بعض المنتجين حوّلوا السينما  إلى مدرسة لتعليم فنون القتال و الانتحار

اعتبر السينمائي التونسي نوفل صاحب الطابع مخرج فيلم»الزيارة»الحائز على عديد الجوائز بالمهرجانات السينمائية، أن عمله يعكس واقعا متناقضا، حاول إبرازه من خلال  الخط الوهمي الرقيق بين العقلانية
و اللا منطق الذي يفسّر السعي من أجل التصالح مع الذات و تحديد الهوية.

حاورته مريم بحشاشي

و قال المخرج للنصر بأن تطرّقه لفصام الشخصية من خلال مغامرات بطل قصته يوسف في جمع شتات ماضيه و ذكرياته المتشابكة، ما هو إلا تحليل و نقد لواقع المغزى منه التنقيب في الماضي و تقبله بمحاسنه ومساوئه، بغرض التصالح مع الذات و بالتالي مع الآخر. المخرج تحدث أيضا في حوار خص به النصر عن المشاكل التي واجهها خلال تصويره الفيلم الذي انتهى من تصويره عام 2010، لكنه لم ير النور إلا عام 2014، كما تطرّق إلى مشروعه السينمائي الجديد حول الهجرة السرية.
نريد معرفة المزيد عن الفيلم «الزيارة» الذي لا زال يجوب المهرجانات العربية و الدولية
- الفيلم في مظهره يسرد قصة شخص فقد الذاكرة منذ الصغر، و بعد سنوات حدثت مستجدات في حياته جعلته يجري تحقيقا عن ماضيه و هويته، فوجد نفسه أمام منزل مهجور، شدته إليه طاقة غير مفهومة، فبات يعود إليه كل مرة و في كل زيارة تتصارع الصور و المشاهد المتداخلة و كأنها تتآزر للوصول للحقيقة، لكنني في الواقع حاولت من خلال»الزيارة»التطرّق لسكيزوفرينيا، من محورين مختلفين الأول من جانب صوفي، أو ما وراء الطبيعة و الثاني علمي نفسي عقلي لإبراز كيف هي نظرة المجتمع للأمراض العقلية و تعاملهم معها..و ما يربطونه بداء الفصام مثلا من قوى خارقة معتبرين أن المصاب به مس يمكنه من رؤية أمور لا يرونها هم.
هل أردت انتقاد المجتمع ؟
- نعم أفلامي لا تخرج عن النقد الجماعي، لقد كتبت سيناريو»الزيارة» في عهد الرئيس زين العابدين بن علي و أنهيت تصويره عام 2010 لكن تأجل عرضه إلى غاية 2014، لأن الظروف التي عملت فيها كانت صعبة جدا، و كان علي إيجاد قراءة ثانية و ربما ثالثة لسيناريو موّجه لجمهور مطلع، لاحتوائه على إيحاءات عن مشاكل الهوية التي تتخبط فيها مجتمعات المنطقة المغاربية عموما، فالكثير من الناس يريدون معرفة أصولهم و جذورهم الأصلية، بعيدا عن أي اعتبارات سياسية و ثقافية و دينية..ثمة شك رهيب يؤرق الكثيرين الذين يؤمنون بأنه من دون ماض لا يمكن التقدّم، و التونسي في نظري جالس بين كرسيين لا يعرف حقا من يكون، لأن ثمة رفض و تهميش للماضي، لذا فكرت في تناول الموضوع من زاوية تحليلية عقلية، من خلال شخصية يوسف المريضة.
هل ثمة فترة معيّنة من الماضي فضلت التركيز عليها أكثـر؟
- لا توجد فترة معيّنة وإنما المغزى من التنقيب في الماضي و تقبله بمحاسنه ومساوئه، يمكننا من التصالح مع الذات و بالتالي مع الآخر ، فنحن لدينا فسيفساء و لابد الافتخار بذلك و ليس الانتقاص مما نحن عليه، فالاختلاف يخلق التميّز..و تاريخنا يعود لقرون بعيدة، ليس من حق أي كان محو أو إخفاء حلقاته عن قصد أو دونه، فقبول الآخر قمة التحضر و أنا عشت في كندا و أدرك جيّدا قيمة تقبل الاختلاف..المهم في آخر المطاف هو جنسيتنا و هويتنا كتونسيين، خاصة و نحن لنا حظ التمتع بتاريخ ثري، تفتقد إليه الكثير من الأمم و مع ذلك نجحت هي في التطوّر و التقدم و بقينا نحن رغم خلفيتنا التاريخية العريقة التي تعود لأكثر من 3آلاف سنة، في مصاف لا يليق بقيمتها الحقيقية.
