلسطينية، و هي سياسة غير شعبية في الولايات المتحدة فقد تمت متابعتهم بنجاح على أنهم إرهابيون، و سيقضون على الأرجح بقية حياتهم في السجن».
و الإحساس بأن قضايا الإرهاب قانونيا استثنائية يشمل كل المراحل القانونية، مباشرة صعودا نحو الوضع في السجن. و حكومة الولايات المتحدة حاليا تقوم بإدارة عدد من السجون الخاصة على أراضيها و تضع فيها المشتبهين بأفعال إرهابية و تسمي تلك السجون وحدات تسيير الاتصال، و هذه الوحدات يتم النظر إليها على نطاق واسع بأنها تمتلك جزءا دينيا و كأنها منشآت جاءت خصيصا لإيواء السجناء المسلمين. و في سنة 2011 وثق تقرير للإذاعة الوطنية الحكومية وجود تلك المنشآت التي أطلقت عليها كنية «غوانتانامو الشمال»، و بينت الإحصائيات أن ثلاثة ارباع من نزلاء تلك الوحدات من المسلمين و هو ما يفوق المعدل العام لنزلاء السجون في بقية الولايات المتحدة بعشرة أضعاف.
و حتى الغير محظوظين من نزلاء سجون مثل أدياكس سوبرماكس في كولورادوا يتم وضعهم في زنزانات إنفرادية بناء على ما يسمى إجراءات إدارية خاصة، و التي تحد من قدراتهم على التواصل مع بقية النزلاء و أصدقائهم و ذويهم خارج السجن، و تمنع عنهم تلك الإجراءات الحصول على الأخبار من العالم الخارجي.
و حتى لو أن تلك الإجراءات تبررها محاولة منع الإرهابيين المحكوم عليهم من توجيه أوامر لمتواطئين محتملين معهم ففي الواقع يقول وديع سعيد فهي لا تؤدي إلى أي غرض سوى أنها تجعل عقوبة السجون تجربة أكثر قسوة للمحكوم عليهم في قضايا الإرهاب. و ليس هناك من سبيل لكي يقوم شخص في حجز انفرادي بعيد بتدبير و تنسيق جرائم بوجود أو في غير تطبيق الإجراءات الإدارية الخاصة. فهناك سجون سيئة عبر العالم لكن فكرة أن يكون هناك «نسخة صقيلة من الجحيم» مثلما يجري وصف سجن أدياكس على نطاق واسع فهذه فكرة أمريكية خالصة.
و على الرغم من أن مجموعات من قبيل «حياة السود أيضا مهمة» و «سوليتاري ووتش» تحاول أنهاء بعض من أقسى ممارسات الدولة البوليسية، فإن الإجراءات الاستثنائية التي يجري اتخاذها في قضايا الإرهاب مثلما جاء في كتاب وديع سعيد سيكون لها امتدادات في كامل النظام القضائي الخاص بالجرائم، فهناك القليل جدا من الخشخشة التي يتم فهمها بشكل سيء تحدث بين المتابعات في قضايا الإرهاب و ما يمكن أن يسمى جرائم الحق العام العادية. فعدد قضايا الإرهاب ضئيل للغاية لكي تمر تحت المجهر، لكنها تحتفظ بالسوابق حية، لكي يتم استخدامها في المستقبل ضد بعض الحركات الاجتماعية غير المنضبطة، و هو ما يفرض تحديا على بعض جوانب سلطات الحكومة.
و يعتقد وديع سعيد أن تلك الممارسات القضائية و القانونية تم استخدامها بسبب شعور بالخوف و في ظل وجود نزعة عنصرية ضد المتهمين من العرب و المسلمين، و يقول «إذا كنت تحمل اسما مضحكا و ذو سحنة أكثر سوادا و تواجه اتهامات مثل هذه، فلا يسعني سوى أن أتمنى لك حظا سعيدا».

الرجوع إلى الأعلى