عُذّب بالإسفلت المغلي و زيت السيارات و ألقي به في مكان مجهول
تعود الذكرى 60  لاستشهاد الشيخ العربي التبسي  الذي امتدت إليه يد الاستدمار الفرنسي  واختطفته من بيته  و أخذته إلى مكان مجهول و أعدمته بكل برودة، وإن اختلفت الروايات حول طرق التعذيب ورمي الجثة، لكنها تتقاطع في كون العلامة تعرض لأبشع الأساليب التعذيبية لرده عن مناصرة الثورة وقتل في ظروف غامضة.

حدث ذلك بعد أن علم المستعمرون أن الشيخ يتمتع بشعبية كبيرة وأنه يؤيد الثورة التحريرية وأحد محركي قواعدها الخلفية، فأرسلوا إليه عدة مبعوثين للتفاوض بشأن الثورة و مصيرها ودراسة إمكانية وقف إطلاق النار، فاستعملوا معه مختلف الأساليب من ضمنها أسلوب الترغيب و الترهيب، و كان جواب الشيخ دائما "إن كنتم تريدون التفاوض، فالمفاوض الوحيد هو جبهة التحرير الوطني و جيش التحرير الوطني "، لأنه شعر بأنهم يريدون  تفكيك الصفوف ، و ربح الوقت و الحد من حدة المواجهة العسكرية ليس إلا.
بعد رفض الشيخ العربي التبسي المستمر التفاوض باسم الشعب الجزائري، رأى المستعمرون أنه من الضروري التخلص منه، لكنهم فضلوا ألا يعتقلونه أو يغتالونه علنا، لأن ذلك يزيد من حماس الشعب و حقده على المستعمر، فوجهوا له تهديدات عن طريق رسائل مجهولة المصدر تأمره بأن يخرج من البلاد.
بعد أن أصر الشيخ على البقاء في بلده، ويئس المستعمر منه، تم اختطافه بطريقة جبانة، ننقل وصفها من خلال بلاغ نشرته جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في جريدة "البصائر" "في مساء يوم الخميس 4 رمضان 1376 الموافق ليوم 4 أفريل 1957، على الساعة الحادية عشرة ليلا، اقتحم جماعة من الجند الفرنسي، التابعين لفرقة المظلات  مسكن فضيلة الشيخ الأستاذ الجليل العربــي التبســي، و الرئيس الثاني لجمعية العلماء المسلمين ، و المباشر لتسيير شؤونها ، و أكبر الشخصيات الدينية الإسلامية بالجزائر، بعد أن حطموا نوافذ الأقسام المدرسية الموجودة تحت الشقة التي يسكن بها "( بحي بلكورـ طريق التوت  بالعاصمة)..." و كانوا يرتدون اللباس العسكري الرسمي للجيش الفرنسي، و قد وجدوا الشيخ  على فراش المرض الملازم له، و قد اشتد عليه منذ أوائل شهر مارس، فلم يرعوا حرمته الدينية ، و لا سنه العالية  و لا مرضه الشديد ، و أزعجوه من فراش المرض بكل وحشية و فظاظة ، ثم أخذوا في التفتيش الدقيق للسكن .. ثم أخرجوه حاسر الرأس، حافي القدمين .. و لكن المفاجأة كانت تامة عندما سئل عنه في اليوم الموالي في الإدارات الحكومية المدنية و العسكرية و الشرطة العدلية ، فتبرأت كل إدارة من وجوده عندها أو مسؤوليتها عن اعتقاله أو العلم بمكانه".

عذب بأمر من لاغارياد  على أيدي جنود سنغاليين

اختلف المؤرخون حول الجهة الاستعمارية التي اختطفته  وكيفية إعدام الشيخ العربي التبسي ، قال أحمد توفيق المدني :" و أقول  للأمانة و اعترافا بالحق أن الشيخ العربي التبسي رحمه الله رحمة واسعة ، قد سار سيرا موفقا و تدرج مع الثورة إلى الذروة ، و كتب الله له ـ و لنعم ما كتب ـ أن يموت شهيدا من شهداء الثورة الأبرار ، إذ ألقى رجال المنظمة العسكرية السرية الاستعمارية القبض عليه ليلا و ساقوه إلى ساحة الإعدام، بعد أيام قضاها في دهاليز "فيلا سيزيني"  ـ مركز البحوث التاريخية اليوم ـ رحمه الله رحمة واسعة "،               ويروي الرائد أحمد الزمولي كما ورد في كتاب الدكتور أحمد عيساوي حول قصة الاستشهاد، علما بأنه أحد مجاهدي المنطقة الخامسة للولاية التاريخية الأولى "أوراس النمامشة" و قد التحق بصفوف الثورة التحريرية الكبرى بتاريخ 23 سبتمبر1954 ، أنه بعد العودة يوم 17 أفريل 1957 مع القائد لزهر شريط، بعد مواجهة في أعالي وسفوح "الجبل الأبيض" مع قوات الاستعمار، و إثر علمهم عن طريق الأخبار الإذاعية باختطاف الشيخ العربي التبسي، أخبرهم أهل المنطقة من "أولاد بالعيساوي" و"الجدور" أهل الشيخ، بأنهم شاهدوا جنود الاحتلال يعدمون قرابة 40 شخصا رميا بالرصاص ــ  يواصل ذات المتحدث ــ "فتحركنا نحو المنطقة التي تمتّ فيها عملية ردم الجثث بصفة جماعية، لإعادة إخراجها ودفنها طبقا لتعاليم الدين الإسلامي الحنيف، وحاولنا التعرف على الشيخ من بينهم، غير أننا تأكّدنا عندها أنه غير موجود بينهم".
و يسرد الرائد المعروف في سلك المحاماة بولاية تبسة اليوم، رواية أخرى لكيفية  اختطاف الشيخ، حيث يقول بأنه كانت تربطه علاقة صداقة حميمية مع سي إبراهيم البوسعادي، ولهذا الأخير صديق من منطقة القبائل كان يعمل بالفندق العسكري ببور سعيد بالجزائر العاصمة، مضيفا "كان ذلك العامل بالفندق يكرمنا أيما إكرام إذا نزلنا بذات الفندق، فسألت صديقي سي إبراهيم البوسعادي عن علاقته بمدير الفندق، فردّ عليّ بنبرة حزينة، راويا قصة استشهاد الشيخ العربي التبسي ، فقد كانا شاهدين عليها في ذلك الوقت، باعتبارهما منخرطين في صفوف الجيش الفرنسي فرقة "البيري روج" أي "القبعات الحمر" ، حيث  طلب القائد الفرنسي إحضار قدر من زيت السيارات الممزوج بالإسفلت و الذي بقي فوق النار حتى درجة الغليان، ليوضع الشيخ عاريا فوقه، طالبين منه التراجع عن دعم الثورة وتعديل خطابه ضد الاستعمار الفرنسي، لكنه ظل يرفض الانصياع وتواصل هذا التعذيب والتنكيل ، حتى تلقّى الجنود السينغاليون الأمر بإدخاله في ذلك القدر، لافظا الشهادة كآخر كلمات له في هذه الحياة الدنيا".
وقال هذا الصديق للرائد أحمد الزمولي "لقد كنت بمعية صديقي في الفرقة العسكرية التي اقتحمت منزل الشيخ العربي التبسي ليلا ببلكور بالجزائر العاصمة، بقيادة الدموي ديمون لاغارياد،  الشيخ بقي سجينا لدى هذه الفرقة العسكرية ليعذّب بأمر من  لغارياد من طرف مجموعة من 04 أفراد من الجنود السينغاليين طيلة 03 أيام، دون طعام ولا لباس ، أما يوم الاستشهاد فكان بعدما طلب القائد الفرنسي إحضار قدر من زيت السيارات الممزوج بالإسفلت والذي بقي فوق النار حتى درجة الغليان ليوضع الشيخ عاريا فوقه، طالبين منه التراجع عن دعم الثورة وتعديل خطابه ضد الاستعمار الفرنسي، لكنه ظل يرفض الانصياع وتواصل هذا التعذيب والتنكيل ،حتى تلقّى الجنود السينغاليون الأمر بإدخاله في ذلك القدر لافظا الشهادة كآخر كلمات له في هذه الحياة الدنيا ،إن  صديقي الرائد أحمد الزمولي لم يذكر التاريخ بالتحديد ، لكنهما يؤكدان أن ذلك كان بين 10، 12 أو 13 أفريل 1957، ليرمى به في عرض البحر بواسطة الطائرة، وهو تاريخ هروبهما من صفوف الجيش الفرنسي والالتحاق بالثورة لما رأياه من فظاعة الممارسات الوحشية لقوات الاحتلال ، وكان الشيخ العربي التبسي  قد ترأس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بعد سفر البشير الإبراهيمي إلى المشرق العربي، مما جعله عرضة لمضايقات السلطة الاستعمارية التي عملت كلّ ما في وسعها لإسكات صوته و لما فشلت قامت باختطافه واغتياله بعد ذلك في ظروف غامضة ولا يزال قبره مجهولا لحدّ الآن، كما يؤكد أقاربه و المؤرخون.

الدكتور فريد نصر الله من جامعة تبسة


  التبسي أُعدم مع 500 شخص آخرين
وذكر الدكتور الجامعي فريد نصر الله من جامعة تبسة ، أن كل أصابع الاتهام موجهة للسلطات الفرنسية في قضية اختطاف واغتيال الشيخ العربي التبسي، حيث جاء في كتاب «معركة باريس"  للكاتب إينودي أنه تم اختطاف وإعدام 500 شخصية سنة 1957، مضيفا أن الجنرال ماسون الذي كان مسؤولا آنذاك عن الأمن في الجزائر العاصمة، اعترف أيضا في جريدة «لوموند « الصادرة بتاريخ 6 أفريل 1957 ،بأنه تم اعتقال الشيخ وأنه سيتم إطلاق سراحه بعد إتمام التحقيقات، غير أنه في ما بعد عمدت السلطات الفرنسية لتغطية جريمتها بمحاولة الترويج لمعلومات مغلوطة، بأن الثورة الجزائرية هي التي أعدمت الشيخ العربي التبسي، غير أن المتحدث ذاته قال، أن كل المؤشرات والقرائن التاريخية تؤكد تورط وضلوع فرنسا الاستعمارية في اغتيال الشيخ العربي التبسي الذي بقي قبره مجهولا إلى يومنا هذا، في إشارة قوية لوقائع الاغتيال والرمي بالجثث في عرض البحر ،عن طريق الطائرات العمودية .

فرحات عبد المجيد شقيق العربي  التبسي


 قال لعبد الناصر "نريد المساعدة بالسلاح لا بالفتاوى"
الأخ غير الشقيق للشيخ العربي التبسي، فرحات عبد المجيد، ذكر بعض مواقف الشيخ الشهيد العربي التبسي، مشيرا إلى ردّه على المحققين الفرنسيين  "ماذا تنتظرون غير التمرد والعصيان والثورة، لقد زرعتم الجهل والأمية، ولم تشيدوا المدارس والمصانع، بل بنيتم المعتقلات والسجون للتعذيب”، مضيفا أن الشيخ العربي التبسي عندما استشير من طرف بعض سكان الحدود الشرقية حول بعض قطع أسلحة الجيش الألماني التي طلبت منهم فرنسا تسليمها، أشار الشيخ على الأهالي بتسليم جزء منها فقط، وإخفاء الجزء الآخر تحضيرا للثورة.
 و في حادثة ثالثة تضمنت لقاء الشيخ العلامة العربي التبسي مع الزعيم جمال عبد الناصر، قال فرحات عبد المجيد أن الشيخ طلب من عبد الناصر مساعدة الجزائر،  فرد عليه "طبعا الأزهر يساعدكم"، غير أن الشيخ فهم رسالة عبد الناصر ورد عليه ببداهة الجزائري الثائر "نحن نريد من الضباط الأحرار المساعدة بالأسلحة وليس بالفتاوى " ، وفي صورة الاستهزاء بالخرافات الرائجة ، وانتقاد الوضع قبل الثورة، ردّ الشيخ على سؤال أحد السكان حول ما يعرف بـ "السبعة رقود "، "أنا أعرف 7 ملايين جزائري  راقدين وأنت واحد منهم ".
عبد العزيز نصيب

الرجوع إلى الأعلى