وصف - المشيخة- حجب الفكر  المتحضر والدور  النهضوي للعلامة
أجمع يوم أمس، المتدخلون من أساتذة و مفكرين في اليوم الاول من الملتقى الدولي حول أعمال محمد البشير الإبراهيمي، المنظم بجامعة البرج التي تحمل اسمه أن هذا العلامة لا يقتصر فكره على التوصيف السائد الذي يضعه في دائرة « المشيخة» المغلقة، خصوصا لدى الجيل الحالي الذي يرى الشيخ في زاوية المسجد و الخطابة و الدين، بل يتعدى فكره و أعماله هذا التوصيف الضيق إلى الأبعاد الحقيقية و العميقة لكتاباته ودوره النهضوي، في جوانب متعددة فلسفية وأدبية ودينية وفكرية و حتى سياسية و نضالية خلال فترة الثورة التحريرية، التي دافع فيها الابراهيمي وغيره من العلماء عن الثوابت الوطنية، بما تحمله من تنوع و ثراء خصوصا ما تعلق منها بالهوية العربية و الإسلامية للشعب الجزائري.

عبد الرزاق قسوم رئيس جمعية العلماء المسلمين
الشيخ كان موسوعة ثقافية متعدد الاختصاصات
وكانت من أبرز المداخلات في اليوم الأول، تصريح الأستاذ عبد الرزاق قسوم رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، الذي أكد على أن مثل هذه  الملتقيات العلمية الجامعية لها رمزية كبيرة، كونها تكتسي ميزة الاعتراف بجميل السلف،  مضيفا أن الملتقى الدولي للعلامة محمد البشير الإبراهيمي يكتسي مجموعة من المميزات و الخصائص لأنه ينظم في جامعة تحمل اسم عالم، خدم الوطن والثقافة والأمة الإسلامية بإسلامه المتفتح المدقق، و لأنه يقام لعالم من جمعية العلماء المسلمين التي «أفنى علماؤها حياتهم في سبيل إحياء الأمة وتوعيتها بهويتها وشخصيتها وانتمائها الحضاري البعيد»، كما أن للملتقى طابع  دولي لأنه يطل على العالم كله ليبين قيمة العلماء الجزائريين الذين أحدثوا نهضة علمية لما يتميزون به من موسوعية وتنوعية، فالإبراهيمي كما أضاف موسوعة ثقافية متعدد الاختصاصات، في المقالة الصحفية و الاعلام السياسي وفي المصطلح اللغوي والخطابة للعامة من الناس بلغة سليمة و دقيقة مشيرا إلى أن هذا النوع من العلماء هم الأجدر بأن تطل بهم الجزائر على العالم والطلبة و الباحثين خاصة في الوقت الحالي للاستفادة منهم كنماذج في العلوم والإعلام و السياسة والدين والثقافة العامة والانتماء الحضاري وكل ما يمكن أن يصنع الشخصية الوطنية الحقيقية .

الأستاذ مبروك دريدي من جامعة سطيف
كان يفضل استعمال العقلانية في الرد  على مشوهي الدين
من جانبه أشار مبروك دريدي أستاذ بجامعة سطيف الذي قدم مداخلة بعنوان التفكير بالحجة عند الابراهيمي جدارة الانسان الجزائري و نقض مبررات المعتدي، أن مصطلح  « الشيخ» الذي يطلق على العلامة البشير الابراهيمي وغيره من العلماء، هو في الواقع حصر لدور هؤلاء العلماء في زاوية يختلف فهمها وتحليلها بالنسبة للجيل الحالي، و هي بعيدة في مضمونها عن الدور الحقيقي لهؤلاء العلماء، فوصف الشيخ في ثقافتنا  يقتصر على صاحب المنبر، لكن الأجدر كما أضاف أن يرى لهؤلاء المفكرين و العلماء بنظرة تذهب خلف هذا التوصيف و تستدعي البحث عن قدرتهم في التفكير، خاصة ونحن في عالم يلصق فيه وصف الإرهاب و العنف بالأديان و الاسلام تحديدا وقد يجد هؤلاء مبررات عدة مستمرة في الحجة، فيقال أنه يدعو  إلى العنف، مضيفا في مداخلته أن الابراهيمي كان واعيا، بأن الرد على مثل هذه الاتهامات والتشويه للدين يجب أن ينساق إلى الرد المتعقل العقلاني، بمعنى استعمال لغة الخصم و سلاحه.
و يرى الأستاذ دريدي أن ما يجري حاليا مجرد أوهام، خاصة ما تعلق منها بوهم المفاوضة ووهم الحوارية وهي مسميات تسوق في  التحت العميقة، معتبرا أنه لا وجود لمفاوضة إلا بين الأنداد و لا محاورة إلا لمن يملك نفس المقدار من القوة، و هذا ما يجب أن يعيه المجتمع الجزائري كما كان يعي به الشيخ الابراهيمي، مشيرا إلى أنه لم يكن شيخا فقط بل كان أنيقا بشوشا ضحوكا كاتبا عميقا ومفكرا ومنطقيا استعمل المنطق والعقل واستعمل لغة الإحتلال ليرد على أكاذيبها ويبطلها.

محمد زرمان أستاذ بجامعة باتنة
العلامة دعا إلى الانفتاح بعيدا عن العشوائية والارتجالية
أما الاستاذ محمد زرمان، فأشار في مداخلته التي ركزت على موضوع الانفتاح على الآخر في فكر الابراهيمي وأهميته في التجديد الحضاري، إلى أن الابراهيمي كان صاحب فكر متفتح، حيث دعا الى الاستفادة من التجربة الحضارية الغربية على وجه الخصوص، كونه أمر  مطلوب و ضروري، و باعتباره كما تطرق إليه الأستاذ بوزرمان مطلب ديني أيضا وضرورة حضارية، لأنه من دواعي التحضر و الازدهار فكان يرفض الانغلاق على الذات و يدعو إلى ضرورة الانفتاح على الآخر، باعتباره قانون طبيعي في جميع المجتمعات الطامحة إلى احداث أي تغيير في حياتها ، لكنه كان يشترط أن تتم عملية الانفتاح وفق شروط دقيقة فهي ليست عملية مفتوحة على العشوائية و الارتجالية وإنما عملية منظمة ومرتبة من أهم شروطها احترام المعادلة الاجتماعية والخصوصية الحضارية لكل مجتمع فلكل مجتمع قيمه و ثقافته، فكان لزاما التفتح على الأخر بالاستفادة من المكتسبات المادية والعلمية والخبرات و ترك الإديولوجيات و الثقافات الأجنبية لأن لكل مجتمع قيمه.
وانطلقت اشكالية الملتقى الذي يتواصل على مدار يومين كاملين حول المنجز الفكري و الأدبي في أثار محمد البشير الإبراهيمي و النظرة السائدة له كشيخ مصلح، التي طغت على دوائر التلقي ومؤسسات التعليم و فضاءات الإعلام العام على أنه شيخ ومفكر إصلاحي، حيث أبرزت اللجنة العلمية للملتقى في اشكاليتها على أن المشيخة كثيرا ما حجبت على الإبراهيمي المفكر و البرهاني والمصلح و الأديب، ووضعته في حد من الفهم أخفى صفات كثيرة جسدها في فكره وكتاباته.
ع/بوعبدالله

الرجوع إلى الأعلى