أنت تسأل وهاروكي موراكامي يجيب

بقلم جوليا كاربنتر * ترجمة عمر شابي

نشرت صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية مقالا عن تجربة الكاتب الياباني الشهير هاروكي موراكامي في التواصل مع قرائه من خلال موقع إلكتروني يتلقى فيه أسئلتهم بمختلف اللغات و يرد على بعضها موجها النصح و الإرشاد، و معبرا عن مواقف. هنا ترجمة للمقال.

رسالة إيلينا كانت طويلة

كتبت عن نشأتها في إيطاليا، و عن حصولها على درجة جامعية في الدراسات اللغوية. ووصفت كيف أنها كانت تعيسة في الحب. عمرها 26 سنة، و هي ليست واثقة مما ستفعله في المستقبل.
أنا اكتب لأنني أمر بمرحلة فاصلة من العمر، فأنا لم أعد مراهقة، لكنني لست امرأة بعد. أحاول أن أبذل كل ما بوسعي في حياتي اليومية،لكن أحيانا لا يحالفني النجاح فيما أفعله.
و أرسلتها (الرسالة) إلى هاروكي موراكامي، الكاتب الروائي الشهير صاحب كتب لاقت رواجا كبيرا مثل «آي.كيو84»، «يوميات مطرود من العمل» و (الكتاب الذي تفضله إيلينا) «الغابة النرويجية».
كان رد السيد موراكامي على الرسالة مقتضبا و بدا بهذه الجملة: «لا أملك ردودا فعلية على أسئلتك».
و هذا هو نسق و لهجة «مكان موراكامي» الموقع الإلكتروني على شبكة الإنترنت الذي أنشأه الكاتب للرد على أسئلة القراء، و أحيانا يخرج من خلاله من عزلته الشهيرة التي تغلف شهرته في اليابان (و عالم الأدب ما وراء ذلك).
العلاقة العميقة بين الكاتب  و القارىء ألهمت جمهورا عريضا من المعجبين عبر العالم، و خاصة في بلد مولد موراكامي اليابان. هؤلاء الهاروكيين كانوا ينتظرون بشغف زيارة من الكاتب منذ آخر حدث قراءة له سنة 2006، من خلال موقع إلكتروني مؤقت آوته جريدة أساهي شيمبون، سأله من خلاله القراء عن حياته و أعماله.
و في هذه المرة أيضا كانت أغلب الأسئلة من الشباب- و في معظمها عن الحب.
«لا أتصور أن هناك كاتبا على قيد الحياة اليوم له هذا النوع من الحميمية مع قرائه- و هو يأخذها بجدية بالغة» يقول رولان كيلتس الصحفي الذي كتب سابقا عن مؤلفات موراكامي لمجلة النيويوركر.  الذي أضاف أنه سمع مرارا تعليقات من قبيل «أعتقد أن هاروكي موراكامي يفهم أحلامي» أو « أعتقد أن هاروكي موراكامي يعرف أحلامي».
سلم القراء أسئلتهم في لغات شتى طيلة شهر جانفي (المنقضي) و أرسلوا آلاف الاستفسارات- و منه، مثلما اعتذر موراكامي في المقدمة، لم يكن بوسعه الرد عليها جميعها.
و بما أن الموقع الإلكتروني لا يزال حيا يمكنهم الآن قراءة أجوبة الكاتب، و في الغالب عدم إجاباته.
نسخة موراكامي من النصيحة، في جزء منها إعادة كتابة، و جزء آخر منها نبوءة. و لم تكن هناك أجوبة نهائية، و لا توجيهات مأثورة، على ضوئها يمكن تلمس الطريق. الناس  يتقربون منه لسؤاله عن عمله و حياته- لكن أيضا حول أعمالهم و حياتهم، و الكثير بالطبع عن الحب.
السيد موراكامي، أود أن أسأل كيف يقع الإنسان في الحب؟
