فرديات تعاني النرجسية و الانكفاء على الذات و الصراعات
أين هي النخبة؟، ما مدى وجود ما يُسمى بالنخبة الثقافية، القادرة على صنع واحتواء وتفعيل وإثراء المشهد الثقافي وبعثه على أفق متعدد؟ وهل النخبة الحقيقية والفاعلة هي المتواجدة في المنابر الإعلامية والمهرجانات والمؤتمرات والصالونات، أم هي التي اختارت العزلة بعيدا عن الأضواء والتكتلات، أم هي مهمشة بشكل أو بآخر، ولا تظهر بالشكل الذي يسمح لها أن تتبوأ الحياة الثقافية بأريحية وحرية؟. يرى الدكتور بومدين بلكبير بهذا الخصوص أن نسبة مهمة من النُخب التي تتسيد الصالونات والمهرجانات ساهمت في تسطيح الثقافة، وتشويه صورة المثقف، مع محاولة الحفاظ على الوضع الراهن للإبقاء على المنافع والمصالح، والطمع في المناصب عن طريق التزلف والتقرب من ذوي الحل والربط في دوائر السلطة. أما القاص والكاتب عبد الكريم ينينة، فيقول أن النخبة الثقافية، غير مهيكلة وغالبا ما تتحرك فرديا من أجل الاستثمار الذاتي، إعلاميا أو من أجل التموقع في وضع اجتماعي وسياسي لا يعطي الأولوية للمعرفة، وما الظهور في المنابر الإعلامية والمهرجانات والمؤتمرات والصالونات إلا نضال لإبراز الذات. في حين يؤكد الباحث الدكتور ربوح البشير على انعدام الكتلة التاريخية والثقافية، رغم وجود فرديات نخبوية على درجة عالية من الثقافة. ومن جهته الدكتور مومني بوزيد، وفي ذات المنحى، يتحدث عن تراجع النخبة التي نشأت على منابر الإعلام الثقافي خلال سنوات الثمانينيات، حيث كانت الصحافة المكتوبة، والمسموعةـ والمرئية، وجميع المهرجانات والمؤتمرات والندوات تضع الثقافة ضمن إستراتيجية الفعل الثقافي العام للبلاد، لكنها -حسب رأيه- أصبحت اليوم لا تحمل أية مضامين ثقافية قويّة، واقترنت بأبعاد تجارية، باستثناء بعض الطفرات التي تحمل أفكارا وتطلعات ومشاريع ثقافية كبرى. أما الكاتب والمحاضر عبد السلام فيلالي فيرى أن إشكالية المثقف انطلاقا من علاقة الاتصال أو الانفصال بالمجتمع أو السلطة، ظلت قائمة من حيث البعد النخبوي، وأن العلاقة متشابكة وذات أطروحات وأبعاد إشكالية بين النخبة الثقافية ومكتسبات المواطنة.
استطلاع: نوّارة لحــرش
بلكبير بومدين: أستاذ محاضر و باحث
لا توجد نخبة ثقافية قادرة على احتواء المشهد الثقافي و بعثه
غالبا ما يتم تذكر «المثقف» أو «النُخب» في الفترات الحرجة والعسيرة التي قد تمر بها المجتمعات، عندها يخوض الجميع في جدل ونقاش عن مسؤولية المثقف والنُخب ودورها في البحث عن مخارج ومنافذ ممكنة من الوضع المتأزم والعصيب. وهناك من يُلقي على عاتق المثقف كامل المسؤولية، على أساس أن الطبقة المتنورة في المجتمع هي من تصنع الوعي بين فئات وطبقات المجتمع المختلفة، وأن المجتمع يصبح هشًا ويفقد مناعته أمام الأزمات والأوبئة الاجتماعية الحادة في حالة انقطاع المثقف عن هموم مجتمعه، أو ضعف فعاليته أمام التحديات، أو عجزه، أو عند خيانته لمسؤوليته وأدواره.بكلّ صراحة لا أعتقد أن هناك نخبة ثقافية قادرة على احتواء المشهد الثقافي وبعثه من جديد، لأن نخبنا (النسبة الغالبة منهم) بكل بساطة لم تشف من أمراضها وعُقدها وبؤسها، تلك النخب الضائعة والتائهة في الصراعات غير المجدية، والأحقاد المرضية، والعداوات المجانية وتصفية الحسابات، بالكاد تقوى على إدراك وفهم التحولات العميقة في مجتمعها، فما بالك مساهمتها في بعث الحركة الثقافية.
أظن أن ما يُسمى «بالنخبة الثقافية»، والتي كانت طيلة عقود البحبوحة المالية تبحث خلف تنظيم المهرجانات والسهرات والليالي والأماسي الثقافية والأدبية عن نصيبها من الريع (الذي تقلص مؤخرا)، لا يُعول عليها في النهوض بالقطاع الثقافي وبعثه من جديد. تلك النُخب التي لا تقبل بالاختلاف والتعدد، ظلت حبيسة ما تؤمن به، ولا تتقبل المثقف الآخر/المختلف. هذا ما ولد شللية مقيتة وجهوية قاتلة لكل إبداع.
لا أعتقد أننا سنحلق بالثقافة عاليًا، ونحن لازلنا ننظم مهرجانات وتظاهرات فارغة لا فائدة تُرتجى منها، غير استنزاف خزينة الدولة، وصرف الملايير وتبذيرها على فعاليات بكراسي فارغة. نشاطات ثقافية وأدبية قائمة على المجاملات والمحاباة والزبائنية، تقدم فيها دعوات للمشاركة للأصدقاء، ومن هم ضمن الشلة، وأبناء المنطقة، ومن يلتقون معهم في التصورات الضيقة. الكثير من المثقفين الجادين الذين ينتمون للنخبة الحقيقية (التي همها بعث الثقافة وترقية المجتمع) لا سلطة لهم على المشهد الثقافي السائد، بسبب سياسة التهميش، وثقافة التغييب، والوأد الممنهج لكل ما هو أصيل (غير مزيف) وإبداعي. فهناك من مازال منهم يقاوم، وهناك من استسلم لليأس والاكتئاب وأنسحب نهائيا بسبب فقدان الأمل في تغير الوضع بهكذا وجوه وأسماء بائسة لها سوابق وجرائم في حق الثقافة يعرفها القاصي والداني.أعتقد أن نسبة مهمة من النُخب التي تتسيد الصالونات والمهرجانات ساهمت في تسطيح الثقافة، وفي رعاية المعنى الجاهز، وتشويه صورة المثقف، لأن همها كان إرضاء السلطة، والحفاظ على الوضع الراهن للإبقاء على المنافع والمصالح، والطمع في المناصب عن طريق التزلف والتقرب من ذوي الحل والربط ، والانخراط في تبرير أخطائهم وتفسيرها، كأنهم نصبوا أنفسهم كمحامين للمسؤولين السياسيين والإداريين الفاشلين.
وسط كل هذا الرماد هناك نخب حقيقية، على الرغم من قلة عددها ومحدودية انتشارها، إلا أنها تسعى بإصرار وعزم لمضاعفة طاقتها، حتى تكون كافية لتحريك المشهد الثقافي الراكد وخلق دافعية ومناخ ثقافي صحي. هناك على سبيل المثال لا الحصر مبادرة (مجموعة السياسة الثقافية في الجزائر)، وهي مجموعة من المثقفين والأكاديميين والكُتاب والفنانين المستقلين، والتي صاغت مؤخرا السياسة الثقافية الجزائرية، وساهمت كذلك ببرامج جادة وفاعلة ومنتجة بالشراكة مع مؤسسات ثقافية عالمية. كما نذكر مبادرة (منتدى المواطنة) ومساهمتها في تحريك الثقافة الشعبية وتبسيط المعرفة، من خلال سلسلة كُتب الجيب التي تصدرها وتضعها بأسعار مقبولة في متناول القارئ العادي. كذلك يمكننا التنويه هنا بتجربة (جمعية صافية كتو) الفتية في تأسيس المقاهي الثقافية، من خلال مشروع «مكتبة في كل مقهى». وغيرها من المبادرات الجادة الأخرى التي لم تنتظر السماء تمطر دعما من صندوق وزارة الثقافة كي تتحرك.

مومني بوزيد: ناقد و باحث أكاديمي
نخبنا تبحث عن مكاسب آنية
لكل مجتمع نخبته أو صفوته، وهم نتاجه الفكري والعلمي المعبّر عن هموم الأمة والشعب وتطلعاته، المدركين لدور الحرية الفكرية في إنسانية الإنسان. والجزائر كغيرها من المجتمعات لها نخبتها الثقافية والتي لا تقتصر على الأكاديميين، من جامعيين وأُدباء وشعراء وفنانين بمختلف تصنيفاتهم، بل يمتد ذلك ليشمل البعض من رجال الدين وعلمائه المتنورين الذين يتماشون في أفكارهم مع التطور الزمني والحِراك الاجتماعي وما إلى ذلك الكثير، ولكنهم في أغلبهم بعيدون كل البعد عن المنابر الإعلامية والمهرجانات والمؤتمرات والصالونات... وذلك إمّا: بسبب التهميش والتغييب الذي طالهم،لأنهم يشكلون عوائق أمام السياسة العامة للبلاد وخاصة إذا كان المسؤول بعيدا كل البعد عن الثقافة وشقيقاتها، فلسياسة الكبت الفكري دور بلا شكّ في احتقان المشهد الثقافي كما نعايشه راهنا، ولكن الحديث عن سياسة ثقافيّة في حدّ ذاتها دون وصلها بالسياسة العامّة للنّظام العام مدعاة إلى حصر المسألة في بعد أحادي هو الصّراع على مواقع ثقافيّة، وهذا من شأنه النّظر إلى الثقافة وكأنّها بنية مستقلّة عن حواملها الاجتماعيّة الاقتصاديّة.
أو بسبب وجودهم خارج الوطن لأنهم غير مرحّب بهم في بلدانهم، ويعيشون في بحبوحة من الحرية في البلد المضيف، ويفتقدونها في الوطن الأم.
أو يعود السبب أيضا إلى النخبة المثقّفة في حدّ ذاتها، التي تفضّل العزلة ومراقبة المشهد من بعيد. وأصبحت للأسف الشديد «نخبة عادية» لا تختلف عن «النّخب الأخرى» تبحث عن مكاسب آنية زائلة لا تقدّم إضافة في المشهد الثقافي.
فالحرية الفكرية هي أكسجين المثقف ورأسماله، وبالمقابل فهي السمّ القاتل والطعم الحنظل للأنظمة العربية بصفة عامة، ولذاك يبقى الصراع قائما بينها على احتواء المشهد الثقافي وبعثه على أفق متعدد.
لقد تراجعت النخبة التي نشأت على منابر الإعلام الثقافي خلال سنوات الثمانينيات، حيث كانت الصحافة المكتوبة، والمسموعةـ والمرئية، وجميع المهرجانات والمؤتمرات والندوات تضع الثقافة ضمن إستراتيجية الفعل الثقافي العام للبلاد، لكنها أصبحت اليوم مجرّد صفحات، أو ومضات أو اجتماعات أو حلقات مملة أغلبها لا تحمل أية مضامين ثقافية قويّة، واقترنت بأبعاد تجارية وإشهارية، باستثناء بعض الطفرات التي تحمل أفكارا وتطلعات ومشاريع ثقافية كبرى.
كما لا ننسى الواقع المتأزم بين المثقفين أنفسهم، فصار الاستفزاز والغيرة والحسد من أبرز سِماتهم وأضحى تبادل التُهم واحتكار الحقائق من هذا الطرف أو ذاك علامتَه الواضحة.
إن النخبة الثقافية موجودة في الجزائر، وقادرة على احتواء المشهد الثقافي وبعثه على أفق متعدد، لأنها تحمل مشروع مجتمع مثقّف، لكن بكل أسف ليست صاحبة القرار وغير موجودة في المنابر الإعلامية المختلفة، ولا تظهر بالشكل الذي يسمح لها أن تتبوّأ الحياة الثقافية بأريحية وحرية وهذا للأسباب التي ذكرناها سابقا.

ربوح البشير: كاتب و باحث أكاديمي
لا نملك في راهننا على الإطلاق نخبة ثقافية
عندما نستأنس بالرؤى الفلسفية التي انشغلت بمفهوم التاريخ من جهة البحث عن منطق اشتغاله الداخلي، نجد في المتن الهيغلي تيمة مركزية مفادها أن التاريخ يعشق الشعوب التي تحب الحياة ويهرع إليها مقدما لها كل الإمكانات التي يحملها في جوفه، أما المتن الغرامشي «نسبة إلى الفيلسوف الايطالي أنطونيو غرامشي» فيعلمنا أن التاريخ لا يسمع إلا صوت الكُتل التاريخية في سعيها المحموم صوب مبتغاها التغييري. فإننا نقف على حقيقة مفزعة، منتشرة في الفضاء الثقافي الجزائري، وهي أننا لا نملك في راهننا على الإطلاق نخبة تاريخية أو ثقافية بالمعنى الذي يدور في خلدنا وخمنا فيه من زاوية حداثية.
والغريب في الأمر أن الفضاء الثقافي الجزائري كان يحوز على كتلة ثقافية بالمعنى الحقيقي، وخاصة في الزمن الإستدماري، إذ شهدت هذه الفترة وجود نخبة في صورتها الكلية، حيث كانت ملتقى يجتمع فيه كل من المثقف اليساري والقومي والوطني والإسلامي، وكانت هذه الكتلة التاريخية ملتزمة بالخط الوطني، وتتحرك صدقا ضمن الأفق الكبير الذي يتحكم في مسار الفعل الثقافي هو اعتبار الوطن خط أحمر.لكن بعد انبثاق حدث الاستقلال، بدأت هذه الكتلة التاريخية والثقافية تتلاشى وتضمحل تحت ضربات الدولة الوطنية، التي كانت تحمل هما واحدا ووحيدا وهو انجاز مشروعها الإيديولوجي، خاصة في منزعه الاشتراكي، وبحكم أن هذا التوجه الشمولي والكاسح يتطلب من المثقف أن ينخرط في هذا المشروع بحسبانه «جندي» يلتزم بالأجندة السياسية للنظام الحاكم في تلك الحقبة من تاريخ الجزائر، وهنا يمكن أن نتحدث عن الكثير من أشكال الردع التي مورست ضد من قرر التمرد على الرؤية العامة للنظام، مثل ما حدث للبشير الإبراهيمي، ومفدي زكريا، ومحمد أركون، ولا يمكن أن نستثني من هذه الرؤية كل الأنظمة التي حكمت الجزائر سياسيا، وحتى الأحزاب التي تشكلت بعد أحداث أكتوبر 1988، فقد كانت تمجد المثقف الملتزم إيديولوجيا بغض النظر عن مكانته الثقافية ومركزه العملي، فالأولوية هي للولاء وليس للكفاءة، ومن هذا المنظور تكرم الدولة الوطنية كل من يدور في فلكها، فقد انشغلت بفكرة التراكم الكمي للمثقفين، ودخلت في عداء مع المثقف الكيفي الذي يحوز على رؤية مستقلة تؤمن بالتعدد والحق في الاختلاف ويدعو إلى تكريس ثقافة إنسانية وحداثية تنظر إلى المنجز الديمقراطي بحسبانه قيمة حيوية لاستمرار المجتمع وليس الأنظمة.
على هذا الأساس، يمكن أن نقر بانعدام الكتلة التاريخية والثقافية، مع وجود فرديات نخبوية على درجة عالية من الثقافة، غير أن هذه الفرديات أصابتها عدوى النرجسية والتعالي والانكفاء على الذات والصراعات التي لا معنى لها، والتي تحول بينها وبين أن ترتقي إلى مرتبة الكتلة التاريخية المنشودة.

عبد السلام فيلالي: كاتب و أستاذ محاضر
يجب النظر إلى المثقف من حيث الدور  لا من حيث التراتبية
ظل طرح إشكالية المثقف انطلاقا من علاقة الاتصال أو الانفصال بالمجتمع أو السلطة، من حيث البعد النخبوي الذي تم تصوره لدوره.
 إنه من خلال هذا، نحبذ طرح موقع المثقف في المجتمع تبعا من قضية المواطنة التي تفترض واقعيا المساواة القانونية بين المواطنين في علاقتهم بالدولة. ومن هنا لا يصير للمثقف أي وضع إشرافي/استعلائي في هذه المنظومة، وإنما ينظر إليه كفاعل اجتماعي محصور في شبكة الأدوار الاجتماعية، فهو بالتالي ليس أعلى وليس أسفل التموقع العام. ومن هنا وجب طرح الإشكالية من حيث الدور الذي يشغله والوظيفة التي يؤديها، وهو الأمر الذي يحدد علاقته بالفاعلين الآخرين. لذلك لا يجب النظر إلى وضع المثقف إلا من حيث الدور وليس ضمن تراتبية اجتماعية عامة.
ومن ثم وجب إعادة تحديد مفهوم المثقف ليس من حيث الفاعل الثقافي وإنما من حيث الدور الاجتماعي. وأما إذا عرضنا لوضعيته من الجانب السياسي، فليس له أي أفضلية أو رفعة على ما هو مقرر في دولة القانون.
ثم أن هناك ارتباط المفهوم بالنسق الثقافي حصرا، وهو ما يطرح إشكالا في التعريف مرة أخرى. فهل الثقافة تحيل إلى التحصيل الذاتي من معارف وبالتالي حصول التفاوت من حيث التخصص، أم أنها تحيل إلى أنساق قيم اجتماعية.
إنّنا نميل إلى ربط الثقافة بأنساق القيم الاجتماعية، وهذا يعني بالتالي وتبعا لتعريف السياسة عموما وجود توافق عام على هذه الأنساق. وهو ما يجعل الأمر مرتبطا بالحرية وليس بالنفوذ. فإن اجتماع المواطنين، على سبيل المثال، لمناقشة قضايا عامة لا يؤدي إلى التمييز بطبيعة الحال من حيث مبادئ المشاركة والحرية وإنما في مدى التخصص. فإذا سارت الأمور إلى التصويت بعد عرض الخبرة، لا يصير هناك رأي أفضل أو أعلى، وعلى هذا لا تحمل صفة المثقف أي صفة تميز، بقدر ما تحيل إلى مجال التخصص.
 وأما ما تعلق بوعي القضايا الاجتماعية فهذا الأمر صار مكفولا في التنظيمات الحديثة بما تلعبه المنظومة التربوية والإعلامية. حيث أنها قلصت جانب التميز في الإدراك وفهم شؤون المجتمع، هذا عن المثقف. أما الإحالة إلى النخبة الثقافية ودورها في المجتمع، ومكان تواجدها.
لسوف يكون طرحنا تبعا للمقاربة السابقة، فالأمر يتعلق بالاختصاص فقط وليس بالأفضلية.  والإحالة إلى صناعة القرار تحيل إلى الديمقراطية ومحدداتها، فلكلٍ مجاله وفي كل مجال لا بد من توفر عنصر الحق في المشاركة في بناء القرارات.

عبد الكريم ينينة: قاص
غياب ما يسمى بـ” القضية” لدى النخبة جعل تحركها يصب في المصلحة الذاتية فقط
من تعريفات النخبة أنها تعني مجموعة من الأشخاص الأكثر قدرة من غيرهم، وذلك في مجال ما، لهذا فقد عملت السلطة في بداية الاستقلال من أجل دعم الخيار الاشتراكي على صناعة هذه النخبة المقتدرة فكريا بأدوات معرفية، حتى تكون بديلا عن النخبة التقليدية (الأعيان) المعارضة للخيار والمعتمدة على الدين أو المال والعقار، والتي كثيرا ما كانت السلطة الاستعمارية تحاول استغلالها واستمالتها، ومع أن فكرة النخبة تتعارض في الجوهر مع الفكر الاشتراكي إلا أنه كان لابد مما يسمى بالطليعة لقيادة الجماهير نحو وجهة سياسية محددة، وكان أكبر هيئة لهذا هو «اتحاد الكتاب». مع بروز الديمقراطية توضحت هذه النخبة التي صارت نخبا تتميز في ما بينها إيديولوجيا وسياسيا، فتأسست على هذا الأساس الجمعيات والاتحادات والهيئات المستقلة من أجل النضال لتجسيد طروحاتها ورؤاها المختلفة سياسيا واجتماعيا وثقافيا.وبعيدا عن هذه الهيئات تتواجد الغالبية من نخبنا ومن بينها النخبة الثقافية، هذه الأخيرة غير المهيكلة والتي غالبا ما تتحرك فرديا من أجل الاستثمار الذاتي، إعلاميا أو من أجل التموقع في وضع اجتماعي وسياسي لا يعطي الأولوية للمعرفة. وما الظهور في المنابر الإعلامية والمهرجانات والمؤتمرات والصالونات إلا نضال لإبراز الذات والتموقع كما ذكرت، فغياب ما يسمى بـ «القضية» لدى النخبة لا يجعل تحركها يصب إلا في المصلحة الذاتية.
أما النُخب المهيكلة في الهيئات الخاصة كالجمعيات والاتحادات فإن أغلبها قد خضع –للأسف– لدفتر شروط معنوي يجعلها خاضعة لسياسة تبادل المصالح، وهي حاليا غير جديرة بإحداث تغيير في المشهد الثقافي نظرا لتكتلها على أساس إيديولوجي أو منفعي خاص بالهيئة وحدها أو بأفرادها.فإذا ألقينا نظرة على وضع نخبتنا سواء ما تعلق بالهيئة الجامعة (اتحاد الكتاب) أو على المستوى الجمعوي أو الذين تُوكل لهم الإدارة جانبا من تنظيم الملتقيات والمهرجانات أو المتواجدين على مستوى الاستشارة، نتأكد بأن المرض موجود في الداخل، وأن الوسط موبوء يحتاج (للأسف الشديد) إلى تحييد النخبة الحالية عن إدارة شؤونها، وتوكيله إلى غيرها لعله أكثر حيادية منها وأقل انحيازا، وأقل جهوية وأقل منها بكثير أمراضا معروف عنها أنها تعشش في الأوساط غير المتعلمة، وكان يجب ألا تكون في النخبة. ولقد تأكد بأن أكبر مهمش للمثقف هو المثقف نفسه، وتأكدت جوعته العظمى للحياة المادية حين تخلى عن السير تحت شمس النضال الثقافي الحارقة، وراح يبحث عن مكان له تحت ظلال السلطة الوارفة.

الرجوع إلى الأعلى