أعمالي تشبهني وأعيد صياغة القصص بالألوان

تحاكي لغة الفنانة التشكيلية فازي بوعوني، تفاصيل الموروث الثقافي الجزائري، و تعبر عن ذلك الزخم الكبير بألوان زاهية تعكس عشقها لتفاصيل الحياة، وجمال وأناقة نساء الجزائر و لباسهن التقليدي من الشمال إلى الجنوب ومن الغرب إلى الشرق، فاردة لوحاتها لـ  «حكايات زمان»، و «التقطار» و «الوزيعة» و»الرحابة»، لتعيد ترجمة تعابير محلية في أعمال فنية فريدة، ترى أنها من أفضل وسائل حفظ التاريخ الذي يلهمها في أعمالها، رغم أن التشكيل لا يحظى بالمكانة التي يستحقها في بلادنا.

حاورتها : إيمان زياري

اللوحة سفيرة للثقافة والتراث
النصر: تقدم لوحاتك مزيجا مميزا من الألوان الزاهية والأشكال والرموز إلى جانب شخصيات بلا ملامح، إلى أي مدرسة تنتمي فازي بوعوني ؟
ـ فازي بوعوني: لا أنتمي إلى مدرسة بحد ذاتها، بل إلى مدارس فلوحاتي تشكل مزيجا من السريالية و الانطباعية و توجهات فنية أخرى والمدقق فيها سيدرك ذلك بالملاحظة.
 أما قدوتي من التشكيلين، فهم الجزائريون الذين كتبوا أسماءهم بحروف من ذهب في تاريخ الفن الجزائري، ليس هناك اسم محدد بعينه بل هو إعجاب بتجربة في حد ذاتها، فلكل فنان لمسته الخاصة وبصمته، ولذلك تحديدا أحاول أن أحجز لنفسي حضورا مميزا، فما أدمه هو خلاصة ما مررت به و ما عايشته من محطات ومواقف، وهو تعبير عن  كل ما أثر في حياتي وما له علاقة بثقافتي ومحيطي، أحاول كامرأة أن ألون خيال النساء و أعطيه صورة.
أرفق لواحتي بنصوص لأشرح ما أرسمه من عادات
تطغى صورة المرأة باللباس التقليدي على أعمالك، لماذا وما الذي تهدفين إليه؟
ـ أوظف ريشتي كلغة تعبيرية تقدم التراث الثقافي الذي حافظت عليه الجزائريات، لأنه تراث يمثلنا جميعا، و اللباس التقليدي بشكل عام عنصر هوياتي يعكس صورة عن المجتمع الذي ننتمي تماما كاللغة والعادات والتقاليد، تراثنا غني ومتنوع ولباسنا له تاريخ كبير خاصة الملحفة الشاوية و القاط و الكاراكو، حيث يمثل كل زي المنطقة التي ينتمي إليها.
 أبي مثلا، من ولاية باتنة ولذلك أرسم ملحفة الأوراس الأشم، ووالدتي من ولاية البليدة، وهو ما يشكل مزيجا بين مجتمعين وثقافتين  محليتين، وللأمر تأثير واضح على طريقتي في الرسم، فاللباس بحد ذاته يحكي قصص لشعوب مروا قبلنا، و يكتب التاريخ بطريقة مختلفة، ولهذا أحب في كل لوحة من لوحاتي إظهار اللباس التقليدي الخاص بكل منطقة،  وأحب أن تكون لوحاتي سفيرة لثقافتي وأن أسرد من خلالها قصص نساء جزائريات ساهمن بشكل كبير في نقل والحفاظ على ثقافتنا وهويتنا.
ـ «الوزيعة» و «التقطار» و «الرحابة» و «يناير».. لماذاهذه العناوين في أعمالك؟
ـ تمثل كل هذه العناوين عاداتنا بامتياز، والهدف منها هو إبراز تمسك المجتمع الجزائري بعاداته وتقاليده بشكل كبير، سواء تعلق الأمر بـ « الوزيعة» أو « التقطار»، وهي مظاهر تضامن ا يعبر عن خاصية كبيرة ومهمة بالنسبة لنا نحن كجزائريين، كما تعد هذه العنوانين طريقة للترويج لثقافتنا وللسياحة في الجزائر، وكلها حكايات علينا توثيقها وإيصالها إلى كل العالم، فاللوحة برأيي سفيرة لثقافة أي مجتمع، لذلك أتعمد في كل مرة تغذية الفضول حول العناوين، وعندما يقتني أشخاص لوحاتي، أحرص على أن يرافقها نص يشرحها بالتفصيل خاصة عندما تتمحور حول عادة من عاداتنا كجزائريين.
الرسم من أدوات كتابة تاريخ الأمم و الشعوب
 تتكرر في كل لوحاتك ألوان محددة هل لك قصة مع هذه الألوان؟
ـ  أحب الألوان سواء كانت باردة أو حارة وكلها تجذبني، مع ذلك فقد فطر كل واحد منا على حب شيء معين، و أنا أعشق كل لون نابض بالحياة لأنه يمثل التنوع الجغرافي والتنوع الثقافي الجزائري، بعني أن لكل لون رمزية بالنسبة لي، فهناك ما أراه مثاليا للتعبير عن مناخ مناطق بعينها كالصحراء أو الهضاب العليا مثلا، جزائرينا غنية من حيث الطابع الجغرافي و التنوع الثقافي، وهي رمزية تعكسها ألوان ريشتي.
ما الذي يلهم ريشتك الفنية وأي لوحاتك هي الأقرب إلى قلبك؟
ـ أعترف أني مولعة بالتاريخ وحكايات الشعوب، و كلما قرأت أكثر ينفجر إلهامي أعمالا جديدة، خصوصا عندما يتعلق الأمر بتاريخ أمتي كما أحب التواجد مع كبار السن، لأنهم يروون لي قصصا تشبه ألف ليلة و ليلة، أحاول أن أعيد صياغتها بلغة الألوان، وعليه فإن كل لوحاتي قريبة إلى قلبي، لأن لكل واحدة حكاية تمثل مرحلة معينة مررت بها وأثرت في نفسي وفي ريشتي، مع ذلك يميل الفؤاد إلى عمل بعينه هي لوحة لوالدتي، رسمتها لتكريمها وقدمتها كزهرة الياسمين.

شاركت في عديد المعارض الوطنية والدولية، ما الذي غنمته من هذا النشاط وأين تحلمين أن تعرض لوحاتك؟
ـ المعارض مناسبة لنشارك أعمالنا مع الآخرين، وأنا أحب لقاء الجمهور في ورصد الانطباعات على لوحاتي، يروق لي كثيرا أن أراقب جمهوري و أقرأ الملامح، فعندما أرسم لوحة أكون في حالة نفسية تعبر عنها سواء كانت جيدة أو سيئة، لكن نظرة الآخر دائما تكون مختلف عن نظرة الفنان والتفاعل مع اللوحة يعكس مدى قدرتها على إيصال المشاعر وترجمتها.
أنا شخص اجتماعي بطبعي، أحب أن أتحدث عن القصص التي أرسمها في لوحاتي، والمعارض الدولية على وجه التحديد تعنيني لأني أقدم خلالها ثقافتي للآخر المختلف و أختبر مدى بلاغة ريشتي، كما أنها فرصة للاحتكاك بفنانين من دول أجنبية، وهذا يفتح المجال لتشارك الثقافات وإثراء الخيال، لأن الفن و الرسم تحديدا، من أدوات كتابة تاريخ الأمم و الشعوب، لذلك تعد المعارض فضاءات لحكايات ملونة يرويها كل فنان على طريقته.
أعيد صياغة قصص الشعوب بلغة الألوان
دعمت مبادرة «لون لكل طفل» لفائدة الأطفال مرضى السرطان، كيف يساعد الفن على تحسين حياة هؤلاء الصغار ؟
ـ هي مبادرة أطلقتها بنفسي للتقرب من الأطفال مرضى السرطان، ومساعدتهم على الصعيد المعنوي، لأن الألوان مهمة جدا في حياتنا وبإمكانها أن تحدث فارقا إيجابيا في نفسية كل مريض، حتى إن هناك ما يعرف بالتداوي عن طريق الفن، وقد تبلورت الفكرة في هذا الإطار تحديدا، بهدف مرافقة الصغار نفسيا، لأن الرسم والألوان يمنحان لهم فرصة للتعبير عن مشاعرهم، ما يحسن نفسيتهم كثيرا. بقد أثبت العديد من الدراسات التي تنشر في المجلات الطبية، أن الحالة النفسية تلعب دورا مهما في العلاج و التجاوب معه، لذلك أردت أن تكون لي مساهمتي  الخاص في المجتمع الذي أنتمي إليه بالدرجة الأولى، وأن أساعد الأطفال المرضى الذين قدموا من مناطق مختلفة من الوطن للخروج من حالة الخوف والألم التي يمرون بها أثناء فترات تواجدهم في المستشفيات، حيث أمنح لهم فرصة للتعبير، لأن الدواء يتكفل بالجانب الجسدي للمريض في نظري، بينما يداوي الفن الروح.
قدمت قبل مدة، لمحات عن تاريخ الجزائر عبر برنامج «حكايتها حكاية» على إحدى القنوات التلفزيونية، كيف جاءت الفكرة وهل سنشاهد لك حلقات أخرى أو برامج من هذا القبيل؟
ـ «حكايتها حكاية» حصة عن  تاريخ نساء من الجزائر، من نعرفهن ومن لم ينصفهن التأريخ، كانت فكرة «باب زمان» لصاحبتها منيرة قاسم، التي اقترحت علي التنسيق لإنتاج البرنامج الهادف إلى التعريف بالمرأة الجزائرية وكل ما يخصها من عادات و تقاليد و كفاح وبطولات، وقد حاولنا تجسيدها العمل وفق هذا التصور و أتمنى حقا أن ننتج جزء آخر إن توفر التمويل الكافي.
كيف سيكون مستقبل الفن التشكيلي في ظل التكنولوجيا و انتشار الفن الرقمي في رأيك؟
ـ  ستبقى اللوحات الحقيقية التي تحكي تجارب معينة وقصة الفنان عينه أو الإنسان عموما، مختلفة لأن الألوان تعكس طاقة من مزجها وتخاطب الروح، هناك كثير من الواقعية والإحساس في الأعمال الأصلية وهو تحديدا ما يميزها، اللوحة في اعتقادي تحمل جزءا من روح رسامها لذا تزيد قيمتها مع مرور الوقت.  كفنانين نحن مطالبون اليوم، بنشر الوعي في المجتمع وترقية الذائقة، وتحديد قيمة المنتج الإنساني، حتى وإن كان الفنان التشكيلي في مجتمعنا لا يزال يبحث له عن مكان، حتى كبرا الرسامين الجزائريين لم تنصفهم الذاكرة بالشكل المطلوب، ومع ذلك تبقى آمالنا كبيرة.
 هل نملك سوقا للفن التشكيلي أو هل هناك زبائن للوحات الفنانين الجزائريين ؟
ـ جوابي سيكون صريح جدا، هناك فئة من الجزائريين تقرد الفن وهي قليلة جدا، مقابل ذلك يفضل البعض شراء كرسي يتجاوز ثمنه 10 ملاين سنتيم، على شراء لوحة فنية بنفس الثمن أو أقل، وتختار الغالبية لوحة مقلدة أو مطبوعة دون قيمة مادية ولا فنية، على لوحة أصلية بنفس، في رأيي الفن التشكيلي مظلوم بشكل عام في مجتمعنا بالمقارنة مع التمثيل والغناء مثلا،إذ  يأتي في الدرجة الأخيرة من سلم الاهتمامات. كما أن بعض الفنانين أو بالأحرى «أشباه الفنانين» في عصر المواقع الاجتماعية والتكنولوجيا،  يعقدون الوضع عن طريق إنتاج أعمال تجارية أو الاعتماد على الطبع حسب الطلب.

الرجوع إلى الأعلى