أساسا إنه اصطدام عرضي، أنه غير متوقع و لا مفر منه. و بالتالي عليك في كل وقت أن تربط حزام مقعدك.
ه.م (الأحرف الأولى من إسم الكاتب التي يضعها في نهاية جواباته).
هذا ليس عمودا للنصح في الموضوع، لكنه ليس أيضا سؤال و جواب في مجلة.
«كل سؤال يمكن أن يتحول إلى قصة قصيرة في النهاية» تقول إيميلي يوفي التي تولت لوقت طويل تحرير عمود استشارات مشهور «عليك أن تقبل تحديد الشكل».
لكن مكانة موراكامي شيء آخر : أحيانا يسأل القراء عن آرائه، و أحيانا يسألونه عن نصائحه حول الحب و عن معنى الحياة.
هذه المواضيع تتواجد بعمق في كتبه، و نفس الشىء يبرز إلى السطح مرة تلو الأخرى في موقع مكان السيد موراكامي، بينما هو يتلقى الآلاف من الأسئلة بمختلف اللغات.
أحدها يسأله عن مكانه المفضل لشرب القهوة ( «أفتقد دانكين دونت» كتب موراكامي). و آخر يسأل عن موعد عشاء أحلامه ( بدا و كأن موراكامي يتجاهل هذا السؤال، و أجاب بشكل جزئيا يقول « الشخصية التي أود تناول العشاء معها، هي بالطبع جاي غاتسبي من غاتسبي العظيم. أرغب في الذهاب إلى بيته الكبير و الانضمام إلى الحفلة الكبيرة و اشرب الشمبانيا معه. سيكون هذا ممتعا. من جانب آخر أنا متخوف من أن الحديث سيكون باردا نوعا ما». و الكثيرون كانوا يريدون معرفة الرمزية في كتبه «عليك أن تجد نظريتك بنفس» و يرد ببساطة «حاول».
أجوبته كانت ضمن المنطقة الرمادية أين لا يوجد جواب، فقط هناك فضاء للتدبر و التفكر في الوضع الإنساني.
«تلقيت أسئلة حول أين أذهب، حسنا ليس لدي جواب». و هنا يكمن سري الصغير، لا أستطيع وضع هذا السؤال. تقول يوفي « بينما هو يظهر بما لاشك فيه أنه نزيه».
التجربة- بوجهيها الحميمي بعمق و الخاضعة لرقابة شديدة في آن واحد- هي في الغالب شيئا مما تقرأه في روايات موراكامي.
في سياق إحدى قصصك، يمكن أن يظهر قمر صغير أخضر، أو يستطيع شخص الحديث مع القطط، و يمكن للأشباح أن تتجسد. هل هذه الخوارق ما فوق الطبيعة فقط أدوات لحكاية القصة، أو أنك حقيقة تعتقد فيما يصعب تصديقه؟
أجاب موراكامي: حينما كنت بصدد كتابة هذه القصص، أنا فعلا أعتقد بوجود هذه الأشياء الفوق طبيعية. إنها تحدث الآن حولي، أنا رجل عادي يملك حسا عاما قويا. أروح و أجيىء بين هذين العالمين المختلفين، مشغول و لكنني مرح.
ه.م
«أنت تضع على اللوحة كل شيء تحمله حولك» يقول هيثر هافريلسكي كاتب الإرشادات في عمود اسأل بولي فيكلا من  المقص و البومة. بالنسبة لها هذا هو معنى كرسي التحليل النفسي بالنسبة لموراكامي، و تنظر إليه على أنه « قطع مفككة من عالم شعري ساحر» و «أجوبة فيها بعض الألغاز» على حد قول كاتبة الإرشادات التي تعجب بموراكامي إلى حد أنها كتبت يوما أغنية عنوانها «البئر» تقديرا لسطر مشهور من «يوميات مطرود من العمل».
عزيزي السيد
هل لك دوما مكان لتجلس فيه لبرهة؟ (مؤخرا)
شكرا لك لهذا الكم.
سؤال سهل. في السرير مع شخص أحبه. أين إذن؟
ه.م
أجوبة موراكامي على موقع مكان موراكامي تعكس انبهارا قويا بالحب: ماذا يجب لتكون فيه و لتسقط خارجا منه، ما هو إحساسك عندما تنقشه ثم تضيعه. أعماله تهتم بشكل خاص بشعور الشبان بالوحدة. الشبان الصغار أمثال إيلينا، او أمثال الطلبة في العشرينات الذين كتبوا على موقع  مكان موراكامي تأملات بسيطة  حول أسرار الحياة.
أجوبة موراكامي تظهر مثل إحدى شخصياته الغريبة الأطوار –مؤدب لكنها صريحة للغاية تقول هافريلسكي « عندما تطرح سؤالا أحمقا، فهذا يعني أنك غبي عندما طرحته، لكنه شيء مثير للإعجاب أنك فعلت». و تشرح كلتس « إنه ليس نزولا بالمستوى ، أو فقدان العبارات الجيدة، إنه التعاطف. هو فعلا يتعاطف مع الشبان الوحيدين».
و يذهب كلتس إلى القول أن ذلك ربما تكون له علاقة مع «صورة الأب» و هي الصفة التي إكتسبها موراكامي في الثقافة اليابانية الحديثة.
و ساق هذه القصة الطريفة، حينما كان موراكامي يتبادل الحديث مع ثلاثة شبان يعرفون ولع الكاتب بفرقة «بيتش بويز». كان بريان وليامز يقدم عرضا تلك الليلة- هل يمكن لموراكامي أن يلتقيهم هناك؟ فكر موراكامي في نفسه «أكيد و لم لا» و تصرف ليلتقي الثلاثي هناك. و حينما غقترب منهم ليلقي تحية الترحيب. كان الهاروكيون الثلاثة الذين تبادلوا الحديث بحماسة على النت لا يستطيعون رفع أنظارهم عن أحذيتهم. و توقفت المحادثة، و كان اللقاء فاشلا إلى أبعد الحدود،  و لم يرفع الثلاثة أبصارهم إلا حين ودعهم موراكامي عائدا إلى مقعده.
روى كلتس عن موراكامي قوله له أن الإنترنت شيء غريب.
هناك العديد من القصص مثل هذه، عن موركامي الذي يلتقي بمعجبيه في حفل عروض أزياء، لكنه يحتفظ بها لنفسه في الغالب، و هو يعطي قيمة عزيزة لعلاقاته مع قرائه، و الأهم من ذلك أنه يكتب رواياته لإسعادهم.
الكثير من الشباب في اليابان يعانون الوحدة يقول كلتس و هم الأوائل من جيلهم الذين كبروا في شققهم الخاصة، الكثير من الشباب يعيشون بمفردهم. و في اليابان هو يقوم بدور الأب بالنسبة للقراء الشباب و هذا شيء من الحدس، لكن الكثير من الشباب الياباني ليست لهم علاقات عن قرب مع صور الآباء، و ربما لأن آباؤهم كانوا أجراء.
رده على رسالة إيلينا كان غير أبوي بطريقة ما كان غامضا و محببا.
شكرا لك إيلينا لقراءتك كتبي، لا أملك جوابا فعليا على أسئلتك، بما انه عليك بنفسك أن تجدي تلك الأجوبة خلال السنوات القادمة. لا يمكنك أن تعيشي بمفردك، لكن في الوقت نفسه من المهم أن تتعلمي كيف تعيشين لوحدك. عليك أن تجتازي هذا التناقض، أو التضاد. و هذا ما يجعلك تمرين نحو مرحلة البلوغ. كل واحد يمر بهذا كثيرا او قليلا. كنت في إيطاليا الصيف الماضي في توسكانيا. كان النبيذ رائعا.
جوليا كاربنتر هي المشرفة على الترويج الإلكتروني في صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية و قد نشرت هذا المقال على موقع الصحيفة الإلكتروني يوم 05 فيفري 2015

الرجوع إلى الأعلى