ما الذي يزعجك فعلا في كل ذلك؟
-إقصاء دستورنا الأمازيغية و الأقليات العرقية، و التركيز على العربية كلغة رسمية و الإسلام كدين، فلماذا هذا الإقصاء في الوقت الذي يمكن أن تتعايش العربية مع لغات أخرى و الدين مع ديانات أخرى، في رأيي لابد على المنظمات الدولية إيجاد صيغ قانونية لمنع مثل هذه القوانين المجحفة في حق من تواجدوا و عاشوا ببلد منذ عصور دون التمتع بذات الحرية التي يتمتع بها من هم محميين بحق دستوري، فنحن لا نستغل ثراءنا اللغوي و الثقافي، فأنا لا أعرف بلدا يتكلم شعبه أكثر من ثلاث لغات كما هو الحال عندنا..و عموما أعتقد بأن هويتنا و شخصيتنا بصدد التشكل على أسس متينة اليوم أفضل من أي وقت مضى.
هناك اهتمام متزايد بالأعمال الدرامية النفسية في الإنتاج العربي، هل هي مجرّد موجة فرضتها الرغبة في التتويج بالمهرجانات أم ثمة أسباب أخرى؟
- بالفعل، غالبا ما نقدّم الدراما الاجتماعية على النفسية، و إن كان كل واحد حر في اختيار طريق معالجة المواضيع في السينما، و أنا شخصيا أفضل الغوص في عمق المجتمع التونسي و بشكل خاص الجوانب النفسية و العقلية التي تسمح لنا بفهمه أكثر، و محاولة إيصال و توضيح الصورة أكثر.
هل هي العودة للاهتمام بالإنسان بعد موجة الأعمال المركزة على السياسة و أحداث العنف؟
- كل ذلك متداخل ببعضه بعض، فالواقع الدموي الذي تتخبط فيه الكثير من الدول العربية و حتى الغربية لا يمكن تجاهله، لأن المتضرر الأول هو الإنسان و الإنسانية، فعلى المنتجين البحث عن محاور تهم المشاهد، و  فهم ما يجري قبل تجسيده و نقله سينمائيا، و لو فكرت شخصيا في تصوير فيلم حول شخص انتحاري فلابد لي من إجراء دراسة نفسية و اجتماعية لهذه الشخصية بدل الاهتمام بالطريقة و الوسائل التي سيستعملها لتنظيم عمليته الانتحارية، مثلما يفعل بعض المنتجين الذين حوّلوا السينما إلى مدرسة لتعليم فنون القتال و الانتحار.
كيف كان رد فعل المشاهد التونسي بعد عرض فيلم الزيارة؟
- أظنها جيّدة، لأنهم اكتشفوا نوعا مغايرا للأفلام التي تعوّدوا عليها.
و ماذا سيكون محور فيلمك القادم؟
-الهجرة السرية، و سأتناول الظاهرة على طول شريط البحر المتوسط باعتبارها تخص كل الدول المغاربية، و صراحة هو موضوع يثير حزني و ألمي كلما تابعت أخبارا عن عثور حراس الشواطئ على جثت غرقى، كما أنني أحاول من خلال فيلمي الجديد الذي أعكف على كتابته مرة ثانية من باب التمحيص، إظهار شجاعة أو لامبالاة المغامرين في أغوار البحر و عتمته المخيفة، بأمل الوصول إلى ما قد يعتقدونه جنة، دون التفكير في خطر الموت و الغرق و ربما الاعتقال..واقع الشباب التائه يهمني.
و متى سنرى الفيلم؟
- لست أدري لأنني سأصوّره في إيطاليا، الجزائر، تونس و هو فيلم يدور حول مغامرة شاب يكتشف بأن المستقبل الذي لهث خلفه في الضفة الأخرى، مجرّد سراب و أن مستقبله الحقيقي ببلاده.
كيف ترى واقع السينما في المغرب العربي؟
- هي في تطوّر، لقد بات هناك نوع من حرية التعبير، و جرأة في الطرح، و الجزائر التي تموّل الإنتاج السينمائي بنسبة 100بالمائة شيء مشجع على إنتاج أعمال ناجحة و ذات مستوى عال، لكن لابد من النزاهة ، و لا يجب صرف الملايين من العملة الصعبة دون أن يتمكن العمل من إحراز و لو جائزة دولية واحدة، كما لابد من التكوين،  فنحن لدينا الكفاءات، لكننا لا نحسن استغلالها، علينا التفكير في جمع شتات مبدعينا المتواجدين بالخارج.             
م/ب

الرجوع إلى الأعلى