سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا، تمامًا كما يتوقّف نقد الدين عند الإسلام أما الطّقوس والأساطير اليهوديّة المسيحيّة فإنّها غير قابلة للنقد، وفق ما يقتضيه الانتساب السكيزوفريني إلى نادي نُخبة اليمين الفرنسيّ.

الكاتبُ الجزائريُّ الذي يدفع جِزيةَ الحصول المتأخّر على الجنسيّة الفرنسيّة، ذهب بعيدًا في زاويته الدائمة بمجلة لوبوان اليمينيّة الفرنسيّة في عدد السابع ديسمبر وهو يتهكّم على ضحايا واحدة من أبشع المذابح في التاريخ، حين استغلّ المناسبة للاسترسال في السخريّة من صفة "الشّهيد" التي تُطلق على الضحايا، واعتبر الشّهيد ميتا مُبجلًا أو من كبار الشّخصيات (VIP) وهذه التراتبيّة، على حدّ تعبيره، تخصّ جثث المسلمين دون سواهم، ولعلّ ما يثير استغرابه أنّها لا تشمل الإسرائيلين الذين سقطوا في مواجهة حماس، لأنّ الموتى في الغرب الذي يحبّه داود موتى نهائيًا أما في العالم المسمى بالعربي أو الإسلامي، على حدّ وصفه، فإنّ الموتى الذين تطلق عليهم تسميّة شهداء لا يموتون تمامًا، بل لا يموتون على الإطلاق.
وفي العدد السّابق لذات المجلّة  كشف داود للعالم أصل أدبيات "الحقد" التي تستند إليها حماس في هجومها على المحتل، حيث كتب بأن محامي العنف يجدون مبرّر ما قامت به حماس في تاريخ التحرّر من الاستعمار، وبالضبط في الثورة الجزائرية التي تُقدّم كنموذج، والثورة عمل مُدان في عرف داود لأنّها بربريّة نتيجتها الاستقلال، وهو حدثٌ غير سعيدٍ بالنسبة لكاتبٍ يتودّد للوبي اليميني الذي لم يصدّق إلى اليوم أنّ الجزائر استقلت واللوبي الصهيوني الذي يتحكم في الإعلام الفرنسي ويضمن "غذاء" الكاتب ذاته.
 قصّة السّلم التراتبي،التي اهتدى إليها السيّد داود لا تخصُّ الجُثث الميتة تمامًا أو الجثث التي يظلّ أصحابها أحياء عند ربّهم فقط، بل تنطبقُ أيضًا على الجُثث التي تسافر والجثث التي تكتب والتي تنتقل في حياتها من النّقيض إلى النقيض، والجثث التي تحصل على جنسيات جديدة،  سنجد بلا ريب، النّظام التراتبي ذاته في حقول أخرى، سنجد مثلًا، "باعة" من الدرجة الثالثة يقدّمون معلومات عن أوطانهم لسفارات ومصالح قوى استعماريّة، وباعة من الدرجة الثانيّة يشتغلون كمحرّرين متخصّصين في إنتاج الخطاب النيوكولونيالي والإشادة بفضل الاستعمار على الشعوب، وباعة من الدرجة الأولى(VIP) يتناولون وجبات العشاء مع  رؤساء الدول الاستعمارية، سابقًا، ويتميّزون بحريّة الكلمة إلى درجة أنّ الإعجاز اللّغوي الذي يستحلبونه من الحريّة يمكّنهم من تحويل الحقّ إلى باطل والباطل إلى حقّ، هذه الفئة قد تُحصّل مجدًا مؤقتًا، لكنّها تفقدُ الشّرف إلى الأبد!

سليم بوفنداسة

    • صعلكة

        أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية،...

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى