يجمع محللون ودبلوماسيون على وصف 2023 بالعام الدبلوماسي في الجزائر. فخلال هذا العام شهدت البلاد زيارات خارجية قام بها الرئيس عبد المجيد تبون، سمحت بتعزيز العلاقات الاستراتيجية، وفوز الجزائر بمقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي، وهو إنجاز يؤكد العودة القوية للدبلوماسية الجزائرية على الساحة الدولية.

استمرت الجزائر سنة 2023، بقيادة رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، في تعزيز دورها الدبلوماسي إقليميا ودوليا، ولعلّ ما لفت الانتباه خلال العام، تعزيز الخيارات الإقليمية للجزائر، والتي بدأت ملامحها تظهر منذ الزيارة الأولى من الرئيس تبون لروسيا وقبلها لتركيا وإيطاليا والبرتغال ثم الصين.
وخطفت الزيارتان اللتان قام بهما تبون لكل من روسيا والصين الانتباه، نظراً إلى المدة التي استغرقتاها والأجندة التي تضمنتاها، وكانتا بذلك مؤشراً واضحاً بشأن توجّهات البلاد الإقليمية والاستراتيجية نحو تعزيز العلاقات مع الشركاء الاستراتيجيين بالنسبة للجزائر، من حيث قيمة الاستثمارات المشتركة اقتصاديا وتوافق المواقف سياسيا، إضافة إلى التقارب الكبير بشأن عديد الملفات المطروحة على الساحة الدولية.
وتعكس زيارات الرئيس تبون بوضوح توجه الجزائر نحو شراكات مبنية على الثقة السياسية، حيث تعد هذه الدول «الأكثر استعداداً للمساعدة في تنفيذ مخطط التنمية الذي اقره الرئيس تبون، وأظهرت رغبة الجزائر في الابتعاد عن حالة الاستقطاب التي يشهدها العالم والمضي نحو عالم متعدد الأقطاب، أكثر عدالة، ومساعدات أكبر للدول الفقيرة، وإصلاح المؤسسات الدولية التي لم تعد تؤدي دورها، كصندوق النقد والبنك الدوليين.
فعلى صعيد العلاقات الدولية، يسجل تبون حيوية لافتة سمحت باستعادة نسق مهم في علاقات الجزائر مع بعض المحاور، ومراجعة العلاقات مع محاور أخرى سياسيا واقتصاديا، إذ برز توجه الجزائر نحو الشرق بصورة كبيرة، على غرار الصين وروسيا وتركيا وقطر، وبرأي محللين فان الاستقبال الكبير الذي حظي به رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، دليل على المكانة المرموقة التي صارت تحتلها بلادنا في مصاف الدول والمجتمعات، والأهمية القصوى التي تحظى بها الدبلوماسية الجزائرية في حلحلةِ مختلف الأزمات السياسية والقضايا الأمنية العالقة، خاصة تلك المتعلقة بمنطقة الساحل.
كما حرص رئيس الجمهورية على إحياء العلاقات مع عدد من دول أوروبا الشرقية، التي كانت تربطها بالجزائر علاقات رفيعة قبل التسعينيات، لاعتبارات تاريخية وسياسية. حيث أوفد وزير الخارجية، إلى سلوفينيا وصربيا، وجرى خلال تلك الزيارة الاتفاق على ترتيب زيارة للرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش، إلى الجزائر، كما زار وزير الخارجية في سبتمبر الماضي، المجر، وقبل أشهر، استقبلت الجزائر نائب وزير الشؤون الخارجية البولندي، وتم الاتفاق على إجراء حوار سياسي وإحياء التعاون الاقتصادي بين البلدين.
 فشل محاولات تعكير العلاقات مع واشنطن
ورغم محاولات يائسة لتعكير العلاقات الجزائرية – الامريكية، تحت ذريعة التقارب الجزائري الروسي، إلا أن تلك المحاولات باءت بالفشل، بل على العكس من ذلك، تكثّف الاتصالات السياسية بين الجزائر والولايات المتحدة الأميركية، وبشكل لافت، إذ جرت لقاءات ومكالمات هاتفية بين كبار المسؤولين من البلدين، لمناقشة عدد من القضايا المركزية في منطقة الساحل، كما احتضنت واشنطن دورة جديدة من الحوار الاستراتيجي بين البلدين.
وكان وزير الخارجية أحمد عطاف، قد زار واشنطن منتصف شهر أوت الماضي. التقى خلالها نظيره الخارجية أنتوني بلينكن وعدداً من المسؤولين الأميركيين، بينهم منسق الأمن القومي في البيت الأبيض بريت ماكغورك، وقال عطاف، في تصريح لصحيفة «واشنطن بوست» بأن هذه الزيارات والاتصالات، مؤشر ودلالة على «جودة العلاقة والحوار السياسي بين البلدين».
ويعتقد مراقبون أن «كثافة الاتصالات الجزائرية الأميركية الأخيرة، تعطي مؤشراً على رغبة واشنطن في إعادة تقدير علاقاتها مع الجزائر، التي تصنفها الإدارة الأمريكية بالدولة الأكبر والأهم في منطقة شمال أفريقيا والساحل، خاصة بسبب الأهمية التي باتت تكتسبها الجزائر في مجال محاربة الإرهاب، والمبادرة إلى إحلال السلم في منطقة الساحل، ولكون الجزائر أبدت استعدادها الدائم لإقامة علاقات متوازنة مع واشنطن، ومع كل الأطراف الفاعلة في المنتظم الدولي.
  إنجاز في الأمم المتحدة
ولعلّ أبرز ما لفت الانتباه خلال عام 2023، فوز الجزائر بمقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي للفترة الممتدة بين 2024- 2025، وذلك خلال تصويت في نيويورك، حصلت بموجبه الجزائر على 184 صوتاً من مجموع أصوات 192 دولة في الجمعية العام للأمم المتحدة.
ووصفت رئاسة الجمهورية هذا الحدث بـ»النجاح الدبلوماسي الذي يعكس بوضوح عودة الجزائر الجديدة إلى الساحة الدولية، ويؤيّد رؤية ونهج الجزائر للحفاظ على السلم والأمن في العالم على أساس التعايش السلمي، والتسوية السلمية للنزاعات، وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول، في إطار السياسة الخارجية للبلاد، ويلقي عليها مسؤولية خاصة في إطار النجاح الدبلوماسي كما في المساهمة في مسار صنع القرار الدولي».
ومن بين أولويات عهدة الجزائر بمجلس الأمن، تلك التي تخص دول الاتحاد الإفريقي، حيث ستضطلع بتفعيل مطلب رفع عدد مقاعد الدول الإفريقية على مستوى الهيئة والمساهمة في توحيد كلمة إفريقيا داخلها بهدف ضمان طرح أفضل ودفاع أنجع عن أولويات القارة السمراء وطموحاتها المشروعة.
كما حققت الجزائر مكتسبات جديدة على المستوى الدبلوماسي، سيما انتخابها نهاية سبتمبر في فيينا بالإجماع من طرف الدورة الـ67 للمؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية كعضو في مجلس محافظي الوكالة للفترة الممتدة من 2023 إلى 2025. علاوة على ذلك، تم نهاية نوفمبر المنصرم إعادة انتخاب الجزائر من طرف الدورة الـ28 لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية بالإجماع في المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية عن منطقة إفريقيا لعهدة مدتها سنتين ابتداء من 12 ماي 2024.
ويعد هذا بمثابة تجديد للثقة في دور الجزائر الإيجابي في مجال نزع السلاح الكيميائي والتزامها بتحقيق أهداف اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية. وفي نفس الشهر، تم انتخاب الجزائر لرئاسة لجنة تعزيز التعاون والمساعدة في اتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد لسنة 2024، خلفا لتايلاندا، اعترافا بدورها الريادي وتجربتها في مكافحة الألغام المضادة للأفراد والتي تعود إلى الثورة التحريرية، وكذا مساهمتها الفعالة في تحقيق الأهداف الإنسانية للاتفاقية. وتضاف هذه الانتخابات إلى الإنجازات السابقة التي حققتها الجزائر الجديدة، سيما انتخابها عضوا في مجلس حقوق الإنسان وعضوا غير دائم في مجلس الأمن الأممي.
 انفتاح إزاء الهيئات الحقوقية الدولية
وفي مجال حقوق الإنسان، قال الرئيس تبون، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، إن «الجزائر تؤمن إيمانا عميقا بأن احترام حقوق الإنسان وترقيتها هما حجر الزاوية لأي نظام سياسي ذي مصداقية وتعمل على تعزيزها بكل الوسائل الممكنة».
وأبدت الجزائر انفتاحاً غير مسبوق إزاء الهيئات الحقوقية الدولية، حيث سمحت لمقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في التجمع السلمي وتكوين الجمعيات كليمان نياليتسوسي فول بزيارة الجزائر، واعقبتها زيارة مماثلة للمقررة الأممية المكلفة أوضاع المدافعين عن حقوق الإنسان، الآيرلندية ماري لولور.
وقد أشاد المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات، بإرادة السلطات الجزائرية في ترقية حقوق الإنسان بشكل أكبر بالاستعانة بالخبرة الدولية لهذا الغرض. كما أعرب المقرر الأممي عن ارتياحه لكون «أن الحكومة الجزائرية التزمت بدعوة المقررين الآخرين إلى المجيء إلى الجزائر «, ملتمسا خلال هذه المبادرة «تفتحا» لأجل تشييد جزائر جديدة تكرس الحريات وحقوق الإنسان.
 ولم تحد الجزائر أبدا عن خطها العقائدي المتمثل في وضع، تحت تصرف البلدان التي لا تزال تعاني من نير الاستعمار وكذا القضايا العادلة، خبرتها ومهاراتها وإمكانياتها من أجل استعادة السلام والاستقرار وتمكينها من انتزاع استقلالها وفيما يخص فلسطين المحتلة ظلت الجزائر وفية لموقفها الثابت في دعم القضية الفلسطينية التي وضعتها على رأس أولويات دبلوماسيتها ولا تزال تدين استمرار العدوان الصهيوني الهمجي منذ 7 أكتوبر الماضي على غزة أمام الصمت الدولي المخزي كذلك هو الشأن بالنسبة للصحراء الغربية المحتلة فلطالما جددت الجزائر دعمها للشعب الصحراوي. وفيما يتعلق بمالي، فإن الجزائر التي تلعب دور قائد الوساطة الدولية، لم تكف عن المطالبة بتسريع تنفيذ اتفاق السلام والمصالحة المنبثق عن مسار الجزائر. وكانت الجزائر قد دعت مؤخرا الأطراف المالية، إلى تجديد موقفها لصالح هذا الاتفاق الذي يبقى يشكل الإطار المناسب لحل الأزمة في هذا البلد والحفاظ على سيادته.
    الجزائر لن تحيد عن خطها الدبلوماسي
واستمرّت الدبلوماسية الجزائرية، خلال عام 2023، كما كان دأبها دائما، في النشاط ضمن مبادئها الذهبية الثلاثة والمتمثلة في الدفاع عن حق الشعوب في تقرير مصيرها، ورفض ممارسة أي نوع من الوصاية على الدول فيما يخص شؤونها الداخلية، إلى جانب مبدأ ثالث يتمثل في تعزيز الحوار الشامل، كوسيلة لحل النزاعات الدولية، مهما كانت خطورتها.
فيما يخص فلسطين المحتلة، ظلت الجزائر وفية لموقفها الثابت في دعم القضية الفلسطينية التي وضعتها على رأس أولويات دبلوماسيتها، إذ لا تزال تدين استمرار العدوان الصهيوني الهمجي منذ 7 أكتوبر الماضي على غزة أمام الصمت الدولي المخزي.  فيما يتعلق بدولة مالي، فإن الجزائر التي تلعب دور قائد الوساطة الدولية لم تكف عن المطالبة بتسريع تنفيذ اتفاق السلام والمصالحة المنبثق عن مسار الجزائر، فقد دعت مؤخرا الأطراف المالية إلى تجديد موقفها لصالح هذا الاتفاق الذي كان ولا يزال يشكل “الإطار المناسب” لحل الأزمة في هذا البلد والحفاظ على سيادته.
كما حرصت الدبلوماسية الجزائرية في الاستمرار على نفس النهج ونسق السنوات الفارطة في الملف الليبي، للمساهمة في حل أزمتها المستمرة بفعل التدخلات الأجنبية “المتشعبة” والتي حذرت منها الجزائر في العديد من المحطات والمناسبات وأعلنتها صراحة على لسان رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، بأن حل هذا الملف يجب أن يكون بين مكونات الشعب الليبي وليس عند أطرف خارجية.
كما تواصلت الحركية الدبلوماسية سنة 2023، للمساهمة في معالجة أزمة النيجر لتجنيب هذا البلد الجار والشقيق ويلات الحرب والتدخل الأجنبي المباشر، وذلك بمباركة من الأمم المتحدة نفسها التي اعترفت وقدرت ـ شأنها شأن الاتحاد الافريقي ـ موقف الجزائر الثابت عاليا، من خلال عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وقطع الطريق أمام أي تدخل أجنبي.
 ع سمير

الرجوع إلى الأعلى