شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث يدور الذباب في الغالب حول عبارتي: أذهبوا وحرّروا فلسطين، وكفى متاجرة بالقضيّة!

يحدث هذا في وقت تتصدّع فيه السرديّة الصهيونية في الدوّل الغربيّة التي اخترعت الكيان نفسه، حيث ضاقت الشّعوب والنّخب بسلوك "الوحش"، وخرجت في مظاهرات حاشدة للمطالبة بوقف رعاية القتلة، ووجدت الحكومات المؤيدة له صعوبةً في انتقاءِ الكلمات لتبرير دعمها له.
و يمكنك أن تقرأ في مواقع عربيّة ما لا يملك إسرائيليون الجرأة على قوله، في هجاء المتعاطفين مع فلسطين، الذّين باتوا يُوصفون بالمتخلّفين الذين لا يُحسنون قراءة التغيّرات الجيوستراتيجية التي تعرفها المنطقة، في دعوة واضحة للانخراط في أجندات الاستعمار الجديد، لأنّ الذين "يجيدون القراءة" تحوّلوا إلى مُناولين يُشعلون الحروب  ويوظّفون المرتزقة على الأرض و في المواقع الافتراضية، لفرض واقعٍ جديدٍ، ويبشّرون بالحلّ السّحري الذي يوفره الكيان، لبلدان تواجه صعوبات ناجمة عن تخلّف له أسباب  سيّاسيّة بالأساس. وصرنا نقرأ عن التفوّق التكنولوجي والعسكري الذي يتيحه "التحكّك" بالكيان، وتطوّر أنظمة التعليم والفلاحة والصّحة، ونهاية مشكلة الجفاف باستخراج أنهارٍ واستحلاب السّحب.
و إذا كان الذباب يعبّر عن وجهة نظر أنظمة تستخدم "الميديا الجديدة"، تماما كما كانت تستخدم الإعلام الكلاسيكي في تلميع صورتها، فإن اندفاع نخبٍ لخدمة أنظمة بطركيّة يُثير الأسى، خصوصًا حين تحيل مطلب الحريّة إلى زاويّة النسيان مطمئنة لرعاية تجيب على انشغال فردي تعاني منه النخبة في مجتمعات لا تستهلك المعرفة والآداب والفنون، ويمكن  اعتبار استسلام مثقفين وفنانين وانخراطهم في "الواقعية القذرة"، بمثابة حربٍ أخرى يفوق أثرها، على المجتمعات العربيّة، الأثر الذي تخلفه الحرب المدمرة  الجاريّة في غزة تحت أكثـر من عنوان.

سليم بوفنداسة

    • صعلكة

        أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية،...

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى