تحوّلت عمليّات الإعدام  إلى  عمل يومي في بلاد العرب والمسلمين تتنافس عليه الجماعات المتطرفة والدوّل: رؤوس تُقطع ومشانق تقام حين تخفت المجازر في حروب معلنة و أخرى صامتة، تندلع كلّها باسم الدين.
وبعدما كانت الجماعات الغامضة الخارجة من المخابر هي التي تتولى تنشيط المذابح، انخرطت الأنظمة  في المقتلة  وفي عملية التفكيك الكبرى لشبه الدوّل التي أقيمت على رمال متحركة بعد الجلاء الكاذب للاستعمار.
والغريب أن العملية باتت مقبولة لدى عالم  يباع فيه الصمت بملايير الدولارات، وتستخدم فيه القوى الكبرى الحلفاء الصغار في ترتيبات جيوستراتيجية تؤمّن مصالحها مقابل إبقاء الحليف على قيد الحياة.  
وليست حروب الطوائف التي تشتعل الآن سوى مرحلة متقدمة من عملية مشؤومة بدأت بإنشاء مشاتل الإرهاب الذي تحوّل بعد الرعاية التي تمتّع بها إلى ظاهرة عالمية، وأصبح جنديا متعدّد الاستخدامات يخوض لكل مرحلة حربها المقدسة.
لقد تحوّل المسلم إلى رمز لكائن قادم من عصور سحيقة ليقتل الناس، هذه الصورة ستخدم، بكل تأكيد صانع القرار الغربي في حروبه الجديدة بنفس الدرجة التي تخدم القوى التي ترفض الديموقراطية في البلاد العربية  و الاسلامية وترفض استبدال الهواء القديم  بحجة أن الاستقرار يقتضي ذلك، والضحية ستكون المجتمعات التي تحملت وزر الحروب كلّها وتحملت أعباء الاستبداد والتخلّف.
ويبدو الخروج من هذا الوضع بعيد المنال من فحص خفيف لواقع هذه التجمعات البشرية يُظهر عدم تمكنها من كسب أدوات العيش في هذا العصر، بافتقادها إلى التعليم النوعي و التنظيمات الاجتماعية الحديثة المتمثلة في الأحزاب والجمعيات المدنية التي تتولى التفاوض مع الحكومات ومراقبتها باستمرار، أين تخوض حربا غير مسلحة من أجل الحفاظ على الحقوق الاجتماعية وحقوق الإنسان في هذه الأقاليم التي لم تجرّب غير نواميس القوة، ومن التحالف بين رجل الدين و الحاكم بالقوة، وتحول الأول إلى نجم يستخدم التكنولوجيا في توجيه الجماهير قليلة الحيلة إلى تدمير نفسها وطاعة حكامها وتسفيه وتكفير الخصوم.
ويضاف إلى كل ما سبق الدور المخيف الذي أصبحت تلعبه وسائل الإعلام والنخب في إثارة الطائفية والدفاع المستميت عن التخلف و تمجيده. 

سليم بوفنداسة

 
    • الخروج من حُجرة الكتابة

      خرج بول أوستر من "حجرة الكتابة" تاركًا أبطاله لمصائرهم الغامضة وشعبًا يتيمًا في مختلف اللّغات، هو الذي فضّل أن يختتم الرحلة في الحجرة ذاتها التي شهدت ميلاد أبطاله، تمامًا كبطله  العجوز "بلانك" المحتجز في غرفةٍ ليُحاسب على ما...

    • قطارُ الباطل

      سلّطت الاحتجاجاتُ الطلابيّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة الضوء على هيمنة اللّوبي الصهيوني على الجامعات ومراكز البحث، سواء من حيث الاستثمارات والشراكات أو التمويل والتبرّعات التي تهدف إلى الهيمنة والسيطرة على القرار، وهو ما...

    • صعلكة

        أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية،...

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى