ازدواجية المعايير حرمت الرواية الجزائرية من الجوائز العالمية

اعتبرت الناقدة الاجتماعية و الكاتبة المغتربة كوثر حرشي، بأن المعايير المزدوجة في تقييم الانتاجات الأدبية الجزائرية الفرنكوفونية في فرنسا وراء حرمان هذه الأعمال من التميز أدبيا رغم جماليتها العالية، كما أضافت في حوار للنصر، على هامش محاضرة حول رواية “نجمة” لكاتب ياسين قدمتها مؤخرا بجامعة قسنطينة، بأن اللغة الأم تعد عاملا أساسيا وراء غياب الأدب الجزائري عن الجوائز الأدبية العالمية بما في ذلك نوبل التي ماتت آسيا جبار ولم تنلها يوما.
حاورتها: نور الهدى طابي 
ـ  لماذا اخترت قراءة سياسية وليس أدبية لرواية “نجمة” لتحاوري الغائب كاتب ياسين بقسنطينة ؟
ـ كوثر حرشي : نجمة من بين الروايات التي تحظى بشعبية كبيرة في فرنسا، أولا بسبب لغة الكتابة أي بمعنى أن نجاحها مرتبط أساسا بكونها رواية فرنكوفونية في الأصل كتبت مسودتها الأولى بالفرنسية، وثانيا لأن العمل في حد ذاته يعد غوصا في طبيعة المجتمع الجزائري الذي يهتم الفرنسيون بمحاولة فهمه، فالرواية و لدرجة أهميتها باتت تعتبر من كلاسيكيات الأدب في فرنسا وتدرس في الجامعات، و قد تم إدراجها من قبل الأكاديمية الفرنسية للأدب ضمن قائمة أمهات الأعمال المسرحية.
 الجميل في الرواية هو كونها نموذجا مثاليا لفنيات الأدب الجزائري الحديث، حيث تتناول قضية الهوية و تناقضات المجتمع حديث الاستقلال بلغة أدبية راقية، فكاتب ياسين كان يشعر بأنه مستعمر من داخله وهو يكتب بلغة غيره ليبلغ أفكاره وآراءه إلى الفرنسيين كي يفهموا أنه ليس فرنسيا، وهنا تحديدا يكمن سر نجاحها.
لذلك فالمعالجة السياسة للرواية فرضت نفسها كتحصيل حاصل لنوعية المعايير المزدوجة التي يتم من خلالها تقييم و قراءة الرواية الجزائرية الفرنكوفونية  في فرنسا، فلولا البعد الاجتماعي العميق “ لنجمة” وخوضها في التساؤلات السياسة لما كانت لتحظى بهذا الاهتمام، في النهاية الأدب الجزائري في فرنسا هو صورة مجتمع.
ـ ازدواجية المعايير هل تعني وجود تميز بين الكتاب الفرنسيين وغيرهم ؟
ـ  سأكون واضحة، علينا بداية أن ندرك بأن كل ما يكتب في الجزائر  لا يقرؤه العالم الغربي و تحديدا الفرنسيون، ما لم يكن بلغة موليير، وما لم يكن كما سبق و ذكرت ذا بعد اجتماعي أو يطرح إشكالية تتعلق بالسياسة أو الهوية أو الطابوهات الاجتماعية أو الحريات، نعم في فرنسا هناك تمييز و لا عدل بين الكتاب الفرنسيين و غير الفرنسيين، من ناحية التقييم و من ناحية النشر.
 أقصد أن معايير تقييم الرواية التي يكتبها الفرنسيون هي معايير أدبية جمالية، بينما تقيم الرواية الجزائرية الفرنكوفونية على أسس انتقائية غير أدبية بل سياسية و اجتماعية، فالعمل لا يناقش كإبداع بل كقضية مجتمع لديه علاقة تاريخية بفرنسا لا تزال تطرح كإشكالية حقيقة حاليا فيما يتعلق بالنقاش حول الهوية.
ـ ألهذا السبب تغيب الرواية الجزائرية عن الجوائز الأدبية العالمية؟
ـ بالفعل التمييز في قراءة الرواية يعد سببا رئيسيا في غياب الأعمال الجزائرية عن جوائز الأدب في فرنسا، لأن المجتمع الأدبي في باريس لا يتناولها من ناحية العمق و الجمالية اللغوية أو الفنية، كما أن الأولوية تكون بدرجة أكبر للعمل المحلي.
من جهة ثانية تطرح قضية اللغة الأم كواحد من بين أهم الأسباب التي جعلت الإبداع الأدبي الجزائري يخرج من دائرة المنافسة و يغيب عن البوكر و الغنكور و نوبل، فالروائية الكبيرة آسيا جبار و بالرغم من كونها عضوا في أكاديمية الأدب الفرنسي، وهي هيئة جد نخبوية نادرا ما يدخلها غير الفرنسيين، إلا أنها حرمت من جائزة نوبل مع أنها كانت من أحق أدباء العالم بها، وقد تم تداول اسمها لعدة سنوات كمرشحة محتملة لكنها كانت تغيب في كل مرة عن القائمة النهائية، لسبب واحد هو أنها كانت تكتب بلغة الآخر و ليس بلغتها الأم، و المعروف أن اللغة الأم تعد مقياسا أساسيا في سلم مقاييس و معايير الجائزة.
ـ كمال داود و بوعلام صنصال
و الاسلاموفوبيا هل بالفعل تروج أعمالهما صورة سلبية عن المجتمع و الدين ؟
ـ لا يمكن القول بأنهما يتعمدان الترويج لصورة سلبية أو للاسلامفوبيا بوعلام صنصال كاتب متأثر بمحيطه الحالي لديه أراء جدلية و مواقف مختلفة تجاه قضايا حساسة في المنطقة العربية كقضية فلسطين و إسرائيل، لذلك يعد من بين الأقلام الأكثر تغطية إعلاميا في فرنسا، لكن على صفحات المجتمع و ليس الثقافة.
أما كمال داود فلديه نوع من الهوس بقضية الإسلام و الحريات، حاليا لا يكمن القول بأنه يكتب الأدب بل يمارس السياسة ما يقوم به هو نوع من الاستغلال للموقف، فقضية الإسلام و الحريات تطرح كنقاش عالمي حاليا، و هي تحديدا مادة دسمة لوسائل الإعلام  الغربية عموما.
ـ كيف تقرئين واقع الأدب الجزائري حاليا؟
ـ ككاتبة أقول بأن هناك تدرجا في مستوى الرواية  الجزائري انتقلت من مرحلة ما بعد الاستعمار الى مرحلة الاستقلال، هناك نوع من التحول في لغة النص، و ككاتبة اعتبره ايجابيا وهو خاصية مميزة للرواية الجزائرية، لأن غالبية الأعمال تنتج نوعا من الصراع  الثقافي الذي يؤدي في النهاية إلى رقي فكري و تطور في مستوى الوعي.
 الرواية حتى وإن كانت تميل إلى لغة العاطفة ، إلا أنها تملك دائما جانبا تثقيفيا لأنها تتناول قضايا جوهرية كالتاريخ و الهوية و رواسب الاستعمار و علاقة المجتمع بالإسلام.

الرجوع إلى الأعلى