استطاع أخصائيون نفسانيون من الجزائر، أن يصنعوا محتوى متخصصا مطلوبا على مواقع التواصل الاجتماعي يحظى بالمتابعة والاهتمام، حيث يوظفون معارفهم لأجل التوعية و تعزيز الثقافة بأهمية الصحة النفسية، من خلال فيديوهات و منشورات توضح أمورا وتشرح اضطرابات و تقدم معلومات عامة، وهو ما حقق شهرة صفحات و حسابات يتمتع أصحابها بقدرة على الشرح والإقناع و تبسط القاموس النفساني، بما يعيد تشكيل صورة التخصص و يدفع للانفتاح أكثـر على خدمات المختص النفساني و يقدمه كحل لبعض المشكلات التي قد يواجهها الإنسان خلال مسار حياته.

"ريلز" و "شورتس" لتبسيط المعلومة في دقائق
وينشر ممارسون و أكاديميون مختصون في علم النفس معلومات عن المشاكل النفسية وكيفية تجاوزها أو التعامل معها في شكل مقاطع "ريلز أو شورتس" أو منشورات قصيرة، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تتناول مواضيع متنوعة مثل الصحة النفسية والعلاقات الإنسانية وتقنيات التأمل والتطور الشخصي، كما يقدمون محتوى سمعي أو سمعي بصري  على منصات مثل يوتيوب و بودكاست و التيكتوك، يتناولون عبره جوانب مختلفة من علم النفس بطريقة سهلة ومفهومة، وذلك من أجل استقطاب أكبر شريحة من المتابعين ومساعدتهم على فهم ما يمرون به.
والمتجول في الصفحات التي يديرها صناع هذا المحتوى، يمكنه أن يلحظ كمية الردود الإيجابية للرواد والمتابعين، حيث تؤكد غالبية التعليقات أهمية المنشورات و فائدتها وكيف تساعد فعليا على زيادة الوعي واكتساب ثقافة أوسع وأعمق فيما يتعلق بالتعامل مع الضغط والتوتر وفيما يخص العلاقات الاجتماعية كذلك.
ولعل ما شجع الأفراد على استشارة صناع المحتوى النفسي على مواقع التواصل، بدلا من زيارتهم في العيادات مباشرة، هو مجانية العملية حيث يقدم هؤلاء توجيها مبدئيا لكل من يطلب النصح، مع التأكيد على أن التشخيص يتطلب معاينة حقيقية إن كان المعني بحاجة فعلية لذلك.
سلاح ذو حدين


وأكدت الأخصائية والمعالجة النفسانية هالة غلاش، أن صناعة المحتوى الرقمي النفسي سلاح ذو حدين، يكون إيجابيا عندما يستخدم بشكل صحيح وفعال، ولكن إذ لم يتم التعامل معه فإن تأثيره يكون سلبيا، فمن إيجابيات المحتوى النفسي بحسب المتحدثة، أنه يصحح النظرة الخاطئة عن النفساني و عن المتابعة النفسية المتخصصة عموما، كما يوسع فهم الناس لمجال علم النفس وزيادة الوعي بقضايا الصحة النفسية، من خلال تبسيط بعض المفاهيم و التحفيز عن طريق قصص النجاح والتحديات والطرق المختلفة للتعامل مع المشاكل النفسية، كما يوفر دعما للأشخاص الذين يعانون من صعوبات في التواصل والحديث و التعبير عن المشاعر بشكل مباشر ويمهد لهم الطريق للتحرر من هذا العائق.
ويمكن أن يكون المحتوى ذو تأثير سلبي، تضيف الأخصائية، إذ تدخل في صناعته أشخاص من خارج المجال، خصوصا تجار " التنمية البشرية وتطوير الذات"، لأن هناك من لا هم لهم سوى تحقيق المشاهدات والأرباح من مواقع التواصل الاجتماعي، فتجدهم ينشرون معلومات خاطئة عن علاج بعض الاضطرابات النفسية، ويوقعون متابعيهم في مشاكل أعقد.
وشددت المتحدثة، على ضرورة أن يتبع منتجو المحتوى النفسي، مبادئ وأخلاقيات الممارسة المهنية عند نشر معلومات تخص الصحة النفسية لأن لكل كلمة تأثير، مع السعي إلى تبسيط الأمور و زرع ثقافية صحية وتوجيه الجمهور دون التعمق في الجوانب التي تتطلب متابعة مباشرة متخصصة.
وقالت النفسانية، إنها على حسابها تحاول في كل مرة أن تقدم معلومات عن أمور شائعة تلتقطها من خلال تعاملها مع الأفراد أو مع زوار عيادتها، وترى بأنها مشاكل مشتركة و شائعة و تتطلب الإشارة إليها والحديث عن أسبابها و طرق التعامل معها.
صورة النفساني بدأت تتغير تدريجيا
ووصفت غلاش، وجود الأخصائي النفساني على مواقع التواصل الاجتماعي بالمهم، لأنه يقدم الدعم النفسي للأفراد ويزيد من وعيهم بقضايا الصحة النفسية، خاصة وأن هناك جهلا وفهما خاطئا لفكرة المتابعة النفسية، فقد ساد الاعتقاد طويلا بأنها تقتصر على " المجانين" أن البحث عن المساعدة النفسية علامة على الضعف أو العجز، وهي صورة بدأت تتغير تدريجيا بفضل تحسن مستوى التواصل و توفر المعلومة.
وأكدت المتحدثة، أن نظرة المجتمع السلبية اتجاه الطبيب النفسي، والثقافة التقليدية المحشوة بمعلومات مشوهة عن هذا التخصص، يمكن أن تتغير من خلال تشجيع الأفراد على احترام الأشخاص الذين يطلبون الرعاية النفسية ومساعدتهم على الذهاب إلى الطبيب، كما  يمكن أن تلعب وسائل الإعلام والشخصيات العامة دورا هاما في تقليل الوصم وزيادة الوعي بأهمية الرعاية النفسية.
ويشكل الدعم الاجتماعي من الأصدقاء والعائلة والمجتمع عاملا مهما في تحسين نظرة الفرد للعلاج النفسي، حيث يشعر بحسب المتحدثة، بالراحة والدعم عندما يجد الدعم من حوله في تلك العملية.
نفسية سليمة جسم صحي
وتعتبر الصحة النفسية جزءا لا يتجزأ من الصحة الجسدية، كما ذهبت إليه الأخصائية، فهما تتأثران ببعضهما البعض، لذا من المهم الاهتمام بكلتيهما لضمان الحصول على حياة صحية ومتوازنة، فعلى سبيل المثال يمكن أن تزيد الضغوط النفسية والقلق والاكتئاب من احتمالية الإصابة بأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم والأمراض المناعية.
وأكدت المتحدثة، أن العديد من الأخصائيين في علم النفس، استخدموا وسائل التواصل الاجتماعي، كوسيلة لتوعية الأشخاص الذين يعانون من   مشاكل نفسية ولا يعيرونها اهتماما وبالأخص المشاكل الشائعة مثل القلق والتوتر، إضافة إلى المشاكل العائلية و المهنية والزوجية، والتي قد توصلهم إلى حد الانهيار والكآبة إلى جانب الاضطرابات العصبية.
المستشارة الأسرية نوال مكيد:  الدعم النفسي  عن بعد ضروري في وقتنا الحالي


من جهتها أكدت المستشارة الأسرية، نوال مكيد، وهي واحدة من الأخصائيين الناشطين بقوة على المواقع، أنها تتلقى يوميا مئات الرسائل من متابعين لصفحتها على فيسبوك لطلب الاستشارة والتوجيه، وقالت إن الفرد الجزائري كان في وقت مضى يخشى زيارة الأخصائي النفساني ويعتبر ذلك من الطابوهات، بسبب عوامل ثقافية واجتماعية، رغم أن العلاج ضروري في بعض الأحيان لأن صحة الأفراد من سلامة المجتمع.
وأوضحت المتحدثة، أنه مع تفاقم الضغوطات المادية و المهنية والاجتماعية بفعل نمط الحياة المتسارع، فقد زادت الحاجة للثقافة النفسية وهو ما دفع ممارسين و متخصصين للنشاط على مواقع التواصل الاجتماعي، بهدف المساهمة في تشكيل الوعي الصحي، و مد يد العون لمن يعانون من مشاكل نفسية ويعجزون عن إدراك ذلك أو التعبير عنه، وتحذيرهم من خطورة التهاون في  طلب الرعاية النفسية، لأن ذلك سينعكس سلبا على علاقاتهم الشخصية و أدائهم الوظيفي، ومضاعفة خطر الإصابة بالاكتئاب والقلق وبعض الأمراض العضوية.
وأضافت، أن الأخصائيين النفسانيين الذين ينشطون على مواقع التواصل سواء كانوا أطباء أو مدربي الحياة، نجحوا نسبيا في تحرير المجتمع من الأفكار السلبية المتعلقة بالعلاج النفسي، وتعزيز الوعي بأهميته وفوائده على الصحة النفسية، مع التنبيه إلى أن العلاج من مشكلة نفسية لا يجب أن يتأخر.
مؤكدة، بأن المحتوى النفسي على مواقع التواصل الاجتماعي ضروري في وقتنا  الحالي لأجل تعزيز الوعي بالصحة النفسية وتقديم الدعم العاطفي للأشخاص ولو كان ذلك عن بعد، فعلى سبيل المثال يمكن للمحتوى أن يشمل نصائح للتعامل مع الضغوطات النفسية، وتقنيات التأمل والاسترخاء، ومقالات توعوية حول الأمراض النفسية المختلفة وكيفية التعامل معها.
وعلى الفرد الذي يواجه مشاكل وضغوطات صغيرة في أيامه العادية التعامل معها بطرق بسيطة في المنزل، من خلال استخدم الكتب الذاتية والبرامج التعليمية عبر الإنترنت والموارد الأخرى لتعلم استراتيجيات جديدة لتجاوز بعض المشاكل النفسية.
وتحذر الأخصائية، من الانسياق وراء كل ما ينشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي من  معلومات حول الصحة النفسية، لأن هناك دخلاء لا علاقة بالتخصص، يجب التأكد من مصداقيتهم قبل إتباع نصائحهم وذلك من خلال  البحث عن تقييمات وآراء المرضى السابقين عن الطبيب  في التعليقات.
لينة دلول

الرجوع إلى الأعلى